قوة أصحاب القلم  تأتي من بحثهم عن الحقيقة لا عن المنفعة , تأتي من أيمان راسخ بأنهم يؤدون رسالة سامية لوطنهم ومجتمعهم لا يقتاتون من أزماته وصراعاته. أصحاب القلم لا يباعون ولا يشترون يخشاهم الطغاة والفاسدين مثل اللصوص الذين يهربون دوما من ملاحقة الشرطة. وإن كنا نريد إصلاحا حقيقيا للإعلام والصحافة في مصر فعلينا أولا أن نعترف بوجود كارثة حقيقية تحتاج لوقفة حتى يتسنى لنا إيجاد الحلول.  قبل 3 سنوات قدمت جزءا في البحث الذي أجريته لنيل درجة الدكتوراه خاص بدراسة أوضاع الصحفيين . ووجدت  أن معظم الصحفيين لا يشاركون في رسم السياسة التحريرية للصحف التي يعملون بها و أن أغلبهم يرون أن الصحيفة لا تحقق طموحهم المهني نتيجة غياب المعايير المهنية وأن النسبة الأكبر من الصحفيين  لم يدرسوا الصحافة وليسوا من خريجي أقسام الإعلام.بينما كانت النتيجة صفر في الحصول على دورة متخصصة في الصحافة لعدم وجود مثل هذه الدورات في المؤسسات الصحفية أو نقابة الصحفيين وأعني هنا الدورات الإلزامية للتأهيل المهني وتطوير الأداء. ووجدت أن النسبة العظمى  من الصحفيين لا يتابعون ما ينشر في الإصدارات العربية والأجنبية في مجال تخصصهم. أي أنهم ببساطة منقطعين عن العالم.

 نذهب لإشكالية أخرى وهي " الصحفي الموظف" ..الذي يخضع  لمعيار وحيد في تقييم أداؤه وهو الحضور والإنصراف..أما الإنتاج الصحفي فيكفي أن ( يرمي)  خبرا لا قيمة له كي لا يخصم من مرتبه . وإذا أكرم الله صحيفة بوجود صحفيين ستجد أنهم أكثر الفئات المضطهدة لأنهم قلة مندسة لا تعنيهم مسألة الحضور والإنصراف والبدل الصحفي  كي يقدموا  مواد صحفية تمتع القاريء وتحقق لهم طموحهم الصحفي الذي كان سببا في إختيارهم لهذه المهنة من الأساس. ومع غياب معايير موضوعية للتقييم وتدخلات الديسك الذي أصبحت مهمته أن يحول من الفسيخ شربات لكلام لا يرقى للنشر في صحيفة حائط يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. هذه المشاكل نتناقلها في صحفنا جيل بعد جيل حتى تحولت  لأمراض مزمنة. وكيف نوقف طوفان الموظفين  الدخلاء على المهنة الذين يأتون نتيجة العلاقات والمحسوبية لا الموهبة؟. واخشى لو غاب عنا الديسك ليوم واحد أننا لن نجد (صحفيا ) يجيد كتابة خبر. ناهيك عن فقدان المصداقية نتيجة النقل الأعمى واستسهال فبركة الموضوعات والنسخ واللصق من مصادر مجهولة أو حتى معلومة ..وحتى التحقيقات  تحول صحفيوها لموظفين سنترال .. وقضيتنا هنا ليست مهنية فقط بل هي قضية أمن قومي ..فإذا كان لدينا موظفا لا يجيد الصحافة وليس مؤهلا لأي نوع من أنواع الحروب الإعلامية  والدعائية الموجهة للنيل من وطنه فكيف سيكون قلمه سلاحا للحرب؟ وإذا كان الصحفي  يعاني من عدم حصوله على معلومات دقيقة من المسئولين فكيف له أن يكتب الحقيقة للقاريء وهي مهمته الأساسية؟  واذا كان الصحفي يعاني من ضعف في المرتبات؟ هل سيبحث عن الحقيقة أم عن لقمة العيش؟ وإذا كان من درس صحافة  يعمل اليوم بما تعلمه قبل 40 عاما دون أن يطور من أدائه ودون أن يعرف الأدوات الجديدة التي يجب أن يمتلكها كي يواكب عجلة الزمن التي لا ترحم أحدا ..فهل هذه صحافة ؟ وهل يستمتع القاريء أو الصحفي بما يقدم من مواد بلا طعم ولا لون ؟

د. رضوى عبد اللطيف