صورة واحدة للبنانيّ مقنّع من أصحاب القمصان السّود، يقف ووراء ظهره العلم اللبناني، حاملا عصاه ومنتظرا اللحظة المناسبة حتّى ينقض على ما تبقّى من بيروت التي نعرفها... تختصرحقيقة سيادة لبنان اليوم واستقلاله ودولة المؤسسات والحريات والقانون.

في مشهد من أبشع المشاهد التي مرّت على بيروت بعد الحرب الأهلية، هي دائما الجهة ذاتها، بالسواد الكالح ذاته، تكرّر المشهد ذاته بعد مرور ١١ عاما على أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨. الرّسالة هذه المرّة مشابهة في مضمونها، مُغايرة في استهدافها. فرسائل القوّة وإرهاب الدويلة لم تأت لتقوّض شرعية الحكومة هذه المرّة، إنّما لتقويض إرادة الشّعب في المطالبة باستقلاله، وبناء لبنان يشبهه.

مشهد أليم عليكِ يا بيروت، أعادكي وأعادنا إلى زمن الوصاية السورية، وكأنّ شيئا لم يكن، كأنّ جبران تويني وسمير قصير وأحرار سلسلة إغتيالات ال ٢٠٠٥ استشهدوا من أجل اللا شيء. كأنّ وحدة اللبنانيين في قسم جبران، والعهد الذي قطعوه على نفسهم دفاعا عن لبنان العظيم، تلاشى وتناثر بين غوغائية العنف وهمجية العهد.

بين العهدين، تتجلّى الحقيقة أكثر فأكثر مهما حاولوا تقنيعها، هذا القناع الذي لا يُخفي سوى كذبة صاحبه، يكشف أكثر من أي وقت مضى الهوية الحقيقية لمن يرتديه. لقد سقط القناع عن القناع واتّضحت البوصلة واتجاه البندقية لدى عبور مدينة القصير السورية لتعويم طاغية الشام في وجه الشعب السوري...

بندقيّة في الشّام وعصا في بيروت، تعدّدت الوسائل والهدف واحد.

خمسة عشر عاما إلى الوراء، كنّا عندما نسمع كلمة مقاومة، نعلم تلقائيا أنًّ المقصود بها مقاومة العدوّ الإسرائيلي. أما اليوم وقد تعدّدت الإستعمالات، لابدّ لنا أن نسأل مقاومة ضد مين؟ فهل يجوز لنا حتّى السؤال؟ لا، لا يجوز.

عندما يحكم شبيح بلد، لا يجوز ما يجوز، ويجوز ما لا يجوز...

سينتيا الفليطي