أطلقت اخيرا أبل ساعاتها المنتظرة بعد ترقب طويل لكن الملاحظ هو الإنتقادات التي وجهت لها بسبب السعر والذي يتراوح بين 349$-الى 10000$. قرأت ما كتبه بعض التقنيين و المهتمين بالتكنولوجيا – في ما يطرح باللغة العربية – لكن هناك أبعاد اخرى قد لا تكون في تصورهم، سأقوم بطرح وجهة نظر أخرى بناء على إستراتيجيات أبل مع ساعتها المستمدة من صناعة الازياء .

قبل العرض الرسمي للساعة في مؤتمر ابل قامت الشركة بالكثير من التغيير في استراتيجياتها و ضمت إليها اشخاص من عالم مختلف عن عالم التكنولوجيا و التقنية.. هذه المرة اتجهت لعالم الأزياء. قامت أبل بتعيين Angela Ahrendts و هي المديرة التنفيذية السابقة لماركة Burberry , وهي من قامت بإعادت بربري الى مكانتها في سوق الأزياء الفاخرة بعد ان كانت في أدنى مستوياتها في بداية الألفية. أبل ايضا قامت بتعيينات اخرى لافراد من عالم الأزياء و المنتجات الفاخرة (fashion and luxury) من الناحية الادارية. متاجر أبل دائما ما كان العاملين فيها من لهم خلفية تقنية و تكنولوجية، لكنها ستعمل على توظيف من لهم خلفية في إدارة و تسويق الازياء (Fashion management & marketing). من الناحية التسويقية قامت ابل بعرض الساعة على غلاف لمجلة الأزياء الأكثر شهرة (Vogue) بالنسخة الصينية منها. ثم تبعتها النسخة الانجليزية بمقابلة مع مصمم الساعة في شركة ابل Jonathan Ive. ايضا عملت على اقامة مآدبة عشاء لكبار المتحكمين بعالم الازياء لتستعرض الساعة معهم و تثير فوضولهم. و من الاستراتيجيات التي اتخذتها ابل ايضا لساعاتها انها ستباع في بعض المتاجر المشهورة بالمنتجات الفاخرة و اللايف ستايل مثل Selfridges, Galeries Lafayette و غيرها. اما من ناحية خيارات التصميم التي قدمتها في الساعة فهي كثيرة من ناحية الألوان والحجم و مادة حزام الساعة ، مقارنة بمنتجات ابل التي تاتي عادة محدودة الاشكال والالوان.

من الطبيعي ان ابل تستقطب شريحة معينة من المستهلكين لساعتها، لكن من هي الشريحة الاكبر؟

ابل تحتل المرتبة الأولى من مبيعات الاجهزة الالكترونية بين المستهلكين في الصين اجمالا .  تذكر وول ستريت جورنال WSJ ان بحث من اعداد Luxury Publishing group Hurun Research وهو مركز لابحاث السوق اعد بحث عن الخيارات المرغوبة للهدايا بين أغنياء الصين على شريحة من النساء و الرجال كانت ابل في أعلى القائمة متقدمة على لوي فتون، هرمز و شانيل لعام 2015، و يلاحظ البحث التغير في العادات الاستهلاكية التي تركز على اقتناء الحاجيات العملية مثل الساعات و الهواتف . تذكر صحيفة القارديان انه من المتوقع ان سوق المنتجات الفاخرة ستكون اكثر مبيعاته – قرابة النصف تقريبا – من الصين في العشر سنوات القادمة. لسنوات الكثير من الابحاث ترصد اهتمام المستهلكين في الصين بالمنتجات و الآزياء الفاخرة خصوصا مع الكثافة السكانيه و زيادة الطبقة الوسطى. هذا دليل على ان الصين ضرورة إستراتيجية لأبل. اذا قد يكون ان ابل تحاول ان تتمركز مابين سوق الاجهزة التكنولوجية (technological device ) و(fashion accessories) سوق مكملات الازياء . إن العلاقة مابين الأزياء و التكنولوجيا في إزدياد و هناك الكثير من الابحاث و التجارب حوله بسبب تطور التقنية،وهو سوق ناشئ له توقعات مستقبلية عالية قد يكون أن أبل تحاول صياغة نفسها الى Technology-based Luxury brand.

