هل مانفعله يرضي الله؟

سؤال كان يدور في رأس فتاةٍ، وقعت في براثن الكابوس الذي يدعى الحبّ.

        جميلٌ جداً بل مُذهبٍ بالعقول وكم هو عجيبٌ ذاك الشعور أن يشاطرك أحدهم كل همومك وتشاطره كل أفراحه ذاك الشعور الذي يجعلك تتفكك وتتخلى عن كثيرٍ وتضحي أيما تضحية في سبيله (الحب).

       البارحة ناقشتُ فتاةً كانت تتحدث عن الحبّ الصادق العذري الذي صِفاته الوفاء الممتلئ بالإيمان وتقول بأننا نريد الخير، ولكن تلك الفتاة ران على قلبها الحبّ وجعلها تطوي كل الكون حول نفسها.

          فما كان مني إلا أن رميتها بكلماتٍ لسنَّ بثقالٍ ولكنهنّ كما يقول الناس (جاءوها على الوتر الحساس) ومما اعتقدُ أننا كبشر خوفنا من أن يأتينا شعور الذنب يجعلنا ندافع عن أنفسنا بكل الوسائل، فراحت تأتي بالأيات والأحاديث اللاتي يتكلم عن قصف المحصنات وتتهمني وكأني هتكتُ عرضها -لاسمح الله- وأنا لم أقل من ذاك شيء والله شاهد علي.

وهذا الأمر هو الذي دفعني لأن أكتب عن (الحبّ).

-هل الحبّ حرام؟

       الحبُّ شعورٌ مثل أي شعور فهو عكس الكره والبغض ويقاربه العشق والوله، ويدنو منه قليلاً شعور الإعجاب، فهو شعور مثل أي شعور.

ولكن ما الذي يجلنا نهابه كل تلك الهيبة؟.

-سؤال: أيتهما تُخيفنا أكثر في مجتمعنا (العيب) أم (الحرام)؟

أنا أقول أننا نخاف من العيب أضعاف خوفنا من الحرام.

الله الذي حرم الحرام يغفر كل الذنوب،

أم البشر الذين أخرجوا العيوب فلا يغفرون البتة.

        فتلك الفتاة كانت تلمح إلى أن الحبّ الذي تعيشه ليس حراماً وأن الحرام هو ذاك الشيء الذي في مخيلاتنا، وأنا لست لا بعالم فقهٍ ولا مفتٍ لأقول حرام أو حلال.

ولكني أعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (البر حسن الخلق والأثم ماحاك بالصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس). رواه أحمد

        بالحقيقة لم أُرد حتى نُصحها وما كنت لأنصحتها فكنتُ متأكداً من أن ذاك السرطان المدعو (الحبّ) قد عشعش في قلبها ولن تسمع كلامي أبداً فما الفائدة إذاً من تلك النصيحة.

-كيف نصنع إذاً؟ وكيف هي الحياة بلا حب؟.

         الله لم يحرم الحبّ على الناس بل هم مفطورون عليه ومعجونون به من أصل الخليقة والحبّ واجب بين البشر، فماذا سيحصل لو لم تحب الأم رضيعها، والأب بنته الشابة، والأخ أخاه، التلميذ أستاذه، والرجل زوجه والمرأة زوجها والصاحب صاحبه، ألم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب الذي يُظلك يوم القيامة بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ألم يقل بأبي وأمي هو (ورجلان تحابا في الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه) متفق عليه.

ألم يقل عليه وعلى آله الصلاة والسلام (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) رواه أحمد.

- فكيف تكون الحياة بلا حب؟

سوداء مظلمةٌ حالكةٌ كذاك الليل البهيم لانور يُشع ولا حياة تبقى،

هذا حال الدنيا بلا حب فكيف بنا عنه؟

-لكل محبوبين.

        الحب شيءٌ جميل لا يأتي كثيراً ولا تدري متى يأتي ولكن توخى الحذ من أن يلدغك ثعبانه فتقعد ملوماً محسوراً، باكياً على مامضى.

        منذ خمس سنوات تقريباً كنت أعرف شاباً وقع في مثل الذي وقعت فيه تلك الفتاة، فكان يُحدثنا عن الحب الحلال وكيف أن الحرام في أدمغتنا وأنهم لايخرج منهم إلا ماهو صحيح، فكنا نهز رؤوسنا وندعو له ونعلم أنه لا يصدق نفسه وهو يتكلم فكيف نصدقه نحن!!، وذكر مرةً أنه لم يلمس يد عشيقته أبدا ولن يلمسها حتى تصبح حلاله، فعند تلك الكلمة سكت وتلعثم في كلامه وكأنه نطق كفراً بتلك الكلمة "حتى تصبح حلالي".

أمسيت يومها وأنا أفكر فيه هل يُدرك أنه يكذبُ على نفسه واليوم أمسيت عينَ مساء ذاك اليوم وأنا أفكر في تلك الفتاة التي تكذب على نفسها وتصدق كذبتها.

وربما ذاك ليس ذنبها.

-لعله ذنب الحب!!

       ليس ذنب تلك الفتاة ولا ذاك الشاب أنهما يحاولان أن يقنعا الناس بصدقهما وأنا أعلم أنهما صادقيّن وأن كل واحد منهما لايريد إلا ما يرضي الله ولكن الحب احتل قلبهما وأصبح الآمر الناهي في ذاك الجسد الذي بلا عقل، فالعقل ليس يدرك شيءً إذا جاء الحب.

يقول شيخنا علي الطنطاوي رحمه الله (إثنان لا يدركان بالعقل الإيمان والحب).