"كنا نعيش في سلام، ما الذي تغير إذا؟ وما الذي جنيناه علي انفسنا؟"

ما أجمل المساء فوق سطح هذا القصر، وما اجمل تلك النجوم البعيدة، يقال اننا لا نري من النجوم سوي صورتها القديمة؟ فيا تري اذا نظروا لنا من هناك فهل سيروا النعيم الذي كنا فيه قبل هذا الإنقطاع؟

خاطب محمود نفسه بأسي وهو يجلس فوق سطح القصر يراقب السماء ونجومها وشُهُبها المتساقطة، لطالما أسرته نسمة الهواء في ذلك الوقت تحت ضوء القمر الخافت، يجلس ليفكر .. نحن اخر من اتينا إلي هذا القصر منذ خمسة عشر عامًا ولم يأت احد بعدنا ولن يأتي، فما مصير هذا لقصر بعد إنقضاء اعمارنا؟ صحيح لازلنا شبابًا لكن لا اثق في تقلبات الزمان .. وإلي متي ستستمر هجمات من بالخارج علينا وإلي متي سيحارب ساكني القصر كل فترة لحمايته، الآن نحن كلنا شباب وندافع عنه ونفوق من بالخارج ذكاءًا، لكن عشر سنوات أخري كفيلة بإرهاقنا ..

كانت تلك الأحاديث تظل بدون إجابة كل ليلة، يجلس ويحدث نفسه إلي قُرب طلوع الشمس وبعدها ينزل إلي غرفته هو وأشرف بالجناح الشرقي، ينام قليلا ثم يذهب لتفقد تأمين القصر ورفع تقرير مُفصل بنقاط القوة والضعف، ثم يستسلم لفراغ اليوم -إلا من بعض الأحاديث مع اشرف- وعندما يأتي الليل علي عجله يُسرع إليه محمود -كأنه ينتظره- ليناجيه علي سطح القصر.

ليلة ككل اليالي جلس فيها محمود يُحدث نفسه بمخاوفه والتي كان لابد ان تصبح مخاوف الجميع، فكلنا في نفس السفينة وإذا سقط القصر سقطنا جميعا .. اكتمل القمر واسر في نفس محمود السرور فغابت عنه تلك الأفكار للحظات لكنه لمح ظلا يوحي بقدوم احد من خلفه فإستدار وإذا بها تلك الفتاة التي رآها في يوم البهو، لا يبدو عليها انها ضلت الطريق أو جائت مصادفة .. من يُضل الطريق للأعلي علي أية حال؟

إنقضت لحظات من الصمت قبل ان تنطلق منها أولي كلماتها: ماذا تفعل هنا وحيدا؟ قالتها بنظرة مستنكرة لكن سكت محمود للحظة ورد بإرتباك لا شئ .. وتدارك الموقف وقال منذ متي ويأتي أهل الغرب إلي هنا؟

  • اهل الغرب؟ أهكذا تسموننا؟

أحس محمود بأنها لم تفهم مزاحه المرتبك فقال إن الجناحين الشرقي والغربي بعيدان عن بعضهما وهذا سبب التسمية، لم تبدو كأنها تعير ذلك إهتماما وتقدمت نحو الحافة وقالت: إذا تصعد هنا كل ليلة لتفعل "لا شئ"؟

  • من أنت وماذا تريدين؟
  • أهكذا تتعرف علي الأشخاص الجدد يا محمود؟
  • هل تعرفي اسمي؟ قالها بإندهاش استطاع ان يخفيه جيدًا ..
  • معظم "شعب الغرب" يعرفك من مهمة تأمين القصر

الآن اصبح ذلك المصطلح جيدا؟ قالها محمود بنبرة هادئة تكاد لا تسمعها، ثم ألقي عليها التحية وانصرف.

.