بسم الله الرحمن الرحيم

التجربة المرة

علاء هلال

   لا خيرفي كثير من افكارنا اذا لم تساهم هذه الافكار في تغيير واقعنا البائس ، و حتى نحقق التغيير ، علينا ان نفهم واقعنا انطلاقا من واقع جماهير الناس المهمشين و المطحونين ، فهؤلاء هم الوطن و هم المواطنون ، أما الذين اعتلوا رقاب العباد فهم متطفلون على الوطن ، عبء عليه ، و يمثلون الاجنبي اكثر مما يمثلون بلادنا العربية .

   ان قدرنا ، نحن العرب في هذا الزمان ، أن نرتدي أثواب الأجنبي ، و أن نرتدي أثوابه في غير أوانها ؛ لقد قفز المجتمع العربي – مع الاخذ بعين الاعتبار تنوعه – الى مؤسسة الدولة الحديثة ، و الى العالم الحديث فجأة ، و بدون مقدمات ، و النتيجة واقعٌ عربيٌّ مُشوه ؛ فلا هو أصيلٌ تطور على مهل ، و بشكل طبيعي ، و لا هو حديثٌ فَـتيٌّ قـوي فيضعنا على قائمة الدول الفاعلة لا المفعول بها . لقد قفزنا – بل قُـذِفْنا – الى المستقبل بدون المرور بالحاضر ، فتركنا وراءنا فجوة كبيرة من الصعب ردمها ، هذه الفجوة هي واقعنا الذي لم نشكله بإرادتنا ، بل شُكِّل رغماً عنا  ، لقد أمسك الأجنبي بمشرطه و مزق الجسد العربي ، ليُفَصِّله ثانيةً على مقاسه ، و تعاون معه في ذلك فئات و طبقات ، و عائلات انتهازية منتفعة ، لا يهمها حال الأغلبية البائسة المطحونة ، لذلك ارتددنا مراراً الى الوراء ، تجادلنا تناقشنا تحاربنا ، و كأننا شاعرين بالفجوة ، بالفراغ ، بالنقص ، بالحاضر الذي فُوِّت و هو عجينة لم تتخمر لتُـشَـكَّـلَ على مهل تشكيلا يناسبنا، و كأننا برِدَّتِنا هذه اردنا ردم هذه الفجوة الزمنية بأثر رجعي ؟! .

   هكذا تشوهت أفكارنا و ملامحنا ، و السنتنا و لباسنا ، و ابجديات حياتِـنا كلها ... و كان من نتيجة ذلك – حسب معظم المؤرخين – انقسامنا الى فريقين أساسيين متصارعين:

  • فريق "سلفي" قابع في ظلمات الماضي يفتش فيه عن حاضره و مستقبله
  • وفريق "حداثي" قابع في جغرافيا فكرية غربية ، و غريبة . 

و رغم الاختلافات الواضحة بين هذين التيارين ، الا ان هناك قاسم مشترك بينهما ، و هو لا تاريخية طرحهما ، فالفريقان يقدمان حلولا لم تنبت من الاشكاليات العربية الحقيقية ... 

لكن هذا التقسيم ليس كل الحكاية ؛ فهناك تيارٌ تم بتره من نصنا العربي ، تم التعتيم عليه لعدة أسباب :

  • لانه التيار الاكثر تاريخية و واقعية و أصالة ، لانه التيار الوحيد الذي نبت من قلب اللحظة التاريخية العربية ، لانه التيار  الذي انعكست في مرآته وجوه الجماهيىر المنهكة  . 

  •  أن هذا التيار هو التيار الوحيد ، ربما،  الذي انطلق من الواقع لتغيير هذا الواقع ، و ذلك بفهم احوال الوطن و المواطن ، و بالتفاعل مع ، و الاعتماد على ، الجماهير الشعبية الكادحة ، و هي الجماهير التي "يقع عليها عبء التخلف و الاستعمار و الاستغلال بشكل أساسي".
    • انه التيار الوحيد الذي قدم لائحة اتهام مُـحْـكَمة و متماسكة ، ضد المجرمين الذين شوهوا واقعنا ؛ ضد الاستعمار و اذنابه من الحكام و الطبقات الطفيلية التي مصت دماء الشعوب العربية ، و استنـزفت مواردها لصالح الغريب و لصالحها ، كما ان هذا التيار لم يتردد و لم يَخَفْ من مواجهة أهل بيتِهِ أنفسِهِم ، فبـَـيَّـن لهم عيوبَهم الفكرية و الاجتماعية و النفسية ، و لكن مواجهته لأهل بيتِهِ كانت مواجهة مع الذات ؛ لتهذيبها و تطويرها ، أما اتهامه للاستعمار و اذنابه ، فهو اتهام الغاضب ، المناضل ، في سبيل طرد الاستعمار و أذنابه من وطننا العربي .
    • و أخيرا هو التيار الوحيد الذي له تجارب طويلة ، و مهمة ، و مؤثرة ، في الحكم ، بغض النظر عن رأينا في تجاربه ، بل ان هذه التجارب ، و مدى قربها و بعدها من المباديء و الافكار التي تبناها هذا التيار ، يعزز من اهمية الرجوع الى الاصول الاولى له لفهمها في صفائها الاول قبل التطبيق ، و لندرك ما الذي حصل في المسافة الزمنية الفاصلة بين الثورة و الحكم ، بين النظرية و الممارسة .
    • لذلك فهو التيار  الوحيد الذي يمكن ان يهدد مصالح الاجنبي و أذنابه من الرجعيين العرب ... فكان من الطبيعي محاربته و تهميشه و تشويهه .

