لن تراعوا .. لن تراعوا :)
اهتم العرب منذ القدم بتدوين القصص النادرة أو الغريبة أو الطريفة ، ومن يطلع على كتب التراث العربي مثل أجزاء : العقد الفريد ، والأمالي ، والمستطرف ... وغيرها ؛ فإنه سيجد هذا الأمر ظاهراً وملموساً ؛ بل سيجده غالباً على هذه الكتب .
تروقني شخصياً القصص الغريبة أو النادرة ، ومنها هذه القصة التي ما كنت لأنتوي إدراجها لولا سند رواتها الثقات الذين قد حضروا تفاصيلها ، وهم عدد من كبار السن ، يجيء في مقدمتهم أبي – سلمه الله تعالى - ، وقريب آخر لصاحب تعبير الرؤيا ، وبقية أخرى ممن حضروا هذه القصة بأنفسهم ، ووقفوا على تفاصيلها بدءاً ونهاية .
في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز ، كان ثمة شاب صغير من أهل مكة ؛ يعمل ضابطاً عادياً في أحد مراكز الشرطة ، ويدعى عبدالعزيز مسعود .
في ليلة فاترة من تلك الليالي البطيئة ، والحياة السهلة غير الصعبة ، قال هذا الضابط لعدد من الحاضرين في مأدبة عشاء : إني قد رأيت رؤيا !
ثم أخذ هذا الضابط الشاب في تفصيلها ؛ وملخصها أنه قد رأى بأن الملك سعود قد أهداه مشلحاً ( بشت ) !
في هذه الجلسة كان مدير إحدى المدارس الابتدائية حاضراً ، واسمه " م . غ " ؛ الذي ابتسم فوراً حين سماعه لهذه الرؤيا ؛ ثم قال : " يا عبدالعزيز ؛ أنت ستتبوأ منصباً رفيعاً في الدولة .. فاذكرني عند ربك " !
ضحك الحضور ، ثم دارت الأيام ، ونسي الجميع الرؤيا وتعبيرها ، وانتقل عبدالعزيز مسعود من بلدة لأخرى ، وهو على وظيفته ضابطاً في الشرطة ، ثم انتقل للمباحث العامة ، وتدرج في مناصبها إلى أن ارتقى منصب " مدير عام المباحث السعودية " !
لم ينته تأويل الرؤيا عند هذا الحد ؛ فقد تبقى منها " اذكرني عند ربك " !!
كان معبر الرؤيا " م . غ " رجلاً فيه ديانة وصلاح ، وفي التسعينيات الهجرية كان له نشاط دعوي قد زامن بعدها حادثة الحرم المكي الشهيرة ؛ ليلقى عليه القبض في المطار - احترازياً - بعد مجيئه من رحلة دعوية في السودان !
" م . غ " كان مواطناً صالحاً محباً لوطنه ، ومخلصاً لولاة أمره ، وبعيداً كل البعد عن أهل الفتن ، ولكن المؤلم بأن الفتن تختلط فيها الأمور ، ومن ذلك أن التحفظ على الأشخاص هو من جنس الاحتياط والتأكد من السلامة والبراءة ، ولا ننكر أنه قد يحدث الظلم في مثل هذه الظروف .
أرسل " م . غ " نداءه إلى من قبض عليه أن يُظهر دليلاً واحداً يُثبت تورطه بأي شبهة أو علاقة بالفئة الضالة التي احتلت الحرم المكي الشريف ، وطالب سَجّانه أن يسأل الناس عنه وعن سمعته الحسنة في المجتمع ، ولكن دون جدوى !
عندئذ ألهمه الله تذكر الرؤيا القديمة لمن هو الآن برتبة فريق ويشغل منصب " مدير عام المباحث العامة " وهي الجهة المعنية بالقبض عليه أساساً ؛ فطلب من أحد الجنود أن يُسدي إليه معروفاً ؛ بأن يركب سيارته ويذهب إلى المديرية العامة للمباحث ، ثم يدخل على مديرها ، ويقول له : " يسلم عليك م غ ، ويقول لك : هل نسيت " اذكرني عند ربك " ؟!
فعل الجندي ما طلبه هذا الشيخ السجين لإحساسه التام ببراءته ؛ وذهب إلى عبدالعزيز مسعود يبتغي الأجر من الله ، ثم قال له حرفياً وبالنص ، الجملة التي كان قد طلب منه السجين أن ينطقها !
فزع عبدالعزيز مسعود حين سماعه اسم ذلك السجين وهذه الشفرة القديمة ، فقام من كرسيه ؛ ثم قال : أين هذا الشخص ؟ قال الجندي : هو في السجن محبوس منذ مدة !
طلب عبدالعزيز مسعود ملف قضيته فوراً ، وتأكد بأن القبض على " م . غ " كان احترازياً لا بسبب شبهة أو ضلوع في جريمة !
عندئذ غادر مكتبه على وجه السرعة ، وركب سيارته متوجهاً إلى السجن ، ودخل على صاحبه القديم في حبسه ، فسلّم عليه ، وقال : " لم أنسك ولم يُنسني الشيطان أمرك ؛ ولكني لم أدرّ عن مصابك ولا عن سجنك " !
قام فقبّل رأس الشيخ الجليل ، وأوصله بنفسه إلى منزله ، وبينهما لا بد أن قد ترقرقت دموع من الذكريات !
آيدن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
• المقال يتحدث عن القصص النادرة ؛ فمن كان لديه قصة نادرة ؛ فيا حبذا المتعة والاستفادة ( بدون بنيات الطريق والحديث السياسي ) .
• توفي الفريق أول عبدالعزيز مسعود – رحمه الله تعالى – في عام 1406 هـ ، وكان قد شغل منصب مدير المباحث العامة برتبة فريق أول من عام 1392 إلى 1406 ه ، وكذلك فإنّ الشيخ الذي قد عبّر له الرؤيا ( م . غ ) قد توفي هو أيضاً . فرحمهما الله أجمعين .
* الصورة أدناه هي لعبدالعزيز مسعود رحمه الله تعالى ، وقد كان له دور كبير في مكافحة البعثيين والشيوعيين والناصريين وكذلك الموالين لإيران ، وكان يردد بأنهم أعداء العقيدة والوطن ، وفي لقاء إعلامي مع الناصري الاشتراكي محمد سعيد طيب قال مؤخراً بأنه لن يُسامح عبدالعزيز مسعود !
الجدير بالذكر بأن محمد سعيد طيّب قد تحول من الاشتراكية إلى اللبرالية !!
