الله خالق، عليم بخلقه، حكيم في قَدَره، عدل في انصافه، شديد في عقابه، بيده الأمر كله، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه...
أنفسنا كلها بين يديه، تتألم وهو عليم بحالها، تستغيث وهو مغيثها، تناجي وهو حيي منها، تعصي وهو باسط يديه لها، ثم تناجي وهي بالذنوب والمعاصي قد أُثقلت، وهو الكريم العليم بذاتها لا ينظر إليها نظرة العباد؛ فعين الله بصيرة بقلبها وفؤادها...
ينظر -سبحانه وتعالي- فيري قلوبا قد تعلقت، وقلوبا قد طغت، وقلوبا أخري لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء، انهمرت كدمعة بين دموع الدنيا فلم يبالي بها الباكي، وتصدعت بحركاتها البطيئة المتوارية، واعتصرت برياح هوجاء خلّفت أعاصيرا، وتوارت بأمواج عاتية....
قلوب أسقطتها الدنيا ببئر يوسف، لكنها لا تعلم من أمر سيارة العزيز شيئا، ولم تبتغِ من قلب أيوب صبرا، ولكنها أمست في ظلمات يونس عمرا...
وعجب العجاب أنها لا تحرك ساكنة، فلا أمرا عاد بيدها -كما تملي عليها النفس-، لكن تلك القلوب تناست جميع الكلمات وفقدت ادراك المعاني والمفاهيم، لكنها ما زالت تحتفظ بإدراكها عن الله، لازالت تردد "لن يضيعني الله"...
...
قد يتبادر إلي ذهنك أن ما سبق هو فيض من هواجس الخيال، وتعذيب لمرارة القسوة كي تكون صياغة الحديث أمرا تشوبه العذوبة واللذة...
لكن -عزيزي القارئ- تلك القلوب بيننا، هي التي تخشي القسوة أن تصيبها، ويفر الججود من بين فياتها، لكن الله أصابها ليختبرها، ربما لزمها السقم والعلة، تعلقت بما لا ينبغي له أن يملك القلب، ولكن الأكيد أنها تعلقت قبل ذلك بالله، وأذاقها من جميل فضله ما يرويها، لكن أصابتها الغفلة، ومن منا لم تصبه الغفلة؟!، بل من منا لم تُرْدِه الغفلة أرضا؟!،...
فقط قد هوت أكثر مما ينبغي لها أن تهوي، أصابها داء ألم بها، ونزلت بها شهوة زلزلتها...
ربما قد يكون الشك الذي تبادر إليك سابقا قد وُفقت في أن أدفعه للجلاء ولكن..
معذرة -يا جميل المحيا- ولنكن كذلك علي وفاق بأنك قد تفهمت وجود هؤلاء حقا
فما ظنك  بالله فيهم، هل له أن يضيعهم؟، هل لهم أن يتخذوا من ظلمات يونس قبرا؟ أم آن الآوان أن تطوف بهم سيارة العزيز؟!
وهل لسيارة العزيز أن تكفلهم؟! بل وتكفل قلوبهم؟!
ولكني سأترك لك عنان الإجابة، ربما تدرك حينها كيف يري قلبك الله، كيف نجاك الله إن كنت ممن مثلهم، وكيف أسقط الله في سبيلك يوما الخضر أو علياً أو جعل لك من أبي بكر صاحبا ومن عمر ناصرا ومن عثمان ورعا حييا نقيا...
.....
ولكن في النهاية...
اعلم أن الغفلة أبوابها متعددة، وأن القلوب في ممر الريح لا سلطان لها؛ فاسأل ربك سكينة وسلاما لها...
واعلم أنه مهما تعددت المحن والشهوات والعثرات والخيبات؛ فرب ذلك هو الله، هو القاهر، وهو الباعث بالنجاة، وهو عليم بذات الصدور...

وإلي لقاء.... "وليكن عنوان الحديث لك -عزيزي القارئ-"