   لن اطيل عليكم ؛ انني اتحدث عن "التيار القومي العروبي" ، و تحديدا ، عن "يسار" هذا التيار  و سأعتمد في تـناول افـكاره وأحواله،  على رواية احد رموزه المهمين : "أحمد منيف الرزاز" المعروف بمنيف الرزاز . 

 لقد انطلق هذا التيار منذ الاربعينيات و انتشر  في الخمسينيات ، و رغم أنه كان في تلك الفترة طريَّ العودِ الا انه كان عظيمَ الأثَر؛ فقد كانت افكاره تتردد من مشرق العالم العربي الى مغربه ، كالتيار الهادر ، تيار ازاحت امواجه الضخمة "اربعة من الزعماء العرب" المتطفلين على جسد هذه الامة ، أربعة من سبعة زعماء عرب اشتركوا في جريمة سميت النكبة ... لقد أصبح العالم العربي في تلك الفترة مرجلاً كبيراً يغلي ، و حددت القوى القومية التقدمية اهدافها بوضوح تام :

  • القضاء على الاستعمار 
  •  القضاء على الرجعية العربية 
  •  القضاء على كل أشكال الاستغلال و الاستعباد   ... 
  • القضاء على التخلف و آثاره .

   كان المرجل يغلي ، و كانت الجماهير تتطلع الى مستقبل أفضل ، و كانت تدرك أن الأفضل لن يكون الا بوحدة الكلمة و الصف  ، فكانت الوحدة بين سوريا و مصر ليست وليدة التـقاء عبدالناصر بالبعث – بحسب رأي الرزاز - بقدر ما هي تجسيد  " لقوة الجماهير المتدفقة التي اكتشفت ذاتها و حقيقتها بقيادة عبدالناصر و البعث"

 ...  لكن المفارقة الغريبة و المحزنة ، ان الوحدةَ " في يومِها الاول ، و جَّهَت الضربة الاولى للوحدة نفسها" ؛ وذلك بحل حزب البعث في سوريا ، و بالعمل على تعميم "فلسفة" رافضة للتنظيم الحزبي الذي كان يعتبر قائدا "طليعيا" لا غنى عنه في "تـقـنية" سخط الجماهير العارم في " قنواته الصحيحة المنتجة " .

   و حسب الرزاز ؛ فقد شهدت الستينات – حين كان التيار القومي قد وصل للحكم - تراجعاً كبيراً ، و خطيراً ، في القوةِ الحزبيةِ العقائدية ، و في الزخم الشعبي أيضاً ، لقد "امتصت" الدولة " الدفقة الحيوية الشعبية " فنقـلت قوة الجماهير الى أجهزة الدولة  ... 

و في النهاية كان الانفصال بين مصر و سوريا بدعم من الرجعية ، ثم كان الحكم المشترك بين البعث و "اللجنة العسكرية" و الذي كثرت فيه الصراعات بين العسكريين و "القيادة القومية" للبعث ، و بين العسكريين أنفسهم ، وصولا الى الضربة القاضية التي وُجِّهَت للبعث فكرا و تنظيما ، و ذلك اثر" حركة" 23 شباط 1966. يقول الرزاز : 

" لقد انهت حركة 23 شباط آخر محاولة عربية لانشاء حكم تقدمي شعبي عقائدييشترك فيه العسكريون دون ان يسيطروا عليه " .

   و رغم ذلك ظل الرزاز – الذي هرب هو و عفلق و غيرهما من قيادات البعث الى خارج سوريا – ظل مؤمنا بان البعث هو " حركة للعرب أصيلة" ؛ و هو يتحدث هنا عن البعث فكرا و تنظيما كما كان قبل حركة 23 شباط ، أي قبل الانقلاب على البعث باسم البعث ، و قبل الانقلاب على الاشتراكية باسم اليسار ، و قبل تعزيز قوى الانفصال في سوريا بتنفيذ "تكتيل طائفي و عشائري" مقيتين بحسب الرزاز نفسه.

فعن أي بعث يتحدث الرزاز ؟ و كيف اضمحلت القوى الجماهيرية ، هذه القوى التي كان منها الانطلاق ، و بها ، و معها ، كان العمل ، و من اجلها كان النضال ؟! . 

