3/كانون الثاني ٢٠٢٤الساعة 12:13ظهرا
رسالة من عدنان الى يولا
لقد انتظرتك طويلًا وكأن الزمن كله كان يقف على أطراف أصابعي وحاولت أن أحتفظ بك كما يحتفظ الجندي بسلاحه في قلب المعركة
لكن في كل مرة كانت يداي تتساقط منك كأوراق الخريف
كنتُ أظن أن الحب يمكن أن يكون حصنًا وأننا قادران على الوقوف معًا ضد الرياح العاتية
لكنكِ كنتِ كالريح كلما حاولت أن أمسك بكِ انزلقت من بين أصابعي تاركةً إياي في العراء أبحث عنكِ في كل زاوية من روحي وأجدكِ غائبة كأنكِ سرابٌ يختبئ في بُعدٍ لا أستطيع أن أبلغ نهايته
لقد انتظرتك طويلًا حتى ظننت أن الانتظار أصبح جزءًا مني أعيش به وأتنفسه
حاولت أن أحتفظ بك كما يحتفظ الليل بنجومه ولكن في كل مرة كنتِ تفلتين من بين يدي كما يهرب ضوء الفجر من بين أصابع الظلام
كنتُ أظن أنني قادر على جعل الوقت يتوقف لنبقى معًا لكنكِ كنتِ كالحلم الذي يذوب في يقظتي وكالماء الذي يتسرب من بين يديّ مهما حاولت أن أمسك به وكلما ظننت أنني اقتربت منك كانت المسافات تتسع أكثر وكان قلبي يصرخ في صمتٍ لا يسمعه سواي كأنكِ كنتِ الوعد الذي لا يتحقق والشوق الذي لا يجد له نهاية
لقد انتظرتك طويلًا وأصبحت الأيام كأنها أثقالٌ على قلبي كل دقيقة تمر تحملها آلامٌ لا تُحتمل
حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أحتفظ بك كما يحتفظ البحر بأمواجه لا يتركها لتغيب مهما عصفت الرياح ولكن في كل مرة كانت يداي تتناثر منها كالرمال
وكلما مددت يدي إليك كنتِ كالعطر الذي يتبخر في الهواء أسمع رائحته ولا أستطيع الإمساك
به كنتُ أظن أنني قادر على أن أخلق لك مكانًا في قلبي أن أضعك في كل زاوية من روحي حتى يصبح حضورك جزءًا من الأبد لكنكِ كنتِ كالظل الذي يهرب كلما اقتربتِ
كنتِ في كل مرة تبتعدين عني أكثر وأجد نفسي وحيدًا وسط صمتٍ ثقيل لا يملؤه سوى همسات الشوق التي تتناثر في أرجاء روحي
كل ذكرى منكِ كانت كخنجرٍ يطعنني في صمت وكل لحظة بلاكِ كانت تبتلع جزءًا من كياني كنتُ أعيش على أمل أن يعود صوتكِ ليملأ الفراغ لكنكِ كنتِ الأمل الذي لا يتحقق والسفر الذي لا أستطيع أن أقطع طريقه
يولا
لقد انتظرتك طويلًا حتى أصبح الانتظار هو وحده من يعرف طعم قلبي وأصبح الزمن بين يدي كخيط رفيع لا يملك القدرة على حمل ثقل الأمل الذي أغرقني فيه
كنتُ أخطو خطوة تلو أخرى نحوك كل خطوة كانت تبتلعني في بحر من الشوق وكل لحظة كنتُ أظن أنني أقترب فيها منك كانت المسافة تتسع أكثر حاولت أن أحتفظ بك في كل زوايا روحي
لكنك كنتِ تتسربين مني كالماء الذي يتساقط من بين الأصابع لا يمكن الإمساك به مهما حاولت وأصبح الليل أكثر وحشة في غيابك وأصبحت الكلمات ثقيلة في فمي لا تجد سبيلًا إلى قلبك
