لم يكن من السهل علي محمود ان يترك القصر ولم يكن من السهل ان يتعايش مع العالم الخارجي بعد الرحيل لكن علي أية حال كان ذلك له اهون من عدم الإهتمام بعد سنوات خدمته، ولقد اتي اولا من العالم الخارجي، وسينتهي به الحال هناك.

 لم يكن لدي محمود متعلقات كثيرة ليأخذها معه ولهذا لم يكن هناك متسع من الوقت لأي شخص لأن يودعه وعند اقتراب رحيل الشمس عن السماء وقف قبالة ابواب القصر التي تخترق أسواره العالية واندهش لعدم إحساسه بالحزن علي الرحيل .. كان مزيجًا من الإنتقام والأنانية، هم بالرحيل وإذا به يري نفس الظل .. يعرفه جيدًا، لكنه أتي مسرعًا هذه المرة..

  • محمود، قالتها لأول مرة بدون نظراتها المستنكرة، هل انت راحل فعلا كما يقولون؟
  • نعم
  • اذًا؟!

رد محمود: إذًا لا شئ، خطتك بائت بالفشل وأحسست بأني شخص غير مهم، لا شئ يمكنه ان يغير ما حدث ..

  • وهل هذا سبب يستدعي الرحيل؟ انها خطتك أولا وأخيرا .. لمجرد انه لم يتم تمجيد ارائك لمرة واحدة ترحل انتقامًا لكرامتك .. هل تريد ان تكون علي صواب دائمًا؟ هل ستتخلي عن الدفاع عن القصر إنتقامًا لكبريائك؟

لم يشعر محمود بكرهه لها ولهذا المكان اكثر من تلك المرة، وبعدها رحل بدون ان ينطق بكلمة.

شعرت بالحزن علي رحيله وتوالت الليالي عليها وعلي القصر، كل ليلة تشبه التي قبلها، لاجديد لكن اليالي مرت عليها بصعوبة اكثر مما مرت علي الباقين وكأنهم لا يهتمون فعلا كما قال .. طردت تلك الفكرة من رأسها سريعًا تفاديا لأحاسيس الذنب وراحت تتأمل السماء ليلا في نفس تلك البقعة التي جلسوا فيها، لكن تلك السماء لم تكن كالسماء الأولي، وتلك النجوم تبدو خافته .. والقمر؟ .. أحقا ظنه انه كان يضئ له فقط؟!

لا وسائل اتصال بالخارج تطمئنها علي محمود، لكن سألت نفسها لماذا تريد الإطمئنان أصلا، ألم يرمي عليها الخطأ لرحيله؟ ام لأنها واجهته بحقيقته وأحست بالذنب بعدها؟

أيام تتوالي ولم تلحظ من قبل ان القصر ايامه متشابهه تصل حد الملل، انه حقًا كالجنة وسط هذا العالم ويقينا من شرور الخارج بأسواره العالية، لكن هل ألِفنا أيامنا وألِفنا السعادة فأصبحنا نراها مملة لهذه الدرجة؟

.

اتذكر كل هذه الحكايات وياليتها تعود تلك الأيام .. فالحال ما إن تألفه حتي يتبدل، ومن تلك الليلة بدأت الأمور تأخذ منحني آخر.

بعد مرور اكثر من شهر تقف الفتاة في تلك البقعة علي سطج القصر تراقب الأضواء الآتية من الأفق وتتسائل هل من سبيل للوصول إلي هناك والتخلص من ذلك القصر .. كلها افكار عبثية قاطعتها صافرات تحذير تعرفها جيدًا، بل و ألِفها سكان القصر أجمعين .. إنه هجوم من الخارج، يحسدوننا علي النعيم والعيش بالأعلي، افكارهم لا تتبدل لكن لا هو الهجوم  الأول ولن يكون الأخير، ادواتهم بدائية وخططنا محكمة، سننتصر عليهم مثل كل مرة وستمر الليلة بسلام، فنزلت مسرعة لتتفقد الأمور فوجدت ما لم يتوقعه أحد .. المرة ليست ككل مرة، لديهم أدوات ستمكنهم من تخطي الأسوار العالية وسيدخلون القصر مع شروق الشمس.

.

تأهب كل من في القصر للدفاع فاليوم ستدور المعركة، ولكنها ليست ككل مرة، فأهل الخارج جائوا بالأدوات وأعدادهم فاقت اعداد من بالقصر بمراحل يملئهم الحقد علي من يعيشون بالأعلي، تسلقت الأسوار اعداد مهولة ووقف كل من في القصر للدفاع عنه ونجحوا في ذلك ورجحت كفتهم أمام تلك الأعداد لكن ما في الأمر ان هذه كانت فقط البداية، توالت أعداد اكبر وأكبر، أناس يشبهون البشر لكنهم ليسوا بشرًا يريدون أن يفتكوا بمن أمامهم فقط ولا هدف ابعد من ذلك .. هم ضحايا الإنقطاع الأول.

دارت بينهم تلك المعركة لساعات طوال وأدرك من في القصر أنها النهاية فأعداد المهاجمين تزداد كلما مر الوقت وكأنهم يخططون لهذا منذ وقت طويل استنفذوا كل خططهم في الدفاع، انهدم جزء من السور وأتي من خلفه ضوضاء مهولة فأدركوا انها النهاية .. خطأهم الوحيد انهم ظنوا انها نهايتهم .. لكنها لم تكن سوي نصر اخر ينتظرهم، فمن يقوي علي الوقوف في وجه الآلة؟؟