في إحدى ليالي الشتاء المطيرة، ظلَّ يُحدِّق في قضبانٍ صدئةٍ، تأكله الوِحدة..
وعندما تفتحت أزهار الربيع في الحدائق، تفتحت نيران الشوق في صدره..
وبينما تزعج زقزقة العصافير النائمين في أَسِرَّتهم على بُعد أميالٍ منه،
كانت تزعجه آهاتُ صديقه المتكوِّر على نفسه يتلوَّى من الألم..
ومع هبوب رياح الخريف، هبت عاصفة الذكريات على قلبه!
العالَم من حوله يتغير.. وعالَمه ثابتٌ متكرر!
لم يعد يهتم بالزمن، فليس للوقت معنى في عالم العزلة ما دمت مجبرًا عليها ولا تدري متى ستنتهي!
قبل أيام ارتفعت حرارته وانتفض جسده من الحُمّى فسُمح له -بعد لأْيٍ- بزيارة الطبيب والذي أعطاه بدوره خافضًا للحرارة.. وأراح ضميرَه!
كثيرًا ما يتساءل عن تهمته وهل حقًا يستحق كل هذا؟ أخبروه مرةً منذ سنين أن تُهمتَه هي نشرُ أخبارٍ كاذبة وسوءُ استخدام مواقع التواصل.. لا يَعرف شيئا عن هذا، فكل ما كتبَه منشورًا يشكو فيه الغلاء وصعوبة المعيشة التي أثقلت كاهله..
اشتدت به الحمى ولم تُجدِ معها العقاقير الموصوفة من مستشفى السجن!
طلَّت في فستانها الأصفر وسط شجيراتٍ خضراء، تحمل في يدها اليسرى وردةً حمراء قانية، بينما مدت اليد الأخرى لتنتشله من هذا المكان الكئيب.. لم تتغير ملامحها كثيرا عن أيام الجامعة فمازال وجهها ملائكيا بريئًا، وملامحها صافية، وروحها مرحة..
ابتسمَ أخيرًا مع خروج آخر أنفاسِه!