لقد اختلف الفلاسفة والمفكرون في تعريف السعادة اختلافا يصل في بعض الأحيان حد التناقض.. فبينما يرى (أرسطو) أن السعادة تتحقق من كونك شخصًا مستقيمًا وغير خاضع لشهواتك الدنيا، هي عند (أبيقور) تنحصر في المُتع المجرَّدة. بينما ذهب البعض إلى أن السعادة وهْم لا وجود له ولا سبيل لتحقيقه على الأقل في هذه الحياة الدنيا.. مثل (جان جاك روسو)!

فالسعادة -عند روسّو- هي حالة مستقرة دائمة بينما "كل شيء يتبدل حولنا ونحن أنفسنا نتغير، وما من أحد يستطيع أن يجزم أنه سيحب غدا ما يحبه اليوم. وهكذا فإن جميع المشاريع من أجل السعادة على الأرض هي أوهام"

وقد رد (الرافعي) على أولئك الذين يرون السعادة وهمًا من الأوهام.. بأنهم ينظرون إلى السعادة على أنها مجرد ملذات وإشباع رغبات .. وحيث أنهم يحاولون "إشباع جسد لا يشبع ما دام حيًّا، وتغذية حاسة لا يزيدها الغذاء إلا شرهًا وضراوة" فأنّي لهم تحصيل تلك السعادة؟!

وقد عرّف الرافعي السعادة كما يراها فيقول: "هي كل ما استشعرت النفسُ أنها زادت به أو زادت فيه، وهذا التعريف يجمع كل أنواعها لا يشذ منه شيء، فهي على ذلك تكون في الأخذ وتكون في العطاء!"

وقد ضرب الرافعي مثلا لذلك بحال المُحب مع حبيبه.. يقول: "ألا ترى الأصل الطبيعي في الحب يجعل سعادة ما يناله المُحب من حبيبه كسعادة ما يبذله، حتى أنه ليبذل روحه في ذلك إذا علم أن نفسه تزيد بها شأنًا عند من يهواه؟"

وقد خلص الرافعي من كل ذلك إلى أنّ " كل فضيلة هي من السعادة وكل رذيلة هي من ضدها ولو كان الألم والحرمان في الأولى وكانت اللذة والمنالة في الثانية".



هامش:

كل ما نُقل عن جان جاك روسو: من كتابه (هواجس المتنزه المنفرد بنفسه)

كل ما نقل عن الرافعي: من (كتاب المساكين)