لم يعد من السهل تحمل حوادث الموت التي أصبحت تحاصرنا في كل مكان . ليس كفرا والعياذ بالله من الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذه الحياة ولكنه عصيان على من وضعوا تسعيرة رخيصة للإنسان الذي فضله الله على كل المخلوقات.

ولَم يعد مقبولا اقتران فواجع الفقد بتسعيرة وضعت تحت مسمى تعويض للمتوفيً واُخرى للمصاب.

فلم تكن حادثة مقتل ٣ مرضى بمستشفى ديرب نجم هي الاولى ولن تكون الاخيرة. فقد اعتدنا على كوارث العبارات والقطارات والمستشفيات والطرق حتى تحول خروجنا من المنزل لأي سبب يمثل مغامرة خطرة علينا دراسة عواقبها .

وأعتقد أن الأمر تخطى مرحلة الاهمال والاستهتار بأرواح الناس وانتقل لمرحلة اللامبالاة من وجود الناس من عدمه . وكأن الجميع يطمئنك أيها المواطن اذا رحلت في احدى حوادثنا الممنهجة فثمنك حفنة من الجنيهات ورحيلك لن يتوقف أمامه أحد ; فأنت سلعة يوجد بها فائض بالملايين.

وقاتلك لن يحاسب من فرط إيماننا بأنه لن يموت أحد وهو ناقص عمر وان المسألة قدرية ليس لها علاقة إطلاقا بإهمال أو ارتكاب أخطاء قاتلة. هذا الرخص الذي جعلك مواطن بلا تسعيرة عند البعض في التعليم والصحة والمواصلات والخدمات وجعل المسئول يفكر طويلا ليس في إرضاءك ولكن في كيفية تقديم المبررات التي تجعل من موتك في حادث أمرا طبيعيا و تجربة عالمية تحدث في كل الدول شرقا وغربا . وربما يحدثك عن فوائد الموت في حادث قطار ومزايا مغادرة الحياة وأنت خاضع لجلسة غسيل كلوي في مستشفى حكومي. ولا تتعجب أيضا إذا زارك يوما شعور بالذنب لأنك لازالت على قيد الحياة وجعلت هؤلاء يحملون همك في المأكل والمشرب والسكن والمرض.

ولعلك في سياق الجري في مارثونات زيادة الأسعار تجد لنفسك سعرا مرضيا ولكن حتى الآن تبدو التسعيرة غير مجزية رغم وجود قوانين للتعويضات جعلت المتوفي يحصل في مماته على مبلغ ٥٠ الف جنيه. والمصاب بعاهة نتيجة حادث الى نحو ١٢الف جنيه وربما ستة وربما أربعة وربما اللاشيء الذي لا يساوي مرضك.

ولا أعرف لماذا تذكرت وأنا اتابع الحادث المأساوي بمستشفى ديرب نجم الذي أودى بحياة ٣ مرضى وادخل ١١ آخرين للرعاية المركزة حالة الاندهاش التي انتابتني وأنا أحاور وزراء دولة سنغافورة ووجدتهم في حالة خوف حقيقية و ترقب دائم لمعرفة ردود فعل المواطنين حول الخدمات التي يقدمونها . بل ويجلسون في مناقشات لساعات طويلة مع المتخصصين لإستحداث خدمات وليس مجرد تحديث وتطوير لخدمات موجودة لتتماشى مع آخر ما وصل إليهم من تكنولوجيا كي يوفروا أقصى درجات الراحة لمواطنيهم. وكم أبهرتني فكرة أن المريض لن يذهب للطبيب أو المستشفى في المستقبل القريب الا في الحالات الطارئة والخطرة كي يوفر مكانا لمن يحتاج إلى هذه الخدمة. وختاما رحمة الله على كل من مات غدرا دون ان يشعر به أحد.

د.رضوى عبد اللطيف