المؤسس الأول للكيمياء أو شيخ الكيمائيين أو أول من استخدم الكيمياء عملياً فى التاريخ 

جابر بن حيّان وعرف أيضاً "Geber او Yeber"

..

( المولد والنشأة )

- ولد فى عام 101 هجرياً 721 ميلادياً في مدينة طوس بإيران ، فى السنة التى توفى بها ثانى الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه - .

- لاحظ حيّان والد جابر فيه الذكاء والفضول ، فأخذ يلقّنه بعض من أسرار المعادن مما يعرفه ، وفى مرة راح جابر يسأل والده لماذا الرصاص رصاص ؟ ولماذا الفضة فضة ؟ والحجر حجر ؟ والذهب ؟ ، وزادت دهشة الأب لما سأله لماذا الذهب أغلى المعادن ؟

احتضنه أبوه بحنان وقاله " الذهب فى عقلك يا ولدى ، وإنى لأرجو لك شأناً بين العلماء "

..

(المعلم الأول)

بعدما شبّ انتقل للكوفة من طوْس، جاء له زائر ، صديق أبيه القديم وهو الإمام جعفر الصادق.

سأله الإمام : ما غايتك من العلوم ؟

أجاب : الكيمياء وكانت تسمى حينها " علم الصّنعة "

فضحك الإمام وأشار إلى جابر بمطالعة كتاب " القراطيس " ( لأول كيميائي فى الإسلام وهو خالد بن يزيد )

وراح يحدث الإمام جابر عن الكيمياء عند اليونان والمصريين والفرس والهنود.

..

في وقت لاحق بعدما اخد الكتاب من الإمام انصرف لمطالعته والبحث عن الكيمياء لدى الحرفيين من زجّاجين ونجّارين ونحّاسين.

وقرب ماله على الانتهاء وحتى لا يكون فى حاجة لأحد ، افتتح لنفسه حانوتاً للعطارة - مثل أبيه - يعمل فيه ليل ونهار ويفرغ لكتبه وأوراقه إلى منتصف الليل.

..

( المعمل الأول )

عزم على إنشاء معمله الخاص فبنى قاعة واسعة وقسم وقت يومه .. النهار فى العطارة والليل بين المعمل وأهل بيته.

كان بقول مساعديه فى معمله دائماً " أوصيكم بالتجريب ، من لم يجرب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان فعليكم بالتجربة طريقاً صحيحاً للمعرفة "

وكان يردد " ما افتخر العلماء بكثرة العقاقير ولكن بجودة التدبير "

كان جابر بن حيان يشتغل فى معمله لوجه الله وللعلم فقط ، ومع ذلك أكسبه المعمل مالاً فصار بحاجة إلى كل وقته بالنهار وإلى معاونين ( صبي ، حداد ، فرّان طحّان ) ، أما الحانوت فقد تخلى عنه لشاب فقير.

وكان قد تزوج وأنجب ثلاثة أولاد : ( عبدالله وموسي وإسماعيل ) ، وكان موسي يكبرهم لذا سمّي بأبي موسي. 

..

( نقطة التحوّل )

ملّ جابر من التثبت من معارف الأولين والسير فى نفس النهج وصار عليه المغامرة

وفى ليلة مرِضَ ابنه اسماعيل بالحمى ونجح فى إخفاضها إلى أن يأتيه الطبيب فى الصباح

وترك زوجته ساهرة بجانب ابنها وعاد إلى المعمل ليجرى تجربة كانت نقطة تحوّل بالنسبة له

فعندما دخل المعمل وضع خاتم من ذهب في وعاء واختبره بحمض النيتريك والهيدروكلوريك ..  إذا به يكتشف ماء يذيب الذهب ، ويري الذهب يتحول إلى سائل !

هتف والسعادة تغمره "إنه ماء الذهب ، أذابه الماء ، الماء .. الملكى "

فى تلك الليلة سجل جابر أول اكتشافين له ، الماء الملكى ، وماء الذهب الذى مازال يستخدم حتى وقتنا هذا

..

( جابر يسبق علم عصره ! )

وفى حوار دار بين جابر وشيخه مرة أخرى سأله الشيخ عما اهتدى إليه من العناصر

أجاب جابر : العناصر إما أجساد ( معادن ) أو أرواح (مثل الزئبق والزرنيخ والكبريت .. ) وما بين ذلك

لقد كان جابر يتحدث مبكراً قبل ألف عام من عصر النهضة الأوروبية عن الفلزات واللافلزات !

..

