عندما رآه الملك عبدالعزيز أوّلَ مرّةٍ ؛ قال عنه : " أبو اخْشِيم هو فحلهم " !

كان ذلك : حين قام وفدٌ من " الضبّاط الأحرار " بزيارة المملكة ؛ وذلك للسلام على الملك الموحد ، وأخذِ بركته !

أمّا عن " الفحل " الذي تثنّى ربعه ( بعد محمد نجيب ) فاستخلصته من بينهم عينا الصقر الرهيب ( عبدالعزيز ) ؛ فإنّه قد كان : جمال عبدالناصر حسين .

جمال المتدرج صعوداً ونزولاً : ( البكباشي ، الرئيس ، الزعيم ، الملهم ، المهزوم ) !

وجمال الشخصيّة التي قد حوت كاريزما خاصّة ؛ جعلت منه وفيه مغناطيساً يجتذبُ من حوله !

وهو أيضاً الشخصيّة الثانية بعد أتاتورك : في التأثير الكبير على الأمة توجهاً وهدفاً .

فأتاتورك اجتالَ الأتراك – كما تجتالُ الشياطين بني آدم عن الحنيفيّة – وجمال قد تولّى هذه المهمّة في العرب .

تبنّى القوميّة العربيّة ( كما تبنّى أتاتورك الطورانيّة التركية ونبْذَ الإسلام ) ؛ وسخّر لها آلة إعلامه القوية – من خلال إعلام سليط اللسان ، قوي البيان ، سبق من حوله ، وقال في " فاروق " المصري ما لم يقله عن الملك سلمان !

إعلامٌ رهيب كان من كوادره البذيئة " حسنين هيكل " الذي وصفه الشيخ " كشك " بـ " هامان عبدالناصر " !

وكان فيه أحمد سعيد ( معلق إذاعة صوت العرب ) الذي أسقطَ لإسرائيل مئات الطائرات في البر ؛ وقذف من تبقى منهم على اليابسة في البحر ؛ ليبقى الحوتُ يتْرَعُ شَبَعًا حتى الآن !

وكان له – أيضاً - فيصل بن عبدالعزيز ؛ الذي كبحَ جماحه ، وأسكتَ صهيله ، وأوقف غروره !

" أبو دقن دا هنحلق له دئنه " هكذا كان يقول جمال عن فيصل !

فيما كان دماغ جزيرة العرب المفكر ( فيصل ) يرقب بصمتٍ مُذهلٍ عنتريات جمال الجوفاء ، ويتخوف ببعيدٍ من عُقبى ذلك ، ولكنّه كان يُجامل جمالاً – حتى حين !

من عادة آل سعود طول النفَس ، والصمت الطويل ، والصبر المُمْرِض : إلاّ أنّهم يتدخلون في الوقت المناسب !

والتاريخ يُعيد نفسه : فكما تدخلت السعودية اليوم لإيقاف المد الثوري الإيراني في اليمن ؛ فإنها قد قالت نفس الشيء للمد الثوري الناصري ؛ وأيضاً : من خلال اليمن !

كان جمال يُهدد إسرائيل بصوته ؛ فيما أنّ عينه وبندقيته ولعابه : لا تتهيج إلا على إخوته !

فساهم في إسقاط مملكة ليبيا ؛ وقدّم القذافي من ثَمَّ هديةً لهذا الشعب المسكين ، ومدّ يد العون إلى عسكر العراق ؛ لتسقط مملكة بني هاشم فيه ، وليحل محلهم الشيوعيون ، ثم ساهم ( جيشاً وإعلاما ) في إسقاط مملكة اليمن ، لتكون النتيجة علي صالح ، وصنع المشاكل – قبل ذلك وبعده - للأردن والسعودية ومشيخات الخليج !

عقدّة نفسيّة متطرفة من الملكيات وأهلها في نفس جمال الموتورة – مع طمع لا حدود له .. ترجمه فيما بعد بخلاف ما يدعو له حين أجرى الوحدة مع سوريا ؛ فكان رجاله الناصريون يقومون باحتلال نظامي ( مكتبي ) لهذا البلد ، حتى قال السوريون : " هذا احتلال وليس وحدة " ! ، ثم كان الاحتلال العسكري لليمن ؛ ولتذوق مصر " الغنية " بسبب هذه العنجهية السياسية : الفقر والألم وفقدان الاتزان !

