الدين ، من وجهة نظري ، توازن و بساطة و توسُّط و رحمة للعباد ، النافع للناس هو الحلال دينا ، و الضارُّ للناس هو الحرام دينا ، على الا يكون النفع و الضرر على هوى مجموعة أو فرد ، بل ما ينفع الناس عامة ، ما اتفق البشر على مر العصور على نفعه ...

ليتنا نُدْرِكُ ذلك قبل أن يُدْرِكَنا العذابُ في الدنيا قبل عذاب الآخرة الذي أرهبنا به المشايخ ، عذابُ الدنيا الناتج عن الفُرقَة و العداوة و الخصومة و الاستِكبار و الغرور ....

ليتنا نُدْرِكُ أن الهدف من الدين هو الرحمة " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ؛ رحمة للعالمين، للمسلمين و غيرهم ، للمذنبين و المطيعيين ، رحمة ليست حصرية لكم أيها المسلمون ، لأن المقصد العظيم للدين ليس تعذيب المُسِيء ، و لا محاربة الكافر ، الهدف هو حملهم برفق و حكمة الى الطريق المستقيم ، الطريق الجامع النافع المرصوف بالرحمة ، و المحفوف بالرفق ، و المُزَيَّن بالإبتسامة و الكلمة الحلوة الطيبة... هذا هو الدين ... ليتنا نعي ذلك قبل الطوفان ...

ليتَ إيمانَنَا الجميل يغلِبُ تعصبَنا القبيح، ليت تفكيرنا المستنير يغلب عقلنا المظلِم الظالم، ليت العفو يغلب الإدانة ، ليت الكلمة تغلب الرصاصة ....

مصيبتنا في أهوائنا و عاداتنا و تقليدنا لغيرنا و تقديم قسوة الجماعة على رحمة الدين ، تقديم حظ نفوسنا على تطهير قلوبنا و ترقيقها ... مصيبتنا أننا جعلنا الدين مظاهر و طقوس لا روح لها ، فأصبحنا نحن المسلمين بلا روح ، بلا قلب .... كل حياتنا من أتفه تفاصيلها الى أعقدها تفتقد لبساطة الدين و عدله و تسامحه ، أعراسُنا أتراحنا ، تعليمنا ، تعاملاتنا المالية ، ... كل شيء يؤشر الى مجتمع أخذ أسوء ما في الحضارة و أسوأ ما في التراث ، حتى المشايخ أصبحوا استهلاكيين ، انغمسوا في عالم الأعمال و الدعاية ، أصبحت قيم النجاح و التفوق في السوق مظهرا من نجاح المسلم .... " إسلام السوق " المستورد من أقبح ما وصلت اليها الرأسمالية ، المقتبس من النيوليبرالية ، غلب إسلام الرسول ...

و الله إنه واقع يدمي القلب و العين ، فقدنا البوصلة ، فقدنا الهوية ، فلا نحن عرب أقحاح أصحاب نخوة و كرامة ، و لا نحن مسلمين صحاح ، يحب بعضُهم بعضا ، و لا نحن حداثيين في تفكيرنا و مؤسساتنا و علاقاتنا ....

نحن خليط من أخلاق القبيلة السيئة ، و تعاليم التراث المتخلفة ، و ترتيبات الغرب الإستعمارية التي وضعت لنهبنا ... و كل من يخرج عن ذلك فله الويل و الثبور و عظائم الأمور .... فويلٌ لنا ، كلُّ الويل .