(1)

- إذًا.. ألوان لا أسماء؟

- نعم..

- ولكن كيف أميزك؟ فالكثير من القطط توجد هنا!

- وكيف تحسبني أميزك انت؟ كسائر البشر هنا... أتعرف مأمور دورية تنفيذ القانون؟

- نعم..

- إنسان وله مهنة، هكذا أعرفه، وهكذا أُناديه

- حسنًا وماذا تعمل أنت أيها القط الرمادي؟ كيف أميزك إذا وسط كل هذه القطط؟

- لا لا.. لا أعمل ولست مميزًا بشئ

- مما يجعلك مميزًا .. حسنًا وداعًا أيها القط الرمادي..

(2)

في صباح اليوم التاني ازدحم الميدان بالجميع، قطط وبشر لا تستطيع التمميز بينهما من كثرة الزحام، يلتفون حول القبة، وعلي اسمها سُمي الميدان، قبة قديمة لا يُعرف بانيها ولا ما بداخلها، يعاملها العديد بنوع من التقديس أشبه بالعبادة، تاه صديقنا وسط الزحام حتي رأى القط الرمادي فناداه ولم يجب، ذهب إليه ووقف أمام القبة ونظر إليه وهو ساكن لا يتحرك، تري هل يتعبد؟ هل تبهره القبة بجبروتها وإرتفاعها؟ وقطع تساؤلاته القط الرمادي وهو يسأله كيف وجدتني؟..

قال له تهت وسط الزحام ولم أميز غيرك، وأنا جديد وسط هذه المدينة أنت تعلم..

قال له صديقه الرمادي: لكن لم أعرف مهنتك بعد! وانت تعرف اني استخدم هذا للتفريق بين البشر.

- لن تفهم طبيعة مهنتي، اعتبرني بلا عمل اذا اردت، وسيجعلني هذا مميزا مثلك.

ابتسم القط وذهب كل منهما في طريقه..

- انتظر!

إلتفت القط وانتظر ليسمع..

- كيف ألقاء مرة أخري يا صديقي الرمادي؟

- تجذب القبة كل من بالحي كل يوم فلم لن تجذبني لنفس المكان غدا؟

- حسنًا..

وتبادلا الإبتسامة ورحلا.

(3)

تري ما هي القبة؟ ومن بناها؟ وماذا يكمن بداخلها؟ وكيف دُبرت تكاليف بنائها في هذا الحي الفقير؟ وحده القط الرمادي يعرف ذلك، أو علي الاقل كما اعتقد..

الليل يُشع بالظلام والوحدة، وتحت نجوم السماء جلس الصديقين في معزل عن صخب الحي وطواف الناس.

- هل ستشعر بالإساءه إذا ناديتك مرارا بالرمادي؟

- لا، كما أخبرتك من قبل، ألوان لا أسماء

- حسنًا، هل تعرف شيئًا عن تاريخ هذه القبة؟

- لا، فقد ولدت هنا وولد ابائي واجدادي هنا ووجدوا هذه القبة صامدة وسط الميدان، وأسمى الناس الميدان علي إسمها فيما بعد.. ميدان القبة، يا له من إسم!

- هل يُعرف من بناها؟

- يقال انها بنيت علي يد القطط، وتقديس البشر والقطط لها جنبًا إلي جنب طمئن مأمور الدورية لنهاية الخلافات والفتنة بين الفئتين..

ينسبها القطط لأجدادهم العظماء، ويكتفي البشر بتقديسها أملا في الخلاص.

(4)

شئ غريب في طريقة وصف هذا القط لتاريخ القبة، انه لا يروي ذكريات، بل يروي أحداثًا يراها تتمثل أمامه، عيناه تلمع بينما يتحدث عن هذا كله، الناس يرون واجهة القبة وهو يري ما بداخلها، تُري ماذا يوجد بداخل هذا البناء الجنوني؟

في صباح أحد الأيام المزدحمة في الميدان بحثت عن صديقنا الرمادي، وقبل ان يطول علي البحث وجدته قام بتوفير الوقت عليّ وصعد أعلي مجموعة من الأحجار الإسمنتية وهتف في الناس..

