لازالت هي أحب بقاع الأرض إلى قلبي , إستنشقت فيها عبير الانتصار  وشاهدت فوق رمالها آثار مبعثرة لحرب الكرامة ومرارة الفقد والأسر في يد العدو. إنها سيناء الحبيبة التي سطرت وحدها كل الملاحم الوطنية وتصدت منذ آلاف السنين لكل غازي وخائن دفاعا عن مصر المحروسة. منذ أكثر من عشرين عاما كانت متعتي الوحيدة هي أن أذهب لقضاء العطلة الصيفية على شاطيء العريش. ورغم طول الرحلة إلا أنني كنت أحرص على أن أظل مستيقظة كي أشاهد وأحفظ كل تفاصيل الطريق بعد العبور لسيناء وأردد على لساني أغنية يا صباح الخير يا سيناء . بين الحين والآخر كنت أشاهد بقايا معدات عسكرية ملقاة في الصحراء أو أحذية ومتعلقات خاصة بجنود فكانت تدور في مخيلتي سيناريوهات للمعارك التي وقعت في المكان فأنا من الأجيال التي لم تعاصر الحروب. وما أقساها من لحظات تلك التي كنت أسمع فيها عن اكتشاف مقبرة جماعية جديدة لجنود مصريين قتلهم الإحتلال بدم بارد.  كنت أزور رفح عندما كان نصفها لازال تحت الإحتلال الإسرائيلي وزرتها بعد أن استعادتها فلسطين . شاهدت الشيخ زويد وبئر العبد وشاطيء النخيل وعشقت مصر أكثر من روعة ما شاهدت من إبداع الخالق. فلا أنسى  النخيل الذي ينمو على شاطيء البحر المالح وينتج أطيب التمور ومزارع التين والزيتون والخير الوفير الذي يخرج من هذه الأرض المباركة الطيبة. ولم يكن أهل سيناء يختلفون كثيرا عن كل ذلك . فهم أهل كرم ومروءة وطيبة ورباطة جأش وخفة ظل وأكثر من يعرفون قيمة ومعنى كلمة وطن. لم أقابل صغيرا ولا كبيرا لا يحفظ تاريخ مصر وتاريخ الحرب . كثيرون عاصروا النكسة والانتصار، كثيرون عاشوا 6 سنوات تحت الإحتلال الصهيوني وقاوموا حتى حرروا الأرض . إلتقيت بالبطل محمود السواركه الذي كان قد أفرج عنه حديثا وهو أقدم أسير مصري قبع في السجون الإسرائيلية والذي أمضى 22 عاما في الأسر، وحكى لي قصصا مروعة عما لاقاه في الأسر من معاناة وتعذيب وكيف كان جسده حقل تجارب للأطباء الإسرائيليين، ورغم كل ذلك لم يفقد إيمانه بالحرية والعودة لأحضان وطنه.  في ذلك الوقت ورغم روعة ما شاهدت كان يتملكني غضب عارم من منطقتين في شمال سيناء وهما حطام مستعمرة ياميت التي كان يسكنها المستوطنين اليهود ودمرتها إسرائيل قبل الرحيل عن سيناء عام 1982 وصخرة ديان في الشيخ زويد التي شيدوها في موقع سقوط طائرة إسرائيلية تخليدا لقتلاهم وهي على شكل خريطة فلسطين فوق تله على البحر وحفر عليها أسماء القتلى بالعبرية. وعندما سألت لماذا تبقون على هذه الصخرة المستفزة؟ أخبروني أنها محصنة وفقا لاتفاقية السلام  التي وقعتها مصر مع إسرائيل . وعندما كنت  أسأل ماذا بشأن المستعمرة المدمرة ؟ لم يكن أحد يملك الأجابة  ولكنهم أعجبتهم فكرة أن تصبح مزارا للسياح المصريين لمعرفة آثار العدوان وانتصارات الحرب. وحتى يومنا هذا يبقى الحال  في المنطقة على ما هو عليه. الإسرائيليون ينظمون بكائية سنوية على مستعمرة ياميت التي لازالت بقاياها كما هي في صحراء سيناء . ونحن لم نفعل شيئا كي نغير هذا الكابوس. وأذكر أن من بين شكاوي أهل شمال سيناء وقتها  تردي بعض الخدمات بالإضافة إلى أن إرسال الإذاعة والقنوات المصرية لم يكن يصل إليهم على عكس القنوات العبرية قبل إنتشار الفضائيات. وكان  كثيرون يتعجبون من موقف الدولة المصرية  التي لم تفعل شيئا لإعمار وتنمية سيناء . وسذاجة الفكر بأن بقاءها  كصحراء يعني أنها ستظل المانع الطبيعي في وجه الغزاة وتناسوا أن الجنود المصريين الذين لم تقتلهم طائرات ودبابات العدو  استشهدوا في الصحراء من الجوع والعطش . واليوم ونحن نواجه حربا إرهابية لشرذمة من المرتزقة المأجورين على أرض الفيروز لسنا في حاجة لمعرفة العدو الذي لم تبارح سيناء أحلامه الإستعمارية القديمة ولكننا نحتاج لوقفة أكبر مع النفس. لماذا لم نعمرها كي تلفظ كل إرهابي غريب جاء ليستوطن أرضها المهجورة ؟ ولماذا نترك 90% من مساحة مصر صحراء جرداء ونشكوا ازدحام المدن وضيق التنفس من الهواء الملوث؟ لماذا لا تملك حكوماتنا المتعاقبة رؤية مستقبلية وتعيد توزيع السكان دوريا بين المحافظات المكتظة والخالية من السكان؟ لم تعد هذه مطالب تحتمها الضرورة ولكن هي جزء أساسي من أمننا القومي. وإن كانت مأساة الروضة قد سطرت بداية مرحلة جديدة من المواجهات مع ذاك الإرهاب الأسود الموجه لمصر من الخارج فعلينا أن نتحلى بالصراحة والمواجهة المباشرة مع كل من سولت له نفسه التخطيط والتمويل لقتل وتهديد أهلنا وأبنائنا. فلنسمي المجرم وأعوانه ولو إقتضى الأمر أن يتطوع الجميع لإعمار كل شبر من أرض مصر فلنفعل. فلسنا أعز ممن رحلوا دفاعا عن أرضنا ومستقبلنا وجاء دورنا الآن لنفعل مثلهم من أجل أبنائنا وأحفادنا . وسلاما على أرواح كل شهداء الوطن.