مثل فتاة جميلة جداً و لكنها مجنونة، ثائرة الشعر.. ممزقة الثياب.. تركض حافية في شوارع المدينة صارخة بكل ما أوتيت من قوة.. تلك هي فكرة تعبر رأسي في طريقها لتتحول إلى نص بلا غاية، فكل ما أكتبه - على مايبدو - هو بكاء مؤجل، و دموع أدفعها بأثر رجعي بعدما أصبحت في سن يعيب الرجل أن يبكي فيه، لذلك قررت أن أكتب.. الكتابة بديلاً عن النحيب، تبدو هذه عبارة رنانة و أنيقة، ولكن إذا كان الشخص صادقاً فيها ويعنيها حرفياً  فهي مرعبة إلى حد بعيد..

مهما يكن، لا يمكنني أن أنكر جمالية الحزن عندما يصادف قلباً يحترمه و يجيد التعبير عنه، كما لا يمكنني أن أغض الطرف عن حجم السخرية في الأمر، أن يستمتع الناس بأحزان الكاتب، يجتمعون عليه و يلعقون دموعه المالحة عن خديه، ثم يمطرونه بالشكر و الثناء على موهبته، كلما تألم أكثر كان ذلك سبيلاً أفضل لترفيههم و إمتاعهم و امتنانهم له .. وهذه حالة فاخرة من حالات ( مصائب قوم عند قوم فوائد) لا تجد أحداً يشرحها أو يتكلم عنها ..

إنني أحب الكاتب الذي يكتب عندما يضيق صدره بالحياة، الذي يعالج روحه باللغة حيث لا دواء سواها، يتناول قلمه بعفوية و يقول به ما لا يستطيع أن يقوله بلسانه.. يرسم - على عجالة - صورة لما يسكن أضلاعه بلا تكلف ولا رسالة ولا هدف، بعض من الملامح.. المدن.. الأشجار.. و ربما بعض الطيور المذبوحة، و النفايات المتراكمة هنا وهناك .. تاركاً مشاعر القارئ و ذوقياته الطفولية جانباً، الوقت لا يسمح و الظرف لا يسمح بمجاملة أحد.. هو يكتب و صافرات الإنذار تضج في رأسه، إنها حالة طارئة.. يجب أن يذهب القلب إلى قسم العناية الفائقة، ثم يمكننا التفاهم لاحقاً على بقية الأشياء..

أنا مقتنع أن الكاتب الحزين معذور، و تبا لكل من يعترض على ذلك.. ليس على الحزين حرج، فلديه من الوجع ما يشغله عن اعتبارات الذوق العام و الخاص، و منهجيات الكتابة.. و كل شيء آخر يضعه ناقد بارد لم يذق يوماً بؤس الكتابة.. و أجد أن أقرب المذاهب للصواب هو مذهب نجيب سرور في أمّياته.. عندنا رفع الأصبع الوسطى من اللغة و نصبها في وجه العالم و مضى مرتاح الضمير.. طوبى له..