كانت تقف علي مقربةٍ من النافذة... لم تكن تسعد وهي ترى الناس ينظرون اليها ... 

كانت تضحك في داخلها لانها تراهم ولا يرونها ... 

بدا اهتمامها لتلك النافذةٍ طبيعياً لمدة قصيرة ... 

ثم عادت لتختبئ في زاوية غرفتها ... 

في كل مرةٍ تنهض حاملةً كوبها المليء بالقهوة المُرة .. لتقف أمام النافذة لعلها تجد مايثير فضولها .... 

لاتجد الا الضباب البارد الرطب .... 

والذي تشعر به وكأنه جاثوماً يطبق علي صدرها .... 

تتراجع وتجلس علي ظهر مقعدها وتتأمل السماء ... تجدها ذات السماء ... بلا سحب ... ولا هواء نظيف ... ولا حتى نوراً صحيح الالوان للشمس ... 

في كل مرة ترغب بالخروج بها من المنزل تتراجع لذات الصورة .... 

لن أرى غير مارأيت من تلك النافذة ... 

لتعود وترمي بجسدها الهزيل الضعيف علي ذلك المقعد ذو الصرير المزعج .... 

تربكها حركة اطفال جارتها بالدور العلوي ... 

كم مرةً رددت في داخلها لو أن صاحب المنزل يطردهم خارجاً ... 

تنظر لساعة الحائط لتجدها متوقفة .... 

تردد بصوت خافت جداً .. يكفيني ان اعرف متى تشرق الشمس ومتى تغيب ...! 

تسحب دفتراً مليئاً بالقصاصات الاضافية ... تسحب ورقةً صفراء ممزقٌ طرفها وكأنها سُحبت من يد احدهم ... 

لتقرأها بصوت مسموع ... 

أنهضي لتبحثي عن الحياة .... 

تطيل النظر بتلك الورقة ... تدعها تسقط من يدها لتنفجر ضاحكةً وبشدة ... 

وكأن احدهم يوجه سلاحاً علي رأسها لتضحك...؟! 

صمتت فجأة بعد ثوانٍ لم تكن لتحسب من ضحكها ذاك .... 

التقطتها وكأنها تلتقط ترياقاً يساعدها عالخلود ... عالبقاء علي الحياة ... 

تُعيدها بين طيات اوراق ذلك الدفتر ...

تنظر ملياً في ارجاء الغرفه ... ليثبت نظرها علي مقعدٍ بجوار الباب ... 

تنظر اليه وعيناها تتألم ... ويكاد قلبها ينصهر بين أضلاعها ... 

اعتدلت في مقعدها ... وخاطبته قائلة ... ليس هنالك حياة لاهنا ولا هناك ....! ( تشير بيدها الى النافذه ثم الى صدرها) 

كادت أن تخرج رئتيها من صدرها مع نفسٍ  اخرجته بكل ثقل ... وكأنها تحاول ان تخرج ذلك الالم المحبوس بداخلها..؟! 

تبعد عينيها عن ذلك المقعد لتدفن نفسها في مقعدها وتسحبه للطاولة بشده حتى ان جسدها لم يشعر بقوة السحب تلك ... 

اخذت تشتت تفكيرها وهي تنظر لمكتبها وتنظر للفوضى التي تعلوه ... 

حاولت ان ترتبه سريعاً ... هيهات فأصابعها ترتجف وكأنها مصعوقةً بالكهرباء ... 

كانت يديها هزيلة ... بشرتها شاحبه ... نظرت ليديها بلطف ... وقالت لها ... هل اهملتك ..! 

لم اعطيك مااحتجته من اهتمام ... 

حاولت ان تضم كفيها ببعضهم لكن لازالت ترتجف وكأن ملك الموت علي اطرافهم يقف ...! 

ضربت بها ذلك المكتب المتهاوي لعلها تشعر ولو بالقليل من الألم ... 

تألمت خلاياها ... تألمت عضلات يديها .... لكن لم تشعر بذلك الألم ...! 

لم تشعر .... لم تتألم ... 

لتسقط عالارض باكية ... اخذت تبكي بصوت لو فهم اهل الارض مافيه من الألم لأقاموا الحداد جميعهم ... 

كانت دموعها وكأنهم رصاصاً مصبوب يخرج من عينيها .... 

