وقفت حائرا حين شممت عطرها. كانت قد عبرت بجانبي، ولم ألمح وجهها، نظرت إليها وإلى خطواتها، فانجذبت حواسي لها، تابعت غنج مشيتها بجذعها الطويل الذي يغطيه ثوب ذهبي اللون، وشعرها المرفوع بتسريحة أظهرت بعضا من جيدها. أخذت أتأمل وقفتها المترنحة بعض الشيء، وحركة يدها، وهي ترفع الكأس لتشرب. وأناملها الرفيعة الطويلة الممسكة به، وخاتمها الذهبي العريض أبهرني أناقته في أحدى أصابعها، وبطول قوامها، ولين جسدها، وضيق خصرها، متتبعا كل تفاصيل جسدها، وكأنها منحوتة يونانية خرجت من صمتها. بل أنها تستحق ان تكون لوحة جمالية ترسم بهذه الصورة دون الحاجة للنظر إلى وجهها.

بقيت أراقبها وبيدي كأس الشراب احتسيه ببطء. أفرغت كأسها، خطفت كأسا آخر. وتقدمت إليها. لامس صدري ظهرها وأحتك بثوبها الحريري الناعم. تراجعت إلى الامام والتفتت خلفا. وبابتسامة اصطنعتها بتلقائية على وجهي نظرت إلي بدهشة، وأنا أرفع كأس الشراب إليها. كانت وأن لم أخطأ تصغرني بعشرين عاما، لربما أكثر، أو اقل وأنا الكهل الخمسيني. أن سواد شعرها يناقض رمادية خصلات شعري الكثيفة التي ظلت قوية لم تتساقط  لتحميه من العواصف العاطفية.  ربما أجد لها منتفعا الآن لتحميني من الوقوع في حب امرأة مثلها.

لا أريد وصفها فان قلت عن جمال سأظلمها. رغم كل جمالها بقي جيدها يثير شغفي لاستنشق منه عطرها. نظرت إلى عينيها، وبهدوء متوتر دون خجل أخذت الكأس مني، ورشفت منه قليلا، ثم مددت يدي إليها، أعطتني كأسها فوضعت كأسينا جانبا. وأخذت بيدها لأرقص معها. لم أعرفها، ولم تعرفني. لكن يكفي هذا الإحساس الذي أشعر به كلما نظرت إليها. أصحبت تشبعني بكل ما فيها من مفاتن، لكن ظل عنقها يستهويني لتقبيلها. ضممتها إلي. وتحسست ظهرها، واقتربت نحو عنقها، وتلمست بشفتي، وعشت لحظة من العناق أذابت عظمي. انتهت الموسيقا فجأة، دون استئذان منا  كان عليها أن تمهلنا لنفرغ شحناتنا العاطفية. نظرت إلى صدرها يعلو ويهبط، فمن يسكنه الآن، هل أضمها ليهدأ ؟ انسحبت خلفا، وأنا أتأمل عينيها الحائرتين، وكأنها تقول ماذا فعلت بي؟

أعطتني ظهرها، وابتعدت فوقتُ بحيرة حتى تجمعت افكاري برغبة واحدة، فذهبت ألحقها. وبقيضة من يدي سحبتها من ساعدها، وأدرتها لي، رنوت منها واحتضنتها كما يحضن الاب طفلته، أحسست بسكونها، فابتعدت عنها. وداعبت خدها، ونظرت إلى عينيها، ومن دون مقدمات سألتها عن اسمها، أخبرتني، وتلك أول مرة أسمع  صوتها، أخذتها بيدي، وجلسنا معا وقتا. حتى مضى الوقت، وافترقنا وكأننا لم نفترق بقت أرواحنا باتصال دائم. حتى ركعت يوما عند ركبتيها اسألها الزواج. وافقت وكنت أسعد الناس بها.