   هذا ما حاول الرزاز الاجابة عليه في كتاب مُــرَ ، أسماه "التجربة المُرَّة " ، و يا له من اسم ، و يا لها من دلالات يوحي بها هذا الاسم ، و من يقرأ الكتاب لا يستغرب ان مؤلفه ، قد مات بعيدا في بغداد ، هو المولود في دمشق ، الذي عاش طفولته و شبابه مناضلا في الاردن ، نزيلا في سجونها العنيفة ، الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ، المناضل في سبيل الحفاظ على دولة الوحدة بين مصر و سوريا - رغم سلبياتها و اخطائها التي دعت القيادة القومية للبعث الى تفاديها - لتكون هذه الدولة أنموذجا حيا لافكار البعث القومية اليسارية ... هذا الرجل خرج من سوريا حزيناَ يترقبْ ، حتى استقر في بغداد ، و مات فيها – يقال انه مات مسموما – ثم دفن في الاردن كما اوصى .

   هذه الحياة المُرة تقول الكثير ، و هذا الكتاب المُرُّ يقول الكثير ، يقولان الكثير عن الفرق بين الافكار و التنظيم ابان بكارتهما ، و عز عنفوانهما و حيويتهما ، و بين الافكار و التنظيم و القادة ، بعد فضِّ البكارة ، و الزواج بمؤسسة الدولة ... و في هذا تقول "التجربة المرة" : 

" كثيرا ما يبدأ الانقلاب بثوار،  و ينتهي بسياسيين " .

و هذه العبارة أيضا تقول الكثير ، و ربما تلخص الكثير ، فجوهر فكرة الرزاز – الذي حاول في هذا الكتاب تحليل صعود و هبوط ، نجاحات و اخفاقات ، البعث و افكاره في فترة حساسة جدا – جوهر فكرته هي :

ان العلاقة بين العسكريين و المدنيين (قضية السلطة )- هل تكون جماهيرية في شيء من الحرية هو من طبيعة جماهيريتها ، أم تكون عسكرية في شيء من الديكتاتورية هو من طبيعة عسكريتها ؟- هي "لب المشاكل" في سوريا و العراق ، و هي لب الكثير من مشاكل العالم العربي عموما......

 قلنا ان الرزاز بدأ الكتاب بما اقتبسناه عن القضاء على آخر التجارب المتمحورة حول الشعب و مصالحه،  لصالح فئة قليلة من البيروقراطيين العسكريين ... و قد انهى الكتاب داعيا الى :

"قيام جبهة شعبية قومية يسارية يعم ميدانها الوطن العربي كله ، و تكون خطوة اولى في سبيل قيام حركة عربية شعبية يسارية واحدة..."

   هذه هي ثيمة الكتاب كله ؛ فبين بداية الكتاب المحزنة ، و بين نهايته التي توحي بالتفاؤل ، يحلل الرزاز و يدقق ، و في باله ، و على لسانه دائما : الشعب ، الجماهير ، الفقراء ، الفلاحين ، الكادحين ... و لا عجب ؛ فمن الشعب انبعث البعث ، ايام بكارته و طهارته و حيويته ، و مع الشعب تفاعل ، و من أجل حياة افضل للشعب ناضل ، و لان جماهير الشعب أهمِلت ، و لأن الحياة الحزبية عُطِّلَت ، فشلت التجربة في سوريا ، فشلت لان القاعدة الشعبية تصدعت ، تشتتت تبلبلت ، نتيجة "الحكم البيروقراطي العسكري المباحثي" ، لدرجة ان الحزب اصبح "فتات حزب" ، و لدرجة ان الجماهير (التي صنعت بقوتها الوحدة) حدث الانفصال فاذا بها تستقبله كالقدر المحتوم ، كما تستقبل "المصائب الكونية" ، "بـفتور و يأس" .... 

   اذن كان الشعب البداية ، ومن اجله كان النضال ، و به وحده ، تُـصْنَع التغييرات الجذرية ، و بابعاده و كَـبْـتِه ، تتحول الثورة الى دولة بيروقراطية تخدم فئة قليلة ، حتى لو ارتدت زي الاشتراكية ... 

يقول الرزاز عن البدايات :

" ولد البعث نتيجة الوعي الكامل على معنى الصراع القائم بالفعل في الوطن العربي ، و على معنى التناقضات القائمة وراء هذا الصراع ، و ادراكه للواقع العربي بكل امراضه و مساوئه  ... ولد ابان ذروة النضال ؛ حين وعت الجماهير دورها التاريخي و أهميتها ... وعي جديد لا يتاح الا للجماهير التي تناضل " .