الخليج ؛ حيث النفط ، والبدو العُزل ، والصحراء المتخلخلة سكانياً - واليمن السعيد بوابة هذا الجَمال لجَمال : كانت تضطرب فيه التوجهات والولاءات !

فرصة ظنّها جمال المتهور ؛ وأحجم عنها عبدالعزيز ( الملك ) الحكيم !

فعندما دخل الجيش السعودي لليمن ، ورفع العلم السعودي على صارية " الحديدة " ما لبث أن نكص إلى دفئه ( وطنه ) سريعاً ؛ ليبكي أحد مرافقي الملك عبدالعزيز تأثراً من هذا الانسحاب غير المبرر – من وجهة نظره – وليقول له عبدالعزيز : يا خِبل ؛ اليمن يبي له رجال تحكمه !

نعم ؛ فاليمن يحتاج لألف ألف حتى يُسَيطر عليه ؛ إذْ هي الجبال الشاهقة ، والأودية السحيقة ، والجغرافيا الصعبة، والرجال الشجعان – فبقي ( اليمن ) لذلك وعلى مدار التاريخ كله : عصياً على أي محتل ، ومزعجاً لأي غريب !

اليمن الذي عرفه حبر هذه الأمة ( ابن عبّاس ) فنصح ابن عمه الحسين بن علي ( السبط الشهيد ) به ؛ إذْ قال له : " فإن أبيت إلاّ أن تخرج ؛ فسر إلى اليمن ؛ فإن بها حصوناً وشعاباً ، ولأبيك بها أنصاراً " !

هذا كله يعرفه عبدالعزيز ، وأبناء عبدالعزيز ؛ ولكنّ الرئيس جمال لا يعرفه !

وفيصل : يرقبُ بصمت ، ويزمُّ شفتيه على حكمة ، وينظرُ لبعيد !

دخل الجيش المصري إلى اليمن لمساندة الجمهوريين ضد الملكيين بقوات وصلت لخمسة وخمسين ألف مقاتل .. يعقِبُ ذلك الدخول ضربٌ للمدن الجنوبية السعودية : والمعنى أظنه واضح يا فيصل !

فيصل يقول في مجلسه : والله ؛ ولست أبا عبدالله ؛ إن لم أجعله يأتي بنفسه يطلب الصلح !

استدعى فيصل أخاه سلطان بن عبدالعزيز ؛ وقال : اليوم يا سلطان !

بدأت لعبة قلب موازين القوى ؛ وبدأ سلطان يبتسمُ للقبائل اليمنية !

ترنّح الجيش الناصري في اليمن ؛ بل وتشوّه ؛ إذْ قيل بأن حملة تشويه قد جرت في تلكم الحرب لكوادره !

وعرف جمال أنه قد غاص في مستنقع لا بد من الخلاص منه ؛ فتعال يا فيصل !

أبى فيصل إلاّ أن يأتيه جمال بنفسه إلى جدّة ؛ فعزّت على جمال نفسه ؛ وقال : ليكن في البحر يا فيصل ( أرجوك ) !

ارحموا عزيز قومٍ ذل ؛ فتعال إلى بحر جدّة يا جمال !

وقّع جمال مع الشخص الذي كان يراسله دون مظروف - استهانة واحتقارًا - ؛ فكان هذا الشخص ( فيصل ) يرد له الرسالة الخطيّة دون مظروف ( كان جمال يفعلها مع فيصل ) !

عاد جمال إلى مصر ؛ وقيل بأنه قد أرسل صاروخاً إلى السفينة المصرية التي تحمل فلول الجيش الناصري المشوّه ؛ لئلا يرى الشعب ذلك ؛ فقد كانت " فيتنام مصر " كما قد وُصفت !

وعاد بعدها فيصل إلى المذياع يستمع بمضض لعنتريات جمال التي لا تنتهي !

وجاءت عقوبة غير الحق ( راية القومية ) : طائرات العدو الإسرائيلي تضرب الرابضات فوق مطارات مصر ؛ فتُشل لذلك حركة الجيش المصري الأبي ؛ ثم تحتل سيناء بعدها .. ولا يكفُ جمالٌ عن التمثيل أبداً ؛ فيعلن عن تنحيه اليوم .. ويعود في الغد !

ثم مات جمال ؛ وعاشَ فيصل !

آيـدن .