هل نموذج تفكيرصناعة الازياءجديد على ابل؟

طبعا لا. الكل يتذكران ستيف جوبز مجسدا لأبل كان له طريقته المميزة في اللبس راسما امضاءة خاصة لشخصيتة. اشتهر جوبز بسترته السوداء مع جينز ليفايز (Levi’s)و حذاء الرياضة (New Balance) ، سبق ذلك بسنوات محاولات ان يعطي هوية لآبل من خلال ازياء الموظفين والتي بائت بالفشل. ستيف جوبز حاول في الثمانينات ان يعمل زي موحد لأبل ، حيث انه اعجب بالفكره عند زيارته لسوني (Sony) ومعرفته ان الزي يعمل على زيادة ربط الموظفين بالشركة، علم منهم ان من صمم الزي هو المصمم الياباني ايسي مياكي Issey Miyake. تواصل جوبز معه و طلب منه ان يصمم لأبل. قوبلت التصاميم المطروحة بالرفض و الأستهجان من الموظفين عندما عرضها جوبز و ترك الفكرة. لكن الامر لم يتوقف عند ذلك ،عندما ترك جوبز العمل في أبل في الثمانينات حاولت الشركة تصميم ازياء من قبل مصمميها عام 1986 عرفت المجموعة ب ابل كولكشن (The Apple Collection)، و التي من الواضح فيها روح الثمينات ولكن ايضا توقفت عند كونها تجربة.

علاقة جوبز مع المصمم اليابني استمرت حتى بعد فشل التصاميم مكونة صداقة بينهم و في احدى المرات - وبعد عودته للعمل في أبل- و الرفض المستمر من الموظفين لفكرة زي محدد آثر جوبز بأن يكون له هو نمطه و اسلوبه الخاص .. أعجب باحد الكنزات السوداء للمصمم و طلب ان يعمل له قرابة المائة ..والتزم جوبز بهذا المظهر منذ عودتة الى العمل في أبل الى وفاته، غني عن القول شخصية مثل جوبز كان لها تآثير في خلق ثقافة ملبسية معينه بين المصممين.على صعيد آخر لاننسى ان اهتمام جوبز في منتجات أبل لم يقتصر على التقنية الداخلية، لكن وازنها بالاهتمام بالعنصرالخارجي و جمالياته. كان عنده احساس عالي بقواعد الفاشن التي طبقها على تصميم المنتجات (product design).اصبحت منتجات ابل من مجرد تكنولوجيا الى غاية مبتغاة (aspirational). بالمقابل أثرت منتجات أبل على عالم مكملات الازياء، حقائب الماك و الايباد اصبحت من المكملات المهمة مثل اكسسوارات المفاتيح و الجلديات الأخرى التي تنتجها الشركات الفاخرة و العادية. كانت محاولات جوبز المستلهمة من عالم الازياء سواء على الصعيد الشخصي أو منتجات أبل ناتجة من إحساس داخلي، ماتقوم به أبل الآن مختلف.. استراتيجية واضحة للتسابق في سوق التكنولوجيا الملبسية الناشئ. الاستراتيجيات المختلفة ترسم صورة معينة لأبل و مكانة سوقية معينه في أذاهان المستهلكين وهو ما يعرف بالتسويق بال (Positioning).

إجمالا كانت أسعار منتجات أبل مرتفعة منذ بداياتها، و للمتسائلين عن أرتفاع سعر الساعة إرتباطها بعالم مكملات الأزياء يحتم ذلك. أما المقللين من شان الساعة فليتذكر.. من كان يحتاج كاميرا في الجوال، من كان يظن ان الجوال المحمول بتطبيقاته اصبح هو عالمنا اليومي، التجربة الحسية التي تعطيها الساعة مختلفة تماما عن الجوال. بدل من سماع رنين الهاتف ستشعر بالساعة توكزك على جلدك تعلمك بوجود ما هو جديد من رسائل. بدل ان تبحث عن جوالك اين يرن هل هو في الحقيبة او في جيبك ستحتاج ثواني لمعرفة المتصل بمجرد القاء نظرة على رسغك. التطبيقات الصحية المصاحبة للساعة و التي تقرأ حالة بدنك بسهولة و غيرها من المميزات. قد تظهر عيوب او قد لا تنجح تجربة ساعة أبل كما هو متوقع لها في الأيام القادمة لكن لا ننسى أن هناك تجارب كثيره و أبحاث خلف الكواليس في التكنولوجيا الملبسية (wearable technology) التي في السنوات القادمة ستكون من واقعنا.