كانت انفاسها نسائم من جهنم ...! 

كان داخلها يحترق وكأنه الدرك الاسفل من الجحيم .... 

كانت تود لو الموت يقف علي بابها لو زائراً .... 

بين كل شهقةٍ وأخرى تأخذها تنظر لسقف غرفتها ... ترجوه ان ينهار عليها .... 

لم تكن تستطيع الانتحار .... ولم يكن الموت ملبياً للنداء ... 

لعل الجمادات ترضخ لامنياتها ... وتعطيها حلمها ....

كانت تدعو .... يالله لطفك بجسد أنهكه الألم ... 

ضرب البرق ارجاء السماء ليتزامن مع سجودها عالارض ...

صرخت بقوة وهي تحتضن الارض ... 

صرخت بكل ماافيها من ألم ... صرخت سعادةً ان السماء أتت لها سعياً ... 

لتخبرها أخرجي مابداخلك هذا هو يومنا .... 

سأصرخ معك ... سأمنحك الهدوء الذي لطالما رغبتي به .... 

ظلت تفترش الارض ومع كل هزيم رعد تُخرِج من داخلها صوتاً عظيماً لو فقهته الجبال لغدت كالعهن المنفوش ....

اخذت قطرات المطر تضرب نافذتها الباهته ... 

واخذت دموعها بالجفاف ... 

وكأن السماء تعطيها هدنةً مع ذاتها ... سأذرف عنك مااتبقي من ألم فلتستريحي قليلاً ... 

نامت بذات المكان ... نامت تحت ذلك المكتب المكتظ بالاوراق والكتب ... 

نامت بعد أن احرقت روحها من ذلك الألم .... 

لربما أغمضت عينيها ... لكن قلبها مازال مستيقظاً ...! 

لان دموعها لم تتوقف ... طالما نبضاته لم تتوقف ...  

ظلت تستمع لضربات قطرات المطر المتوافقة مع ضربات قلبها ... 

جلست بعد معاناة من سحب اطرافها لتنهض علي قدميها ...

وجلست في مواجهة النافذة ... 

كانت اطراف شفتيها جافة ومتشققه وكأنها صحراء اختار المطر فراقها للابد ... 

كان تحت عينيها فوهتان لبركان قد ثار .. وانخمد ....! 

كانت وجنتيها ذات حمرة مميته .... ليس جمالاً وانما احتراقاً ... 

خصلات شعرها المتناثره علي وجهها ... كانها خيوط عنكبوت ... 

نظرت للسماء ... ورفعت يديها لتحيي تلك الغيمه التي استقرت فوقها مباشرة ،..

تنظر اليها بعينين دامعتين ... همست بصوتٍ باكٍ ... لن أنساك وان تلاشيت ... 

وضعت يديها عالنافذة لعلها تشعر ببرودة المطر المنهمر عليها ....

لعل دمها يبرد ... لعلها تشعر ... لعل خلاياها ترتاح من الاحتراق المستمر الذي تعيش فيه .... 

هيهات ... ماازال الدفء يسكن حتى ارق عظامها ....! 

سحبت قفل النافذة بخفه ... فتحتها ... هبت نسائم باردة علي وجهها ابعدت تلك الخصل المتناثره بأهمال علي وجهها ....

شعرت وكأنها ستنسى ... ضحكت عينيها ... لكن باقي ملامحها يسكنها الجمود ... 

نظرت للسماء .... وقلبها يردد ياالله لطفك يغمرني ... لكن الموت بعيد ... أحيا في جهنم دون موت .... 

يالله يالله ياالله ياالله ياالله .... 

وقعت بعض قطرات المطر علي وجهها ... 

لم تتأذى ولم تتذمر ... 

بقيت علي ذات الوضع حتى وقف المطر .... 

لم تشعر بالوقت ... 

لم تنظر للوقت ...
وكأن توقف عقارب الساعه كان طوق نجاة ...

وان كان طوقاً مثقوباً ... 

يكفي بأنه منحها أملاً ... انه رغم بوادر الحياه ... فهناك لها نهاية ... 

ستنتهي ... وسينتهي ذاك الاحتراق اللامنتهي بداخلها .... 

سينقضي ذاك الالم ... 

مع آخر نسائم من جهنم تخرج من صدرها....