نحن أيضاً ظلمنا رسولَ الله
أحياناً اتصورُ أنَّ الرسولَ عليه السلام ، لو نظَر الينا لما فَرِح بغَضْبَتِنا على ماكرون و فرنسا ، بقدر ما سيغضبُ منا نحن المسلمين ؛ فنحن في واد ، و تعاليمُ أرحمِ الخلقِ محمداً في وادٍ مختلف تماماً ..
إذا أردنا أن ننصرَ نبيَّنا محمداً ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، فلنتبع تعاليم محمد ، محمدٌ صاحبُ القلبِ الكبير ، و الوجْهِ الباسِم ، محمد ، الذي لا يغضبُ لنفسِه أبداً ، لكنَّه يغضبُ حتى يحمرَّ وجهُهُ الشريف ، إذا انتُهِكت حدودُ الله ، محمد ، صاحبُ القلبِ الرَّقيق ، الذي يرفُض أن نكرَه العاصِي ، فيأمُرَنا أن نكره فعلَ المعصيةِ ذاتِها ، ليترك بابَ التوبةِ مُشَرَّعاً ، يدخلُه التائبون بدونِ حَرَج ..
محمد ، صاحبُ القلبِ الرَّحيم ، الذي عفا عن رؤس الكُفْرِ من قريش ، أهلُه ، اللذين عذبوه و شتموه و شوهوا صورتَه البَهِيَّة ، أهلُه ، اللذين قتلوا أصحابه، و شرَّدوا و أبعدوا أتباعَه ، أهلُه ، اللذين حاصروه هو ، و عمه ، الشيخ الكبير النبيل ، و زوجه خديجه ، أحب أزواجه الى قلبه ، و المؤمنين ، أهلُهُ هؤلاء ، حاصروهم ثلاث سنين ، حتى ذوًّبهم الجوع ، ثم قال لهم اذهبوا فأنتم الطُلَقاء ...
محمد ، الذي أمر الجارَ أن يتفقدَ جارَه، أن يُؤْخَذ من الغنيِّ و إن يُعْطى الفقير ، الذي نهى عن احتكار البضائع ، و نهى عن اكتناز الأموال ، و دعا الى توزيع عادل لثروات المجتمع على الجميع ، فلا يتحكًم قلَّة من الأغنياء بمصير الأغلبية...
محمدٌ الرحيمُ العادِل ، صاحبُ القلبِ الكبير ، و العقلِ المُسْتَنِير ، لو رآنا لأنكرنا ، لما عرف أننا مسلمون ..
فنحنُ قساة غِلاظ القلوب ، متفرقون ، مُتَسَلِّطون ، ظالمون ، أصحابُ عقولٍ محدودةٍ و تفكيرٍ سَطْحِي ...
فالوزراء يتسلطون على الموظفين ، و الموظفون يتسلطون على المواطنين ، و الرجلُ يتسلَّطُ على زوجتِه، و الزوجة على أولادِها ، و الحاكمُ يتسلطُّ على الجميع ...
الإسلاميون يكفرون العلمانيين ، و العلمانيون يلعنون الإسلاميين ، السنة تلعن الشيعة و الشيعة تلعن السنة ....
ثم ندَّعي الغضبَ إذا شُتِم الرسول !!! نحن من ظلمنا الرسولَ حين انتسبنا الى أمتِه و حالُنا كما وصَفْنا ... إن كنا نزعمُ حبَّ الرسول ، فلنُحِبُّ بعضَنا ، فلنرحمْ بعضَنا ، فلنوحِّد كلمتنا ، فليكُن هدفَنا الإصلاحُ لا العقوبة و الإنتقام ....
نحن في حالة تَرَدِّي و انحطاط شاملة لكل مناحي الحياة، حالُنا تُدمي القلب ، نحن نستسهِلُ الصراخَ و الشتيمةَ ادعاءً لغضبنا لرسول الله ، و عندما تعودُ الحياةُ الى ايقاعِها الاعتيادِي ، فإننا نعصي رسولَ الله في كل لحظة ... أو تدرونَ لماذا ؟ .
لإنَّ الصراخَ و الشتيمة أسهل ما يمكن أن يفعله الإنسان ، أما اتباع الرسول ، فأمرُ صعبُ شاقٌ لا يقوى عليه الا أصحاب العزائم الصلبة و النفوس الكبيرة ...
إذاً ، من نحن؟
نحن نتاج واقع قاهِر صعب ، واقع جعلنا - للأسف - أنانيين ، سطحيين ، ندَّعي علماً بكل شيء ، و نحن لا نتقن أي شيء ، كلا ، نحن نتقن الكلام ، الكلام الفارغ، العنتريات المزايدات ، نحن نتقِن الظلم و القسوة ، نتعرض يوميا لقهر الإحتلال ، و قهر الحكام، و قهر حفنة من الأغنياء ، و نسكت ، ثم نفرِّغ هذا القهر في أنفِسِنا .
نحن مشوهون حتى النخاع ، نحن بحاجة الى ثورة تغيير شاملة ، فبالتوازي مع محاربة الاحتلال ،علينا محاربة الأنذال اللذين رضوا أن يكونوا إدوات للغرب ، و علينا محاربة العادات البالية ، و الأفكار المُتَخَلِّفَة ، و السلوكيات الشاذة ... كل جزء في حياتنا بحاجة الى تغيير ...
" إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم " .
و حسبنا الله ونعم الوكيل.
#خواطر_علاء_هلال