في العام 1993 أطلقت (مايكروسوفت) موسوعتها الالكترونية الشهيرة (إنكارتا)، لتحقق نجاحاً كبيراً حتى إن نسخة العام 2008 احتوت على أكثر من 62 ألف مادة مختلفة متعددة الوسائط. تسلحت الموسوعة بأسلحة مايكروسوفت: قوة الشركة و كفاءاتها التقنية و الإدارية و الدعم المادي المطلوب. في العام 2009 أعلنت الشركة عن توقف الموسوعة مع تغير أساليب المستخدمين في البحث عن المعلومات.

في العام 2001 ظهرت موسوعة الكترونية أخرى بنموذج عمل مغاير تماماً، و هي (ويكيبيديا)، حيث يشارك المتطوعون لأسباب مختلفة في إضافة محتوى الموسوعة: للمرح، لحب الخير، لحب العلم .. لكل ما يمكن أن يخطر ببالك من أسباب. لماذا نجحت (ويكيبديا) المجانية؟ هذا ما يحاول (دانييل بينك) أن يجيب عليه في كتابه (الدافع: الحقيقة المفاجئة بخصوص ما يحفزنا).

يرى (بينك) أن هناك انفصالاً بين ما يقول العلم و ما يطبق في دنيا الأعمال، فالقائمون على الأعمال يركزون أكثر على المحفزات الخارجية – نظرية الجزرة و العصا- بدلاً من الاهتمام بالمحفزات النابعة من صميم الإنسان. يجادل (بينك) بما أثبتته دراسات عدة عن غياب العلاقة الجوهرية بين زيادة الحوافز المادية و تحسن الأداء، و يقترح ثلاثية للتحفيز تعتمد على نفس الدوافع الداخلية التي حفزت الناس للمشاركة في ويكيبديا: ما يهم الناس و ما يمتعهم و ما يؤمنون أنه جزء من غاية أهم. هذه الثلاثية هي:السيطرة و الإجادة و الغاية.

السيطرة: أن يكون للموظف قدرة نسبية على التحكم في وقته و عمله و موارده و التقنيات المستخدمة و الأشخاص الذين يعمل معهم. هذه مسألة نسبية حسب إمكانات المنظمة، لكن دعنا ننظر لمثال من خارج الصندوق: جوجل التي تتيح لموظفيها أن يقضوا 20% من وقت العمل في تطوير مشاريع خارجة عن المهام المكلفين بها. النتيجة؟ العديد من المشاريع الناجحة التي قدمت من هذا الوقت، و أشهرها على الإطلاق (جيميل).

 العامل الثاني هو الإجادة، و كلما أجاد الموظف عمله ازداد حماسه له. يتجاوز مفهوم الإجادة الشهادة الأكاديمية أو سنوات الخبرة، فإذا تعمقنا في هذا المفهوم قد نكتشف أننا أضعنا فرصاً ثمينة للتحفيز. مثلاً: كم دورة تطويرية حصل عليها الموظف ثم عاد و لم يجد بيئة مهيئة ليشارك معرفته أو يطبقها؟ ماذا لو كانت من مسؤولية المدير توفير وسائل معينة للمتدرب لينقل معرفته و يطبقها، و بهذا يكتمل تقييم تدريبه بدلاً من الحصول على الشهادة؟

ثالث العوامل هو الغاية، و هي باختصار أن يعتقد الموظف أن عمله جزء من غاية كبرى مهمة، أو أن وجوده في هذه المنظمة يخدم غاية كبرى تهمه. هل يخبر المدير موظفيه عن تأثير عملهم الجيد على نجاح الشركة أو المجتمع ككل؟ هل العلاقة واضحة لديهم؟ هنا تحدِ كبير للشركات لتطور بيئة أعمالها و ترفع مستوى اهتمامها بالمسؤولية الاجتماعية. إنها مهمة صعبة حتماً، لكنها مهمة للازدهار في هذا العصر.


=

مصدر الصورة

http://idgresearch.com/dan-pink-the-puzzle-of-motivation/