   من قلب الواقع اذن ، و من خلال الحركة و النضال ، و بوعي "كامل" ، ولد البعث ... كيف كان ذلك الواقع ، و ما هو الرد على تحدياته ؟ 

كان هناك : استعمار متمثل " في العدوان ، في الكبت ، في الاستغلال ، في محاولة قهر المجتمع و ابقائه على تخلفه" ... 

و كان هناك نضال يتمثل في تطلع الى "اثبات الوجود" ... في "ازالة كل العقبات الواقفة امام الجماهير سياسية كانت ام اجتماعية ام اقتصادية" .

   وهنا نلمح ، ويلمح الرزاز معنا ، افكار "فرانز فانون" ، بل يدركها و يدرك الالتقاء الكامل معها  ، و لا يستغرب ، ولا يحاول ان يتفذلك و يتنطع و يتبجح ، و يقول سبقـناه ، و ما شابه ذلك من استعراضات فكرية فارغة ، الرجل الذي تلمس موضوعيته و اخلاصه و تواضعه في كل ارجاء الكتاب ، يقول ببساطة المناضل : 

" ان وحدة العوامل التاريخية توضح الالتقاء الكامل بين طرح البعث في الاربعينات، و طرح فانون، من تحليل عميق لمعنى الاستعمار و الثورة "

اذن استعمار ، تخلف ، تجزئة ، و نضال مستمر ...

اذن هناك تناقضان أساسيان :

  • "تناقض الوعي القومي مع الاستعمار" 
  • و "تناقض مستلزمات التقدم مع معطيات التخلف"                                                     و "المعركة واحدة ضد الاستعمار و التخلف" يقودها الكادحون ..

  من هذه المنطلقات النظرية صاغ البعث" مسلماته" :

  • " ان الاستعمار قوة معادية طارئة و لا يمكن القضاء عليه الا بالنضال المتواصل العنيف" ، و" لكن التخلف قيد على النضال" ولذلك لا بد من القضاء على " آثار التخلف" و خاصة "آثاره النفسية" حتى نتمكن من القضاء على الاستعمار
  • "جماهير الشعب الكادحة هي القوة الوحيدة القادرة على طرد الاستعمار و على القيام بثورتها ضد تخلفها"

نعم ان الثورة و النضال ليست نضالا سياسيا فقط ، و لا كفاحا اجتماعيا فقط ، انها حياة جديدة ، نفسية جديدة ، افكار جديدة ، النضال – حسب عفلق :

"ليس اسلوبا بل غاية في حد ذاته " .

و نجد هذه الفكرة ذاتها عند المناضل ، و المفكر المهم ، "ناجي علوش" . يقول علوش  بأسلوب ساحر فيه عذوبة و حرارة و خيال لا تجدها عند الرزاز :

" وهج الثورة الساحر يغير كل شيء ، و يصقل كل شيء ، و لهذا تُـتِـم الثورة في سنوات ما تعجز أجيال عن اتمامه ... .. ... الثورة التي تعيد الثقة و القوة و الصفاء للانسان ، و الخصوبة و الغنى للأرض ، و الحركة و المعنى للزمن ، هذه الثورة هي الخلاص


ان النضال في آسيا و افريقيا ، و في عالمنا العربي طبعا – بحسب الرزاز- هو نضال قومي ، المعركة الاساسية هي معركتنا مع الاستعمار ، و لكن نضالنا القومي لا يمكن ان يكون نضالا قوميا دون ربطه باهداف اجتماعية اقتصادية ، بدون ربطه بالقضاء على التخلف ، لا يمكن ان يكون نضالنا قوميا بدون ان يكون اشتراكيا ، و لا يمكن ان يكون اشتراكيا بدون ربطه بالوحدة ... يشرح لنا الرزاز مثلا : ان تطبيق الاشتراكية في عالمنا العربي لا يمكن ان يتم بسهولة و بغمضة عين ، ماركس افترض مثل ذلك ، و لكنه افترض ذلك في مجتمع متقدم صناعيا ، وفيه طبقة عاملة كبيرة ، أما في الوطن العربي فالطبقة العاملة لا تزال ناشئة – هذا الكلام في الستينات طبعا – و في الوطن العربي لا ثروة قابلة للتوزيع ، و ان الواجب ،و الاولوية، هي للتأميم – بحدود و شروط - و امساك الدولة بزمام ادارة الانتاج ، و انشاء قطاع عام قوي ، ثم يتم – و هذا يحتاج الى سنوات و صبر من الشعب - رفع الانتاج ، لرفع مستوى المعيشة و الاستهلاك .هذا من جهة ، و من جهة اخرى لا يمكن للاشتراكية ان تُـطَبَّق الا بقاعدة اقتصادية واسعه ، بقاعدة انتاجية استهلاكية ، واسعة ، و بما ان كل اقطارنا العربية – و هي مجزأة - لا تملك هذه القاعدة ، فلا بد من الوحدة لتحقيق الاشتراكية .