في كل مرة أغمض فيها عيني كنتِ تملئين ذاكرتي ولكنكِ تبقين بعيدة عن متناول يدي كلما مرّ الوقت كان الألم يزداد عمقًا وكلما ضاقت بي الأفق كان الأمل في عودتك يغادرني تدريجيًا كما يغادر الليل عتمته ليحل مكانه الصباح دون أن يحمل معه ما كنتُ أتمناه
لقد حاولت مرارًا وتكرارًا أن أخبرك أن الغياب سمٌ قاتل وأن الهروب كأسٌ حامض لا يُحتمل لكنكِ كنتِ في صمتكِ أعمق من كل كلمة وفي غيابكِ أضحيتُ أسيرًا لظلال لا تجد لها مخرجًا لطالما همست لكِ أن لا تبتعدي لأن غيابكِ يعني موت الكلمات التي كانت تنبض بيننا
وأنه عندما تغيبين تذبل معاني الحياة وتنقضّ على روحي فراغات لا تُملأ ولكنكِ لم تسمعي ولم تريني وكأنكِ في عالمٍ آخر لا تعيرين حديثي سوى صدى يذهب مع الريح يا لكِ من هروبٍ دائم يكسر فيّ كل ما تبقى من أمل ويتركني في دائرةٍ لا أستطيع الخروج منها وأنتِ حيثما كنتِ لا حياة لمن تنادي
لماذا اخترتِ هذا الطريق الذي زجّ بنا في متاهات الخراب وجعلنا نهيم في صحراء لا نهاية لها
كيف كان قلبكِ قادرًا على أن يعدني بالموت معًا ثم يتركني أغرق في وحدتي بينما تشعل الرياح في خاصرتي نيران البرد القاتل لماذا وعدتِني بأن نمضي سويًا حتى النهاية ثم تركتني أواجه هذا الليل الطويل وحيدًا يتكسر داخلي كل أمل وتبتعد عني كل لمسة دفء
كنتِ الوعود التي حفرت في روحي واليوم أجدني أعيش في أطلالها ينهشني الصقيع ويغرقني الفراغ أي حبٍ كان ذلك وأي قلبٍ كان يحمل وعدًا لا تلتزم به كيف لكِ أن تتركيني أواجه هذا العذاب الذي اخترته لي وحدي وكأنكِ لم تكوني أبدًا جزءًا من حياتي
وأخيرًا شكرًا لك على كل هذا الحب الذي منحته لي وعلى كل لحظة كانت مليئة بالأمل والوعود شكرًا لك لأنك كنتِ الحلم الذي علّقته على جدران قلبي رغم أن تلك الجدران انهارت في النهاية
شكرًا لك لأنك علّمتني معنى الانتظار ومعنى الألم ومعنى الحب الذي يتحول إلى سراب سأظل أحتفظ بك في ذكرياتي وإن كانت الذكريات وحدها هي التي تبقى بعد أن يتناثر كل شيء في الهواء
سأتركك في صمتٍ في أدبٍ هو من أسمى صفات العاشقين
سأرحل عنك ولكن في قلبي يبقى الحديث عنك مستمرًا سأحدث الله غدًا عنك عن حبٍ كان وعن وعدٍ ضاع بيننا سأقول له كيف أنني أحببتك بكل ما فيّ من ضعفٍ وقوة
وكيف أنني غفرت لك رغم الجرح ولكنني لا أستطيع أن أغفر للزمن الذي أضاعنا سأحدثه عن كل لحظةٍ مرّت وكل كلمةٍ كانت تأخذني نحوك وعن تلك الوعود التي كانت تذوب في فمي هناك حيث يلتقي المتخاصمون سأنطق باسمك لأنك كنتِ يومًا جزءًا من عالمي رغم أن كل شيء انتهى اليوم
بقلم
عدنان عضيبات