"إن الإختلاف نعمة ، والخلاف نغمة"

الإختلاف بين الناس سنة الكون ، وطريق سلمي يتيح لأصحابه فرصة إكتشاف الحقيقة ،إذ يسعى كل شخص إثبات الحقيقة ، بنظريات علمية ، ومن هنا تأتي مختلف الآراء في قضية واحدة ، حيث تأتي كل فكرة بنظرية علمية تثبت بها وراء الحقيقة ، فمثلا لو إختلف اثنان من الناس في معنى الحياة، وقال أحدهم إن الحياة عبارة عن معاناة في العمر ، وتعب في الدنيا ، لأن الإنسان دائما يسعى وراء الرفاهية والسعادة ، والوصول إلى هذه المطالب لا تأتي إلا من وراء العمل والتعب ، والعمل يأتي بالمال والثراء ، والمال يأتي بالرفاهية والاستمتاع   ، وعندما يحصل المرء هذه الأموال الضائلة، يكون قد ذهب عمره، وهكذا يرحل إلى دار الآخرة وهو لم يحصل ما حلم به . بينما يرى صديقه أن الحياة فيها تعب وشدة ، وفيها راحة ورخاء ، وهذه العبارات تحصل على المرء حسب ظروفه ، لأن الفقير مرتاح البال عندما يحصل لقمة عيشه ، والغني سعيد عندما يزيد أرباح عمله ، وهكذا الهارب من العدالة يفرح عندما يجد الحرية ، والمهاجر من الحروب يطمئن باله ويسعد عندما يجد السلام والأمان، ولذلك معنى السعادة والرفاهية ما هو إلا عبارات متلونة على حسب الظروف والاماكن وأيضا الزمان ، وليست شيئا واحد الذات والمعنى ، فما يسعدك انت ، يغضب غيرك ، والعكس هكذا، لذلك الشعور بالأمان يعتبر جنة الحياة في وقت الحروب ، والحصول على لقمة العيش يعد من أفضل النعم في وقت الفقر والبؤس، وقس على ذلك ، تدرك أن هذه العبارات تأتي مع ظروفها .

لذالك الإختلاف ما هو إلا أن تعطي الطرف الآخر فرصة شرحه لما يعتقد ، دون الشجار .     وأيضا الإختلاف مبني على الفرص المتاحة لكلا الطرفين في القضية ، فكل طرف لا يسلم رأيه بتا، بل يرى أن رأي صاحبه أيضا على سبيل الإمكانية في الحقيقة نفسها، وعندها نجد أن الطرفين يستنتجان من هذا الإختلاف لون الحقيقة في مرور الوقت ، لأن الإختلاف مبني على فهم ما يدور بنظرية منصفة ومحررة من قيود التعصب والتعسف أيضا. 

وفي موضوعنا ، _إختلاف المسلمين في قضايا الإسلامية هي نعمة من الله ، لأن فهم الناس في الأشياء أولا يتبناه الوقت ، فالفهم في الأشياء يحتاج إلى وقت ، مثلا ربما تعتقد أن الأسد لا ينهزم أمام أي حيوان مفترس، ولكن مع مرور  الوقت تدرك أنه ينهزم أمام التنين " والتنين حيوان انقرظ مند زمن ولكنه أقوى من الأسد واشرس منه في الهجوم ، ولكي تعتنق أن فكرة الأسد ينهزم أمام أي حيوان ، تأخذ وقتا فقظ ، لأنك بنيت رأيك على الواقع الذي عشته ولم ترى في حياتك قظ " التنين " والأمر ليسا معيبا في ذاته ، ولكن فهم الأشياء هي مسألة وقت لا غير ، .

ولهذا السبب الإختلاف الذي وقع بين العلماء في فهم قضايا الإسلام، كان ناتجا عن فهمهم في النصوص الشرعية ، ولا تعتقد فكرة التقليد ، لأنها فكرة باطلة ، حتى لا تصدق فكرة الاتباع ، لأنك تسلم وقتها أنك غير عاقل ، فهذا الدين وما اتى به من قضايا مختلفة جاهز على طاولة التأمل والتفكر دون إتباع شخص في فهمه لهذا الدين ، بل حاول انت أن تتأمل ما يقول لك القرآن ، وأيضا ما يملي لك العقل ، وعندها ناقش أفكارك مع الآخرين، فإما أن تقتنع بفكرة الآخرين مع مرور الوقت ، أو يثبت الوقت أنك محق في أفكارك،                                              والاختلاف الذي وقع بين العلماء في قضايا الإسلام، كان ناتجا عن فهم النصوص الشرعية ، وقد قلت لك أن فهم الأشياء على حقيقتها تستغرق وقتا من الزمن ، لذالك ترى اختلافهم في العقيدة ، والفقه ، والحديث ، والتفسير ، وسائر علوم الشريعة الإسلامية، يتفاوت في الرأي ، فمنهم من ابتعد تفكيره إلى عالم الخيال ، كأصحاب وحدة الوجود ، ومنهم من اقترب تفكيرهم إلى عالم الحسرة والحسد ، كاصحاب التكفير ، ولكن الجوهر الذي ننتظره نحن والجيل القابل ، أن نضع هذه الأفكار المختلفة على طاولة النقاش، ونستنتج  الحق منها ، فربما نجد بعض الفرق المنبوذة في هذا العصر تقف على عماد الحق ، كا الجهمية في قضية خلق القرآن، أوالمعتزلة في قضية صفات الله ، ولا ضير أن نرحب تلك الأفكار، لأنها جائت عن طريق تأمل هؤلاء الفرق ، في قضايا الإسلام، ولا يجوز لنا أن نستقبح كل رأي ونحن نعتمد على الأفكار التى حبستنا عن عالم إكتشاف الحقائق، ونقول إن هذه الفكرة تناقض قول علماء السنة ، لأننا إذا عشنا هكذا بتمسك اقوال من سبقنا ، فنحن نعيش كمثل البهائم، لا نبحث أي شيء فقط نعتمد على أفكار غيرنا ، وثق بي يا قارئي الكريم ، لا يوجد أسماء أفضل من أسماء أخرى، أو علماء خير من علماء ، فلا حقيقة للسلفية ولا الجهمية ولا الشيعة ولا السنة ، ولا غير ذالك  من الأسماء، والرموز ، لأن هذه الأسماء تحمل أفكار أصحابها، وأصحابها هم الذين تأملو في النصوص الشرعية واستنتجو منها أصولهم في الإعتقاد والتدين، فلا الشيخ السلفي احسن من الشيخ الجهمي، دون أن نناقش أفكارهم على مائدة العشاء ، أو على طاولة النقاش ، بعقل حر عن جميع قيودات الفهم والتفكر، وأيضا التمعن في الأشياء، ولذلك اقول إن إختلاف المسلمين رحمة وعلاج لمن يأتي بعدهم من المسلمين ،فإنهم يناقشون هذه المسائل المختلفة فيها على طاولة الحوار ، ويقتنعون ما صح لهم دون أن ينظروا إلى الوراء ، ولو نحن أيضا فعلنا هكذا لربما أدركنا بعض الأوهام التى اعتنقناها على حسب أقوال أصحابها، ولكن للأسف لم نفعل ذالك ، وأرجو من الله أن يلهمنا على الخير والتقوى 

والسلام عليكم ورحمة الله 

بقلم : إسماعيل عبد الرزاق فارح