   و قل مثل هذا في القضاء على الاستعمار ، فكيف تقضي على الاستعمار دون التخلص من الطبقات/ الفئات المستفيدة من الاستعمار ، و التي ترسخ الاستعمار ، اذن :

  • لا تحرر قومي و لا وحدة بدون اشتراكية حقيقية ؛ فالتحرر القومي لا يمكن ان يتحقق دون القضاء على الاستغلال و المستغلين...  و الوحدة لا يمكن ان تتم على ايدي الرجعية الانتهازية 
  • و لا اشتراكية حقيقية بدون وحدة ؛ "فالاشتراكية القطرية الانفصالية لا يمكن ان تتجاوز مرحلة اللارأسمالية"
  • و لا اشتراكية و لا يسار بدون حرية ، " فاليسار العسكري يسار فوقي يلغي دور الشعب ليحل محله سلطة الدولة . ان اليسار يجب ان يعيش مع الجماهير ، يتفاعل معها ، يستفيد منها و يفيدها ( هنا نلمح باولو فريري لكن كتاب فريري بيداغوجيا المقهورين لم يكن قد صدر بعد وقت كتابة التجربة المرة)
  • "و الحرية البرلمانية في ظل حكم برجوازي .. حرية مزيفة"

و كل ذلك لخصه شعار :

" الوحدة ، الحرية ، الاشتراكية

هذه الاهداف - بحسب الرزاز نفسه -  لم يخترعها البعث :

  • " و لكن البعث نقلها من مستوى الاحلام ، الى مستوى النضال اليومي 
  • و كشف ما بينها من ترابط 
  • و وضعها في الاطار السليم من اطارها  القومي الشعبي"

نلاحظ بوضوح في كل ما تقدم ان الجماهير ثيمة الرزاز ، و هي كذلك ثيمة كل مناضل قومي حقيقي ، لان الجماهير الكادحة هي الوحيدة التي لا يمكن ان تلتقي مصالحها بمصالح الاستعمار و الرجعية ، "بل على العكس من ذلك ؛ فهي التي تتناقض معه تناقضا تاما" ، اما الاقطاعي ، و الراسمالي ، و البرجوازي ، و أعيان الريف و المدينة ، أما هؤلاء ، فمصالحهم غالبا ما تتقاطع مع مصالح الاستعمار، فتقوم بصك معاهدات مع الاستعمار تتسلم بموجبها الحكم ، و لكنها تظل على خطى الاستعمار تسير ، فلا تتبدل الا الوجوه ، و يبقى الشعب الذي ناضل و كافح مقموعا مكبوتا لا  صوت له. 

   و لكن للأسف ، حتى التجارب التقدمية في عالمنا العربي اقصت جماهير الشعب كذلك ، بغض النظر عن اسباب الاقصاء ، و هل كان هذا مقصودا ام بحكم الواقع الموضوعي ؟ ... المهم ان هذا ما حدث ؛  ففي مصر – صاحبة التجربة القومية اليسارية الاهم في الوطن العربي – منعت الاحزاب ، و كان هذا مبررا لأن  الاحزاب قبل ثورة 23 يوليو 1952 كانت – في الاغلب - احزابا انتهازية رجعية ، كانت احزابا تمثل فئات و طبقات ارتبطت مصالحها بالملك او بالاستعمار ، او بكليهما  ، و لا مانع لديها – كما تقدم – ان تتفق مع الاستعمار ، بل مع الشيطان ، على حساب الطبقات المحرومة المسحوقة ، يعني على حساب الوطن ! . لذلك لجأت الثورة الى منع الاحزاب ، فالثورة لم تحظر احزابا ثورية تقدمية فهذه لم تكن موجودة في مصر في ذلك الوقت .  و لكن الرئيس جمال عبدالناصر كان يدرك ان لا ثورة بدون  الاستناد الى "تنظيم قاعدة جماهيرية تتفاعل معه و يتفاعل معها" فعمل على تأسيس هيئات و مؤسسات لسد هذا النقص ، و لكن دون جدوى ، فالشعب لا يدار بالاوراق و الاوامر و البيروقراطيات ، ان "الشعب يقاد و لا يُـساق كالقطيع" ، و كانت هذه – حسب اقتباسات اوردها الرزاز – احدى النقاط القتالة لنظام عبدالناصر

أما في سوريا فقد ذكرنا اعلاه ان الاحزاب حُـلَّت بعد قيام دولة الوحدة ، و الادهى و الأمـرّ ، ما بدى و كأنها "فلسفة جديدة" تحارب الحزبية عُـمِّـمَـت في الوطن العربي كله ، و لوحق الحزبيون بالاعتقال و التهم ، و قد استغل الاستعمار و الرجعية ذلك احسن الاستغلال – حسب الرزاز – فخُنِقَت الاحزاب ، و من يستطيع ان يلوم الرجعية اذا فعلت ذلك و قد فعلته الانظمة التقدمية ؟!! ...

