بسم الله الرحمن الرحيم
اياك أن تدعهم يسرقون أحلامك ، فانك ان فعلت قتلت الانسان في نفسك ، و اطفأت بيدك جذوة النار التي تنير لك الطريق ... اياك ان تدعهم ، و اياك أن تقول أنك كفرت بالاحلام ، فالكفر بالاحلام ايمان بوحوش الارض من البشر ، اياك ان تدعهم يسرقوا احلامك، و اياك أن تطفيء بيدك جذوة النار التي تحملها ، و اياك ان تقول انك لا تحلم . فانك اذ تفعل ، تقتل الانسان الذي تحمل ..
اعلم يا صديقي انهم مدججون بكل سلاح .. و لكن ماذا عسى أن يفعل كل السلاح باحلامك التي نسجتها من قيودهم التي كسرتها قطعة قطعة ، من شعاع الشمس الضئيل الذي فتحت له كوة صغيرة في جدران الاستعباد و القهر و الجهل ، من نور القمر و قد لملمته ليلة اثر ليلة، من طرقاتك التي ضيقوها عليك حتى ادمت جسدك الصغير ، من طرقاتك تلك لملمت نور القمر ، و مزجته مع شعاع الشمس ، و مع شظايا القيود .. و جلست تنسج تنسج ، و جلست ترسم ترسم ، و جلست تحلم تحلم.
لا ، اياك ان تدعهم يحطموا روحك، اياك ان تدعهم يسرقون احلامك ، اياك ان تدعهم يحجرون على افكارك ... فانك ان فعلت اعدمت الانسان في داخلك .
اعلم انك قد تنكر احلامك ، و انا كذلك قد افعل ، فقد كلفك ، و كلفني ، الحلم كثيرا ، لقد ادمانا حلمنا حرفيا ، لقد اكل من اجسادنا ، تغذى على اعصابنا ... اعلم ذلك جيدا، و لكن ما الذي سيبقى منا ان نحن طلقنا الاحلام ؟ سيبقى جسدنا هزيلا بلا روح ، سيبقى قلبنا ، و لكنه سيتحول الى محض مضخة للدماء ، سيفقد تلك النفحة الالهية التي تحول المضخة الى واد مقدس ، مقدس بقداسة الحب و الرحمة و الحنان .
لا ، اياك ان تقول ان هذه اوهام ، او انها اضغاث احلام ، فانك اذا قلت ذلك ، فهذا يعني اننا اشباح بشر ، يعني اننا مجرد هياكل لحمية و عظمية و عصبية ، اننا مجرد تفاعلات حيوية ، او ان شئت : اننا معمل ، مصنع ، بل مصنع شديد القبح ، فأي جمال بالله عليك ستضفيه بعض معادلات معقدة على هيكلنا البشري ... الجمال و الجلال و البهاء ، و الحب و الرحمة و الحنان ، كلها نفحات من الوادي المقدس ، من القلب و قد حفظناه طاهرا نقيا الهيا ... و لا يُحفَظُ القلبُ ( و بالتالي و لا يحفظ الانسان) الا بحفظِ احلامِه ، بالذودِ عن احلامِه ، بمقاومتِه لكلِ محاولاتِ قتلِ الروحِ و تزييفِ الوعيِ و تحجيير العقل ... بهذا يُحفَظُ القلب : بهذا يُحفَظ الانسان .
اليوم يا صديقي ارى في شوارعنا هياكلَ بشرية ، اصناماً ، اشباحَ بشر ... اراهم و ابكِيهِم ، و الله ابكِيهِم ، ارثي لحالِ انسانيتِنا المَسفوحةِ على مذابحِ المصالحِ و المَغانِم ، لقد ضحوا بنا يا صديقي ، ضحوا بملايين البشر ، ليتربع على عرشِ الارض قلة من شياطين الانس . ارى اشباحَ البشرِ و ابكي ، و امضي ليلي و نهاري مفكراً بكيفيةِ اعادةِ الروحِ الينا . و ارى ان الجوابَ سهلٌ مُمتَنِع ، بكلمة : علينا ان نقاوم ؛ هي كلمةٌ واحدة و لكن قِلةً من البشرِ يستطيعون حملَ امانتِها .
لقد قالها جيفارا : اذا فُرِضَت على الانسانِ ظروفٌ غيرَ انسانية و لم يقاوم فسيفقِدُ انسانيتَه بالتدريج .
هذه ليست دعوة للقطيعة مع العقل ، او للتحليق فوق حقائق الواقع ، كلا ابدا ، فنحن بشر ، من عقل و روح و جسد ... لا اريد ان اقطع مع العقل ، و لا اريد ان اناطح طواحين الهواء ، لكنني اريد ان نحافظ على شعلتنا الانسانيةِ مضاءةً قدرَ الطاقَة ... ان نحافظَ على بقايا حلم ، على بذورِ حلم ، حتى اذا حانت اللحظةُ بذرنا بذورَ احلامِنا في رحمِ الارضِ و رعيناها ، و تعاهدناها حتى تنبت ...
طريقٌ شاقٌ يا صديقي ، طريقٌ شاق ، و لكن الرفقةَ ذخرٌ لنا في طريقنا نحو انسانيتنا ، و لكنَ دمجَ احلامِنا الفرديةِ ، مع احلامنا الجماعية ، هو الذي ينجينا من الضياع و الحيرة و الشقاء ، هو الذي يحمينا من الاغتراب ... ان مأساةَ مجتمعاتِنا الحديثةِ و المعاصِرَة ، انها تُقدِسُ الفردية ( الفردانية) ، لقد القت الانسان وحده في أتون مجتمع مجنون بسرعته و انقلاباته و تغيراته ، و زعمت انه حر، و لكنها كذبت ، فالفرد مكبلٌ بعملٍ لا ينتهي ، في صراع كل لحظة من اجل لقمة العيش ... هكذا هو الانسان الفرد المعاصر ... لكن هذا الفرد اذا انضم الى افراد آخرين ، و وضعوا نصب اعينهم تغيير النظام الجائر على هذه الارض ، لسرنا في خطوات اكثر اتزانا و ثقة و استمراراً ، نحو تحقيق انسانيتِنا المهجورة ، فاذا حققنا انفسَنا كمجتمعاتٍ بشرية ، حَققَ الفردُ نفسَه أيضا ... هكذا نجمع بين علاجِ الفردِ و علاجِ الجماعة
ان هدفنا يجب ان يكون عالما اكثر انسانية ، عالم قمره بدر ، انسانه حر ، و "شمسه لا تغيب " .