أين الملوكُ ذَوو التيجانِ من يَمَنٍ = وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟

وأينَ ما شَادَهُ شدَّادُ في إرَمٍ = وأينَ ما سَاسَهُ في الفُرسِ سَاسانُ ؟

وأينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ = وأينَ عادٌ وشَدّادٌ وقحطانُ ؟

أتى على الكُلِ أمرٌ لا مَرَدَّ لَهُ = حتى قَضَوا فكأن القومَ ما كانوا !!

مَلِكٌ ابنُ ملك ، ومخلوعٌ ابن مخلوع !
( شاهنشاه ، محور الكون ، شرطيُّ الخليج ) !
إلى آخر تلكمُ الألقاب التي هي شنيعةٌ عند الله ثم عند خلقه !
سأل عبدالملك بن مروان ( الخليفة الأموي ) بعض جلسائه عن أجمل النساء ، فأجابه بأوصافٍ أستحي من ذكرها ... فقال عبدالملك : ويحك فأين أجدها ؟ فقال المُستشار : تَجدُها في خالِصِ العرب وخالِصِ الفُرس !
وهذا ما فعله شاهُ إيران ( المخلوع ) : محمد رضا بهلوي !
فقد تزوّج من أجمل أميرات العرب ( الأميرة فوزيّة ) شقيقة الملكِ فاروق الأول ( ملك مصر والسودان ) !
تلكَ الأميرةُ الحسناء ؛ التي قال عنها سفيرُ بريطانيا في مصر ( مايلز لامبسون ) : " رأيتُ فيها أجملَ نساء الأرض " !
ثمّ طلّقها " الشاه " بعد ذلك أو طلّقته ؛ ليتزوج من أجمل نساءِ الفُرس ( الإمبراطورة فرح ديبا ) !
وليعيش فيما بعد هذا الثُعبان وهاته الأفعى أسوأ مثالٍ للبذخ والمجون والترف والفساد خلال القرن الفارط !
فكوّنا حياةً أسطوريّة بمعنى الكلمة ؛ تستحقُ أن يُنسج عليها مقولة " ألف ليلة وليلة " !
فشيّدا القصور الفارهة ، وارتديا الملابس الفخمة ، وقابلا سادة الزمان وسيداته !
ولأنّ عصر الستينيات والسبعينيات كانا عصر الرومانسية وتتبُعِ الجمال ؛ فإنّ " فرح ديبا " قد حلّت باقتدارٍ مكانَ ومكانة " جاكلين كندي " قرينة الرئيس الأمريكي " جون كندي " من حيث الشخصيّة الأنثوية الأكثر جاذبية ولفتاً للأنظار على المسرح الدبلوماسي والسياسي ... ويكفيكَ أنّ اسمها كان أكثر الأسماء انتشاراً أيامَ ربيعها ( ورثتها مباشرة على هذا المنصب الأميرة البريطانية ديانا سبنسر ... ثم لم ينجح أحد  ) !

اتسعتِ الدنيا على هذا الإمبراطور سعَةً شديدة – ثم ضاقت عليه لأن يجد منها أو فيها قبراً يواريه !!
ولنعكس الآن الحكمةَ القائلة " من كانت بدايته مُحرقة ؛ كانت نهايته مُشرقة " ؛ ولنجعلها : من كانت بدايته مُشرقة ؛ كانت نهايته مُحرقة !
كان الشاه أخاً للشياطين في التبذير والإسراف . ولم تكن هذه فقط هي اللعنةُ الأخلاقيّة الوحيدة في شخصِ الشاه ؛ بل قد زاد عليها صفات أخرى ؛ مثل : المجون ، واللهو ، وتضخم الذات والغرور ، والمروق من الدين ، وأخيراً " العمالة " التامّة لأمريكا والغرب ، ومن خلال هذه الأخيرة ( العمالة ) أُطلقَ عليه لقب " شرطي الخليج " !
ونستطيع القول بأنّ أسباب سقوط الشاه تُختصر بالآتي :
1 – حياته وحياة أسرته الخاصّة ، والمتمثلة بالترف واللهو والمجون مع الإسراف الشديد .
2 – سياسته الداخلية والتي اعتمد فيها على القمع والقسوة ، وذلك من خلال جهاز شرطته السري " السافاك " .
3 – سياسته الخارجية والتي كانت سراحاً مراحاً للقوى الغربية المتنفذة ، وفي مقدمتها " أمريكا " التي تخلّت عنه بعد استنفاد مهمته !
4 – وأخيراً طبائعه السيئة وصفاته الشخصيّة والتي كان منها الغرور وتضخم الذات ؛ إذْ إنه قد جعل من بلاده مركزاً للقاءات الساسة العالميين – في حين كان هو مشغولاً تماماً عن مشاكل شعبه وبلاده ... وبالإضافة لهذا فإنّ هناك السبب الأهم ؛ وهو مروقه من الدين ومصادمته القيم الأخلاقيّة والتقليديّة لشعبه .