" ان الفلسفة الجديدة قد أوقفت المد الشعبي العربي ، و أنهت عهد الانتصارات ، و بدأت النكسات تتوالى منذ ذلك الحين"

الى هذه الدرجة كان يؤمن الرزاز باهمية قوة الجماهير أو ضعفها ، ففي حال قوتها  تـتـحقق الانتصارات حتى لو لم يكن الحكم تقدميا ، و في حال ضعفها تـتوالى الهزائم حتى لو كانت هناك حكما تقدميا .

 نكمل :

  ... و نتيجة لسياسة منع التحزب و احكام القبضة الامنية ، جاء الانفصال بلا ردة فعل شعبية ، او بردة فعل فاترة يائسة كما تقدم ، ثم جاء الانقلاب على الانفصال ، و أصبحت سوريا ساحة صراع بين "اللجنة العسكرية " (صلاح جديد ، حافظ الاسد ، و غيرهم ) و بين القيادة القومية لحزب البعث من جهة ، و بين العسكريين أنفسهم من جهة أخرى ، و كانت المحصلة انقلاب انهى عهد الانقلابات في سوريا ، لكنه انهى ايضا عهد رواد البعث بما يمثلونه من تراث فكري و تنظيمي (عفلق و البيطار و الحوراني و غيرهم ) .

   و بين الوحدة و الانقلاب على الانفصال ، كانت هناك تجربة ثورية ناجحة في العراق اطاحت بحكم عبدالكريم قاسم ، صاحب "التوجهات اللاقومية" ، و كانت اهم اسباب "النصر" حسب الرزاز :

  • قيام جبهة قومية ضد العهد " الشعبوي اللاقومي "  ؛  ضد عبدالكريم قاسم (فقط الشيوعيون لم يشتركوا في الجبهة بل كانوا اداة قمع للقوميين و غيرهم بيد قاسم )
  • تبعية التنظيم البعثي "العسكري" للقيادة "المدنية" للبعث
  • الحرص على "جماهيرية المعركة" ، كانت المعركة تدار "بحزم و ابداع بقيادة "علي الصالح السعدي" ، و قد دخل الشعب معارك جماهيرية واسعة قبل حركة 8 شباط 1963.

   و قد قضت هذه الحركة على "الانحراف اللاقومي الخطير و مهدت لقيام حكم قومي وحدوي تقدمي" ... لكن – و اه من لكن هذه – لم يطل النصر و انتهى بالهزيمة ؛ برجحان كفة اليمين الذي اشتركت عناصر منه – "بحكم طبيعة المعركة"- في الحكم . و كانت للهزيمة اسباب عديدة ذكرها الرزاز كان اهمها كما يعتقد :

"اهمال دور الجيش ، و التركيز على "تقوية الحرس القومي المدني – جيش الشعب – و منحه صلاحيات واسعة و حماية ، حتى لاخطائه "

وكان الهدف من وأد هذه التجربة : 

"الحيلولة دون الاتجاه الاشتراكي ، و الحيلولة دون تقوية نفوذ و فعالية الجماهير الشعبية التي كان الحزب قد بدأ في تنظيمها في منظمات شعبية واسعة" .

و في نهاية الكتاب خصص الرزاز جزءاَ للحديث عن "ازمة اليسار العربي" ، معتبرا ان ازمة البعث هي جزءٌ من أزمةٍ أكبر هي أزمة اليسارِ العربيِّ كلِّه ، و التي تعود الى عدة أسباب برأيه  : 

  • "اضمحلال القوة الجماهيرية"
  • "فك الارتباط بين اهداف الثورة؛
  • تقدم اعلاه ان التحرر القومي و الاقتصادي الاجتماعي و السياسي مترابطة ربطا متينا ، و لا يجوز العمل في سبيل احدها دون الآخر ، و قد ادى فك الارتباط بين هذه الاهداف الى ظهور "الانحرافات" ؛ فقد ظهر انحرافان : "يميني قومي" ، و "اشتراكي قطري " ... أما "اليسار الشعبي" فقد ضاع بين هذين الاتجاهين .
  • "ضياع القيم و المعايير و المقاييس الثابتة"... يقول الرزاز : "ان ضياع القيم صفة من صفات اليمين ؛ الذي يقوم في الاصل على مبدأ ذرائعي محض ؛ ان طبيعة اليمين اينما كان ان يحافظ على معطيات المجتمع القائم ، و الاستناد الى الماضي ، و عدم التطلع الى المستقبل
  • بينما اليسار – المتطلع الى تغيير الواقع تغييرا جذريا اساسيا لا يمكن ان يكون يسارا اذا اخضع القيمة للحدث ؛ فالحدث متغير ، اما القيم و المقاييس فلا يجوز ان تتغير" .
  • و آخر سبب من اسباب ازمة اليسار هو :
  • تشرذم اليسار و انشغاله ببعضه .