ما لكم تتركون القبة بالية غارقة في اكوام القمامة من حولها، معرضة للسقوط في أي وقت، تعاملونها الآن معاملة البناء الذي يحجب عنكم شمس الأيام الحارة ونسيتم أنها ما وجدت إلا لتحجب عنكم اليأس وفقدان الأمل؟

هلموا إلي جمع الأموال وهيا لنعيد ترميمها لتصمد من جديد مائة عام اخري..

- مائة عام من الجنون! -قال احد المتفرجين- أجدادك هم من بنوا هذا البناء الغريب في وسط الميدان واستهلك أموالنا ولا نعرف له مسمي ولا فائدة

- بل وجدت القبة وتشكل الميدان من حولها، ثم وُجدتم أنتم، ليست للقطط دونًا عن البشر، سنعمل سويًا علي اعادة عمارتها..

وتعالت الأصوات المؤيدة للفكرة وإالتف الناس جميعهم حول صديقنا الرمادي مستمدين من رؤيته لما لا يرون الأمل الضائع منهم وعلي مسافة ليست ببعيدة وقف مأمور الدورية غير راضٍ عن الزخم.

(5)

نصف سكان الحي من البشر والنصف الآخر من القطط، نصف الدورية من البشر والنصف الآخر من القطط، والقبة لهم جميعًا بلا مناصفة، يستمدون منها الامل ويعولون عليها لخلاصهم، يرونها شيئا مبهما وغير منطقي، لكن فيما افادهم المنطق من قبل؟

وقبيل الغروب وقف مأمور لدورية علي قرابة من القبة كأنه يتحدي بنائها الشاهق ووقف كل من في الميدان يستمعون، تكاثرت الظلال من حوله مع استعداد الشمس للغروب، تتميز إلي شكلين.. بشر وقطط، وبصوت مرتجف نادي المأمور:

- أبناء الحي، ثم استعاد جرأته وقال: اليوم صرنا أكثر عددا من ذي قبل، وازداد سكان الحي بشكل يضاهي أيام أجدادنا العظماء، وضاق بنا الميدان والسوق.. ولذلك.. فقد قررنا هدم هذا البناء بدءًا من الغد.

وتعالت الأصوات حتي غطت علي صوته لكنه كان قد قال ما قدم لأجله بالفعل، غربت الشمس وجاء الظلام ليغطي علي أضواء الميدان لكنه لم يغطي علي الخلاف..

(6)

لم يجروء علي قول إسمها؟ هذا البناء؟ حقًا؟!

- أترى؟ غدا سيهدمون القبة.. يظنوها مجرد بناء بالٍ..

- هم لا يرونها مثل ما تراها يا صديقي الرمادي، سيوافقوا علي هدمها بلا شك، ولن يمنع المأمور أحد.

- لو يرونها فقط كما أراها!

وبدت عليه علامات الحزن وقام ورحل، وبقيت أنا تحت سماء هذا المساء، أود لو طال إلي الأبد، لا اعرف حقًا ماهية هذه القبة ولا ما بداخلها، لكن بلاشك أعرف قيمتها بالنسبة لصديقنا الرمادي..

(7)

في الصباح الباكر سمعت طرقًا علي باب الحجرة، لم يمضي علي شروق الشمس الكثير.. نظرت من النافذة فرأيت صديقي الرمادي، اليوم هو اليوم الموعود، تري هل سيبدأوا في هدم القبة باكرًا؟

فتحت الباب ورأيت صديقنا مبتسم كما لم أراه من قبل، حدثني انه ذهب إلي جانب القبة ليلة أمس، وعندما غاص في النوم رأي جده الأقدم، واضع أول حجر في بناء القبة، أخبره ان غدًا مع أول شعاع للشمس ستُفتح أبواب القبة العظيمة لأول مرة، ستخرج منها المعجزات، فقط لم آمنوا بها منذ البداية.