عندما يتحول البؤس إلى ديدن ؛ فإنّه يجعل من الشقاء قناعة !
في أواخر سني الملك عبدالعزيز – طيّب الله ثراه – شبّ حريق هائل في أحد قصور الملك ، وحدث أن كان في هذا القصر بعض أبنائه الصغار .
وفيما كان الجميع خارج القصر يرقب ألسنة اللهب ، ويذهل من صراخ النساء ، ويرتاعُ من تساقط الأسقف ؛ إذا بشابٍ زنجي جسور ينطلق من تلك الجمهرة الصامتة ، فيخترق وحده اللظى ، ويقتحم بمفرده القصر ، إلى أن وصل إلى هؤلاء الصبية ( الأمراء ) الصغار ، فيحملهم بيديه في شجاعة نادرة ، وسط تلكم النيران والأدخنة ، ومن ثمّ يفرّ بهم إلى خارج القصر - حيث تكون النجاة والسلامة !
على الفور ؛ وصل خبر هذا الشاب الشجاع إلى الملك عبدالعزيز – رحمه الله - ، فقال ائتوني به ! فلما مثل بين يديه ، قال له الملك صارخاً : اطلب يا ولدي ! فقال الفقير / الإفريقي : أريد " لوري " !
واللوري – لمن لا يعرفه – هو الشاحنة الكبيرة ، ولكن المفاجأة المدهشة في هذا الطلب لم تكن في نوعه ، وإنما في الغرض منه ، إذ إنّه قد تبيّن فيما بعد بأنّ هذا الشاب الإفريقي إنما كان يطلب أن يكون " سوّاق " لوري ، لا أنْ يمتلك " لوري " !
إنّ البؤساء في أحلامهم بخلاء !
من هذا الصنف في قناعة البؤس كان هذا الشاعر الذي تمنى يوماً ؛ فقال :
ليت السماء تمطر جنيهات = حتى القواضا يواجرونا ننقل لهم !
هذا الشاعر الفقير من أرض " عنيزة / القصيم " يتمنى أن تمطر السماء ذهباً وجنيهات – لا ليملأ جيبه منها ؛ إذْ إنّ حظه – عند نفسه - هو أقل من ذلك بكثير ، وإنما لتكون هذه الجنيهات لأسرة " القاضي " الثرية في عنيزة ، ومن ثم يحصل هو على فرصة عمل ؛ فيشغلونه وصحبه الفقراء " حمّالة " ذهبٍ لهم !
إنّ الفقراء في أحلامهم فقراء !
إنّ البؤساء في أحلامهم بخلاء !
آيدن .