  • خلاصات و استنتاجات :


  • ان الاعمال الفكرية و العلمية ليست مبرأة من الوقوع في  الأخطاء، بل و لا من التزييف و التزوير ؛ ففي حالتنا هذه مثلا ،  لا أعتقد أن التعامُل الفكري البحثي مع التيار القومي – خاصة اليساري الراديكالي منه -  لا اعتقد انه تعامُل موضوعي ؛ بل اعتقد أنه تم التركيز عمدا على التيارين الاسلامي – خاصة السياسي منه  – و العلماني ، و على الصراع بينهما ، و كأن مآزقنا و مشاكلنا كلها فكرية عقلية ، و كأنه لا يوجد قواعد للاستعمار في الوطن العربي، و كأنه لا يوجد ابواق و عملاء للاستعمار ، و كأنه لا يوجد فساد و سرقة و نهب منظم لثروات الامة العربية ، و كأنه لا يوجد تمييز و لا ظلم في توزيع الثروة ... فقط يوجد مشاكل و مآزق فكرية ، فلنتجادل الى يوم الدين حول الدين و العلمانية ، و حول ثيوقراطية الدولة و مدنيتها ، و حول الأصالة و المعاصرة ، و لننسى الحكام و بطانة الحكام الذين مصوا دمائنا مصا و تركونا عظما بلا لحم ... فهنيئا لاعداء الامة بمفكرينا الأفذاذ ، و مبروك علينا "اللهاية الفكرية" التي القيت لنا لتلهينا عن ساحة النضال الحقيقية .
  • بناءا على ما اعتقد انه تغييب / تشويه مبرمج للتيار القومي ، فان علينا   نشر ، و نقد ، و تطوير ، الفكر القومي اليساري في ضوء التجارب و المتغيرات التي مرت بها الامة العربية في العقود السبعة الماضية... مثلا :  الدول القطرية التي كنا نلعنها و نطالب بتوحيدها أصبحت اليوم مطلبا بحد ذاتها ؛ لان الدولة القطرية  معرضة للتقسيم ؛ اذن نحن مضطرون اليوم للحفاظ عليها مع ابقاء اعيننا على الهم القومي ، و الهدف القومي ،  فلا حياة لاي قطر عربي بمعزل عن بقية الاقطار ؛ فالهجمة على الامة رهيبة و خطيرة ، و نحن اليوم نمر بمرحلة ربما تكون من اخطر المراحل التي مر بها العرب ، اليوم اسرائيل و اميركا تتبجح و تتجاوز كل الخطوط الحمر ، و تدنس أقدس مقدسات العرب ، اليوم الهجمة مسعورة و وقحة ، و التعاون بين الاستعمار و الكيان الصهيوني و الرجعية العربية علني . و هذا برأيي دلالة على شدة المأزق الذي وقعوا فيه ؛ فرغم كل المحاولات لتدمير اهم الاقطار العربية الا ان التدمير وصل الى بيوتهم  ، و هذا في وقت تتعرض فيه الراسمالية الغربية و اذرعها المحلية الى منافسة شرسة من شأنها ان تدفعها الى الوراء ، و ما هي الا مسألة و قت و تختلف المعادلة في العالم كله .
  • يجب التمييز بين الافكار القوميه و بين تطبيق هذه الافكار ؛ فالتجربة "المرة" للبعث في سوريا ، و في غيرها ، ليست دليل ادانة و فشل للفكر القومي . ان هذه الافكار والاهداف لا تخص حزبا ، او جهة ، او طائفة معينة ؛ بل هي اهداف تواتَرتْ و ترسختْ في الذاكرة الجمعية العربية جيلا بعد جيل . فلا يجوز ان ننسبها الى نظام معين ، و ان نحكم عليها في ضوء تجربة هذا النظام او ذاك . فهناك فرق بين الفكرة و  و بين من يدعي الحرص على هذه الفكرة  ليمنح نظامه الشرعية . كما ان هناك فرقا بين الفكرة ، و بين امكانية تطبيق هذه الفكرة ، فهناك شروط موضوعية حاكمة للتطبيق . 
  • ان السنوات الاخيرة أثبتت اثباتا قاطعا أن هناك فجوة بين أحزابنا بكل الونها و اشكالها ، و بين جماهير الشعب ؛ ان الشعارات التي التفت حولها الجماهير لا تمت للنقاشات التي انهكتنا في الستين سنة الماضية ، ان التحركات التي عمت الوطن العربي – و الكثير منها تم تجييره لصالح الغرب – تحركات تطالب بأساسيات الحياة الكريمة ، و لم تطالب يافطة شعبية (غير منظمة )– حسب علمي – بمطالب فكرية ايديولوجية ، بل ان هذه التحركات – او البريء منها – أُجْهِضَت على يد الاحزاب والفعاليات الاسلامية و العلمانية لما ركبوا الموجة ، هؤلاء كلهم "امتصوا الدفقة الحيوية " للجماهير على حد تعبير الرزاز ؛ انهم "ثورة مضادة" كان الهدف منها احتواء الغضب العارم في الشارع العربي و الحفاظ على الانظمة القائمة . هذا كله يعيدنا الى التحركات الشعبية المبكرة في العالم العربي  ، تلك التحركات التي كانت مطالبها قاطعة واضحة : لا للاستعمار ، لا للرجعية ، لا للاقطاع . باختصار تحركات و تجارب اليوم تعيدنا الى احضان الفكر القومي بطبعته اليسارية.
