مررت اليوم كعادتي إلى مطبعة صغيرة قريبة من الجامعة لرجل عجوز إيراني، أقوم معظم الأوقات بطباعة ما أحتاج إليه من أوراق عنده، وقد كان يشاركه فنجان قهوته رجل عجوز من الجنسيّة الإيرانية هو الآخر. كانا يتحدّثان اللّغة الإيرانية لدى دخولي، وبعدها، بادر بالقول له أنني لبنانية ثم دعاني إلى الجلوس قائلا صديقي يتحدّث العربية فقد كان من سكان جنوب إيران قبل مجيئه إلى فرنسا.قلتُ له ممازحة "مرحبا، كيف حالك" أجابني "الحمدالله، كيف لبنان؟". كان سؤاله غريبا، فعادة ما نسأل الشخص عن حاله وليس عن حال بلده، لكن الحال واحد... على كل حال، أجبته بشيء من الحذر، لبنان اليوم في أحسن حالاته، لم يمر عليه في تاريخه حالة كان فيها أفضل مما هو عليه الآن.نظر إليّ وملامح الإستغراب على وجهه، وقال لي بالفرنسيّة :"سمعت أنّ هناك العديد من المظاهرات"، أجبته بملامح حادّة وهادئة "وماذا سمعت أيضا"، أجابني "أنّ الشعب يريد تغيير هذا النظام الفاسد". الحق يقال، عندما سمعت كلمة فاسد لنت، وأجبته مع ابتسامة عريضة "إنّه حقّا فاسد، يؤسفني ما يحصل أيضا في إيران، أصحيح أنّ هناك الكثير من القتلى وآلاف المعتقلين، أصحيح أنّ ٦٠ بالمئة من الشعب يعيش تحت خط الفقر، أصحيح أصحيح أصحيح..." انهمرت عليه بالأسئلة التي نبحث عن أجوبتها في ظل هذا التعتيم الإعلامي المُخيف على ما يحصل هناك. أجابني "نعم، كل ما قلتيه صحيح، لقد خسرت أصدقائي في الثورة الإيرانيّة على الشّاه وقد أملنا بجمهورية ديمقراطية بعيدة عن الديانات لكننا خُدعنا وقد أمضيت أكثر من نصف عمري في فرنسا أدفع ثمن هذا الحلم". بدا عليه الحزن والحسرة، قلت له بمحاولة مني لتهدئته "قد تستطيعون فعل شيء ما في هذه الثورة"، أجابني "نأمل أن يترككم الخامنئي في حال سبيلكم كي تفعلون أنتم شيئا ما، أمّا نحن فقد شبهونا للحمار وقالوا لنا أنّنا لا نسقط سوى بطريقة واحدة، أن يموت الحمار!" ثمّ أكمل مستائا "كما أنني أستغرب حقا المسؤول عن حزب الله في لبنان لتبعيته ، فهو لبناني قبل أن يكون إيراني أو أي شيء آخر."أجبته باللّغة العربية حينها "بتصدّق ريحتلي ضميري، لقد شهد شاهد من أهل بيته"...

سينتيا الفليطي _ Cynthia Alfliti