لماذا لا تفوز الفضيلة؟

حتى ولو كسبت الجولة، ستخسر المعركة.. كل شيء يتمدد باتجاه الانحطاط و الحيوانية، في الحقيقة ليس الأمر متعلقاً بالفضيلة و إنما الهزيمة محققة  لكل قيد : الدين/القوانين/الأعراف/الفضائل.. إلخ، كل شيء يمنع الإنسان من فعل ما يريد هو في طريقه للتلاشي ، ساعة بعد ساعة، يوما بعد يوم، عاما بعد عام.. يبدأ الأمر بطرح شاذ غريب، ثم يتحول لنقاش مع بعض الشاذين، ثم يتحول لنقاش يجب احترامه، ثم يتمدد في الجيل التالي كأغلبية و يصبح تصرفاً غير مستنكر..

من يتأمل - مثلا - الشذوذ الجنسي، كان على مر الزمان خطيئة و انحطاطا متفقاً عليه.. ثم دخل الطور الثاني و أصبح نقاشا شاذا، ثم تدخل بعض الأطباء و النفسانيين و تحدثوا عن بعض الأشياء التي تبرره (علميا)، و هو أمر يرحب به المستفيد طبعاً مع أنه لن يركز كثيرا وهو يركب صديقه بتلك الأشياء العلمية.. وأخيراً يصل الأمر لمؤسسات لمجتمع المدني الممحونة للسطيرة، فتبدأ بإجراء الإحصاءات و الرصد.. و تعلن تبني قضايا المنكوحين في الأرض مقابل أصواتهم، ستنتج لهم الأفلام الدرامية باهضة الثمن، و تقيم الجمعيات، و تنظم المسيرات - وكل ذلك حدث فعلا - حتى يصبح الشذوذ طبيعيا و استنكاره شذوذ..

قال بعضهم، إن لباس العاهرة في أوربا قبل مائة عام هو لباس المرأة الرزينة اليوم.. أراهن أنكم تتذكرون تلك التحولات التي مررنا و نمر بها، و ربما تتساءلون عما إذا كنا سنسير على ذات السنة البشرية أم لا.. و أراهن أنكم تعرفون الجواب أيضاً.. يبدو هذا الأمر محسوماً يشبه الرياضيات أكثر منه شبها بمسائل علم الاجتماع التي تقبل أشكالا من الاجتهاد و التحليل..

في هذا الزمن الأخير، يظهر الأمر كما لم يظهر سابقاً.. فمواقع التواصل تساعد في ملاحظة ذلك، لأنها تسرع العملية، فخلال سنوات قليلة يبدأ الأمر المستنكر، و تدور حوله ملايين النقاشات، ثم نفسح له مكانا في الواقع حتى ولو لم نطبقه أو نقتنع به، سنعتبره من حق صاحبه على الأرجح.. هذا الأمر محير بالنسبة لي، مع أني مؤمن بالأثر الذي يقول "إنه لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه" و لكني ما كنت أعتقد بأن الإنسان سيبلغ مرحلة يطرح فيها الشذوذ و غيره كمسائل علمية محكمة في حين يستنكر السحر و الشعوذة و الكهانة، مع أن تلك الأشياء لم تتجرأ يوماً على القول بأن هناك أشياء علمية في فعل فاحشة اللواط..

تحرر الإنسان من كل شيء لا يعود عليه باللذة هو ما نفعله، ربما نتوهم الحقوق أحياناً أو التمدن و التحضر، و لكن الحقيقة التي نعرفها أن الحقوق و التمدن و بقية الأشياء مجرد شعارات نقولها لتخفف وخز الضمير، و الحقيقة هي أننا نشتهي فعل الشيء و نرغب به و لكن مجرد الشهوة و الرغبة لا تساعدنا في نقاشاتنا و تبريراتنا، لا بد من وضع بعض الأسباب الموضوعية في الحديث غير الموضوعي ليكون شكله لائقا و محترما..

و على كل حال، سيأتي يوم تغلب فيه التحررية و تنحسر القيود و يهرب الإنسان القابض على الجمر لعزلته حتى يموت عاضا على أصل شجرة جافة.. وهذا ليس في الدين فقط، فالهاربون أطياف متنوعة، فيهم رجل الدين، و المفكر، و المثقف، و الأمي الجاهل، و كل من يرفض أن يكون حيواناً ينكح أخاه بشكل علمي!