  •  علينا - افرادا و مؤسسات شعبية - ان نتحد على المستوى الشعبي حول المطالب اعلاه ؛ فهي مطالب تدمج بين (الهم القومي) ، و بين (الهم اليومي) ، و هي لذلك المطالب الواقعية الحيوية  .
  • نؤكد على أهمية و أولوية  "ازالة آثار التخلف النفسية " ، كما طالب منيف الرزاز و ناجي علوش و فرانز فانون . و هذا لا يكون الا بالنضال المستمر . فالنضال يغير النفوس و الافكار و المؤسسات . و كم نحتاج في هذا الزمان الى تغيير النفوس ، ففي عالم اليوم - الذي يروج فيه للكفر بكل السرديات ، و بكل الاعمال الجماعية -  ينتحر شخص كل اربعين ثانية (800000 منتحر سنويا) و في عالمنا العربي احتلت مصر المرتبة الاولى في عدد المنتحرين ( 3800 منتحر في عام واحد) 
  • نؤكد على اهمية ترابط التحرر القومي السياسي بالتحرر الاقتصادي و الاجتماعي ، و عدم استنزاف طاقاتنا بمعارك سياسية برلمانية خائبة،  لا هدف لها الا ستر عورات الانظمة العربية ، و هذه ليست دعوة لمقاطعة الانتخابات ، بل هي تحذير من اللعبة السياسية ، او - اسمحوا لي ان اسميها - "اللهاية السياسية" ، التي يضعها النظام العربي الرسمي في افواهنا ليُلهينا عن ساحات النضال الحقيقي .
  • القوميون العرب منذ الستينات تقريبا لا صوت لهم رغم راهنية أفكارهم كما تقدم ، لقد انكفأ الكثير منهم على ذاته ، و اعتكفت اغلبيتهم على القراءة و التأليف و النضال من خلال المراكز البحثية و المؤتمرات السنوية ، و رغم أهمية ما قدموه  في مركز دراسات الوحدة العربية ، و في المؤتمر القومي العربي ، و المؤتمر القومي الاسلامي ، و غيرها من المراكز و المؤسسات و المؤتمرات ، الا انه لا يكفي ، لقد ابقوا مشكورين ، شعلة الفكر القومي مشتعلة ، و لكنهم لم يستطيعوا ان يستقطبوا – فضلا عن ان ينظموا – الشباب العربي . اننا بحاجة لتجديد خطابنا ، و تجديد هياكلنا ، و ضخ دم شبابنا العربي في شرايين مؤسساتنا ، كفانا نخبوية و انعزال عن الناس .
  • أخيرا فإننا رغم ايماننا الشديد بالأهمية الفائقة للجماهير "كمنطلق و و سيلة و غاية" ، و بالتالي كعامل أساسي في التغيير ، و في تثبيت و هدم اركان الحكم ...  إلا أننا نتساءل : ألم يبالغ الرزاز في اعتماده الجماهير معيارا رئيسيا - شبه وحيد - في نجاح و إخفاق التجارب التقدمية العربية ؟ 
  • صحيح أن الرزاز أشار بصراحة الى دور الاستعمار و الرجعية في ضرب الاتجاه القومي التقدمي ، إلا أنه قدم تحليلا و عرضا سلط من خلالهما كل الاضواء تقريبا على الجماهير التي كانت ولادتها ولادة للبعث ، و قوتها سببا في سقوط الانظمة و تدشين الوحدة ، و تهميشها سبب في الانفصال و فشل التجارب التقدمية ... ان هذا التركيز الشديد على الجماهير - التي نكرر ايماننا الشديد باهميتها - اضاع الكثير من العوامل التي لمسها الرزاز لمسا خفيفا ، كالخلفيات الاجتماعية للاحداث ، و المؤمرات الدولية و المحلية ، و الضغوطات الهائلة على عبد الناصر ، و البنى الاقتصادية ، و البيروقراطية ... و غير ذلك من العوامل التي لم تعطى حقها من التحليل ... لكن للرزاز عذره فهو ابن تجربته ، و أسير مدى بصره ، كما أن طبيعة الكتاب ربما لا تسمح باكثر من ذلك . كما ان للرجل كتابات كثيرة يجدر قراءتها قبل ابداء رأي دقيق في طرحه في التجربة المرة .