فى الماضى ، كان بإمكانك البحث بين عشرات ملايين الكتب ، كان بإمكانك قراءة كل كتاب تريده ورؤية محتوياته ومشاركتها والاقتباس منه ، كانت مكتبة الاسكندرية حينها مليئة بمجلدات العلوم ، قبل الميلاد بربع قرن تقريباً ، ولمّا احترقت قيل إن " احتراق مكتبة الاسكندرية فاجعة عالمية " .

- فكّر جوجل كما فكّر الكثيرون من قبله ، كيف يمكنه خلق مكتبة عالمية يحمى فيها الكتب من الحرق والضياع ، لذلك بدأ فى " مشروع المحيط" كان كل هدفه مسح كل كتاب فى العالم ضوئياً ، فى أوائل 2002 م ، جلس لاري بيج ( مؤسس جوجل) مع ماريسا ماير ( أو مهندسة فى جوجل ) فى مكتب مع كتاب من 300 صفحة ليحسبا كم من الوقت يستغرق مسح الكتاب ضوئياً كاملاً من الغلاف للغلاف.

فى نفس العام اتجه لارى بيج لجامعته ( الرائدة عالمياً فى المسح الضوئي ) ، كان يريد أن يعرف ما المدة التى تمكنهم من مسح مكتبتهم كاملة ، التى كانت تقدر بحوالى 7 مليون كتاب ! ، أجابوه إن باستطاعتهم يمسحوا تلك الكتب فى ألف عام تقريباً ، رد عليهم إنه بإمكانه مسحهم ضوئياً فى ست سنوات فقط بواسطة جوجل ، عرض عليهم إعارته الكتب ومقابل ذلك سيعطيهم نسخ ضوئية منهم ، ووافقوا.

- كانت تحمّل عربيات النقل بالكتب وتقف أمام مراكز مسح جوجل ، إن نظرنا داخل تلك المراكز لوجدنا أن باستطاعتها مسح ألف صفحة ضوئياً كل ساعة ، كانت مهنة العاملين هناك هى تقليب الصفحة وتشغيل الكاميرات للمسح الضوئي ، كان مع جوجل حينها 50 من مهندسي البرمجيات ، حيث طوّروا نظام الصور إلى كتابة نصيّة ، وطوّروا خوارزميات للتعرف على الصور والرسوم البيانية فى الكتب ، وأدوات غيرها لاستخراج رقم الصفحات وتحويل الهوامش لاقتباسات ، وكان أول مشروع يوصفه جوجل إنه " رمية بعيدة " ، وكان قبل مشروع السيارة ذاتية القيادة .

بعد عقد من الزمان ، استطاع جوجل مسح 25 مليون كتاب ضوئياً ، وكلّفه 400 مليون دولار ، فى أغسطس عام 2010 نشر جوجل إنه باستطاعته مسح 129.864.880 كتاب ضوئياً ، بطبيعة الحال تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، سمع المؤلفون والناشرون بهذا الخبر ولم يهدأ لهم بال فرفعوا دعوى قضائية ضد شركة جوجل وقالوا أن هذا " انتهاك صارخ لحقوق الطبع والنشر " ، بعد بضع سنوات أدركوا أن هناك حل وسط يرضى الطرفين ، من الممكن ألا يكون جوجل قد سرق مجهودهم من الأساس ، لقد كان يمنجه حياة جديدة ليس إلا !.

- من الممكن أن يكون google books  مثل جهاز الفيديو بالنسبة للأفلام التى خرجت من دور العرض ، لذا فهو محتفظ بالكتب التى توقفت طباعتها ، وإن صحَّ الأمر فلماذا نمنع جوجل من ذلك ؟ فى الواقع كنّا لنشجعه لفعل ذلك بل وبيعهم كنسخ رقمية أيضاً وليس مجرد عرض مقتطفات ، عرض المقتطفات فى الواقع فائدة عندما نحتاج مستقبلاً تحديد من أى كتاب اُقتبس جزء ما منه.

- إذاً ما الفائدة ، ما الفائدة من توفير مقتطفات من كتب قديمة موضوعة على الأرفف محاطة بالأتربة ، إن فاز جوجل بتلك القضية لن يستفيد المؤلفون والناشرون أدنى استفادة ولن يستفيد القرّاء أيضاً سوى مقتطفات من الكتب ، كان وقتها العديد من الكتب المتوقف نشرها لعدم وضوح من يمتلكها أكثر ، الجدير بالذكر أن نصف الكتب لمنشورة من عام 1923م إلى 1963م هى ملك للعامة ، لكن الفكرة تدور حول أى نصف ملك للعامة ؟!.

- انتهت القضية باتفاقية "تسوية بحث كتب جوجل المعدلة" ، التى جاءت فى أكثر من 165 صفحة ، فى النهاية تورّط جوجل بدفع 125 مليون دولار ، جزء لأصحاب حقوق الكتب وجزء للناشرين وجزء لإنشاء سجل.

- وفى النهاية أريدك أن تتذكر أن هناك فى مكان ما من قواعد بيانات جوجل 25 مليون كتاب ، مكتبة مركزية للعالم غير مسموح لأحد قراءتها ، حجم الكتاب يترواح من 50 : 60 بيتا بايت ( 50 مليون :60مليون جيجا بايت ) ، والذين يستطيعون رؤية هذا المشروع هم المهندسون الستة المشرفين عليه ، أكثر من 25 مليون كتاب موضوعين فى قرص ممغنط باستطاعتنا وضعه على سطح المكتب.
=

أحمد السيد سعد ، تحريراً فى 27 مايو 2018 م 

المصدر : https://www.theatlantic.com/technology/archive/2017/04/the-tragedy-of-google-books/523320/