يقول الأمير السعودي " محمد الفيصل " مُستلهماً العِبَرَ من سقوط الشاه : " ولنا فيمن خرَجَ عن إرادة شعبه عبرة في تجربةِ شاهِ إيران . فعندما خرجَ على شرعهم خرجوا على شرعيّته وأخرجوه ، ثمّ عادوا إلى شرعهم من جديد " ا . هـ .
على أية حال ؛ فإنّ هذه الأمور وغيرها ؛ قد أدّت في النهاية إلى قيام ثورة عارمة ضدّ الشاه ، راح ضحيتها الآلاف من المواطنين – الأمر الذي حدا به لأن يتنازلَ عن كبريائه ؛ فيُخاطب شعبه من خلال التلفاز ؛ بكلمات وُصف تفوهه بها على أنه انتحار سياسي ... كانت هذه الكلمات الانتحاريّة هي : " لقد سمعتُ نداءكم وهأنذا مُعتذراً إليكم ، سأفعل ما تأمرون ، وها أنا أمدُّ يدي إلى رجال الدين العِظام ؛ ليُساعدوني في حل مشكلات البلد " ا . هـ .

أيّ قارئٍ ( بسيط ) يقرأ هذه الكلمات ، مع قليلٍ من الحدس السياسي ، سيدرك لا محالة بأنّ الرجل قد انتحر فعلاً ؛ إذْ إنّه من غير المنطقي ولا المعقول أن يعترف حاكم سياسي لأعدائه بأنّه قد ترنح من ضرباتهم ، وأنه يطلب إثر ذلك العفو منهم والمُصافحة !
وفعلاً ، كانت تلكم الكلمات مثابة ضوء أخضر لخصومه لأن يزيدوا من أوار الاضطرابات ؛ تمهيداً للإطاحة التامّة به ؛ فاشتعلت إيران عن بكرة أبيها !

في خطوة دراماتيكية وُصفت بـ " الصدمة " التي لم يتوقعها أيُّ مُراقب - بما في ذلك الشاه نفسه - قامت أمريكا بسحب حمايتها عن ابنها المدلل وعن نظامه القمعي الذي طالما أغدقت عليه البذل والرعاية والحنانَ ومظاهر التبجيل ؛ فأطلقت " فجأةً " لمعارضيه فرصةَ النيل منه ؛ ومهدت لأعدائه فرصة الانقلاب عليه ، ومن ثم استلابِ عرشه من تحت قدميه ، ولسان حالها حينئذٍ قول إبليس : إني بريء منك !
وفعلاً ؛ أطاحَ الثوّار بعَرش " الشاه " ، وهرب هو بدوره مع كافّة أسرته وأمواله إلى خارج إيران – إلاّ أن المفاجأة الأخرى التي قد كانت تنتظر " الشاه " هي : أنّهُ شخصٌ غير مرغوبٍ فيه عند أي دولة يقصِدُها ؛ فقد كانت طائرته تتنقل في المنافي طلباً للجوء الذي صار أعزَّ مفقود !
فأمريكا طردته بعد أن استقبلته بتأشيرة 3 أشهر فقط ؛ وذلك لظروف وصفتها بكلمة " إنسانية " تتعلق بعلاجه من السرطان الذي يُعاني منه ؛ وألقته حينئذٍ في غرفة صغيرة لا نوافذ لها - بعد أيام عزٍ شهيرةٍ قضاها في قصر " نيارافان " المنيف ؛ لتُبلغه بعد ذلك أنّه شخص غير مرغوب في بقائه ، وأنّ عليه البحث عن مكانٍ يؤويه ؛ إذْ إن حُكم الملالي في إيران قد افتعل " أزمة الرهائن " المعروفة ، وذلك عندما قبضوا على عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران ؛ لمقايضتهم مع أمريكا في تسليمها الشاه لهم ؛ وذلك لمُحاكمته .

بعد رحلة منافي مريرة ؛ وافق الرئيس المصري " أنور السادات " على استضافة شاه إيران في بلاده ؛ لينتقل مع أسرته إليها ؛ وليموت في مصر حسيراً حزيناً بعد مدة لم تتجاوز العام !

فسبحان من بيده الملكوت والعزّة ؛ يؤتيهما من يشاء .. أنّى شاء .
وينتزعهما ممن يشاء .. أنّى شاء !

آيدن .

* الأميرة فوزية أصولها ألبانية وليست عربية ، ولكنها مستعربة اللسان والسلالة .