( وصية الأستاذ )

بعد فترة ليست بالكثيرة جاءت لجابر رسالة من معلّمه كان قد كتبها قبل أن يسلّم الروح ويذهب إلى ربه ، أخذ فى قراءتها وعيناه مليئتان بالدموع :

"واختبر من يتعلم على يديك يا جابر مثلما تفعل مع المواد والعناصر ، فالناس معادن ولا أحد من الزرّاع يغرس نبتة في صخرة ولا حيث ينعدم الماء "

" واعلم يا جابر أن العلم ليس ثمرة رجل واحد ، فلا تبقَ فى الكوفة فتأسن مثل ماء يفسده طول الركود ، العلم يا جابر مثل حبوب اللقاح تحملها الرياح فى كل فج فترحل فى طلب العلم ومخالطة العلماء ، وابتعد عن السلطان ما وسعك الجهد ، واحذر أن يسخّر أحد علمك فى الشر ، ولا تُفصح حتى لا يُفهم عنك إلا عالِم ، ولا يعرف سر الصنعة إلا خاصة العلماء "

" واعلم يا جابر أنك ستجد من يسئ العمل بالعلم مثلما تجد من يسئ العمل بالدين ، فدعك منه فهو مسئول عن عمله أمام الناس فى الدنيا وأمام الله فى الدنيا والآخرة "

طوى جابر رسالة شيخه وذهب لمعمله وأخذ يردد " العمر قصير ، العمر قصير "

..

( اكتشاف جديد ! )

فى ليلة أخذ جابر يفكر فى مزج العناصر ببعضها ومد يده إلى زجاجة بها زئبق وأخرى بها كبريت وجاء بوعاء فى قاعه مقدار من الزئبق ووضعه عليه نفس المقدار من الكبريت وأحكم الغطاء على الوعاء ودفع به إلى الفرن على نار هادئة

وجلس طوال الليل يغذى النار ويغذى ذهنه بالقرآن الكريم من آيات

ويشرق الصباح والنار قد خمدت والحرارة قد بردت ، فتح باب الفرن وأخرج الوعاء ورفع غطاءه ورأى شيئاً أذهله ، رأى شيئاً جديداً

حجر لا عهد للطبيعة به ، لم يره من قبل وأخذ يجربه للكسر والحرق لكنه لم يُكسر أو يُحرق

وسمّى جابر حجره الجديد " الزّنجفير " وهو ما يعرف الآن بكبريتيد الزئبق

..

وبعد فترة انتقل جابر إلى بغداد ، ولم يشأ أن يعلم أولاده رغم أصرار زوجته راداً عليها " فكيف نفتح رأس أحدهم ونصب فى العلم صباً ، العلم مع من ليسو أهله كماءٍ يسكب فى الرمال فدعيهم يكونوا عطّارين يوماً مثل جدهم "

..

( التلميذ الأول )

فى مرة وهو جالس فى مسجد فى بغداد جاءه أحد تلاميذه

فقال له جابر : أنت مرة أخرى ، ألا تيأس ؟ ماذا فعلت بما أشَرْت عليك ؟

رد عز الدين : درست الطبيعيات ولك أن تسألنى ما شئت فيهما

أجلس جابر تلميذه في معمله ليمتحنه وقال له إن هناك سراً يبغى أن يقوله له : إن هناك سم فى تلك الزجاجة .. بها سم أفعى يقتل لتوه ولا دواء له يريد أن يحمله عز الدين لرجل كبير المقام ليستريح من عدو له

هب عز الدين قائلاً : لا يا سيدى لا أحمل ذلك لأحد

فقال جابر لا ترفع صوتك فيكشفنا أحد ، إنه عدو وإن قُتل استراح الكل وحُقِنَت الدماء بين قومين متحاربين

رد عز الدين : ذلك غدرٌ فى الحرب يا سيدى ، محرَّم فى كل شرع ودين ، وهو منى مرفوض حتى لو لم أعرف من الكيمياء حرفاً

فرح جابر بن حيان وغمرته السعادة ، وقال له الآن نجحت فى الامتحان ، "سأورثك علمى يا عز الدين "

..

( منهج جابر )

مضى زمن أنهى فيه عز الدين ما كلفه أستاذه به من فترة وعاد إليه

قال جابر : " أما وقد علمت فحق لك من بعد العلْمِ العَمَلِ ، فجوهر الكيمياء يا عز الدين هو التجريب "

تعلّم عز الدين من جابر بن حيان أن العالم حين يتصدى لظاهرة ما بمشكلة .. يفرض فرضاً وأن يستنبط منه نتائج تترتب عليه ثم يذهب بما استننج إلى الواقع فيختبره ، فإن صدق يتحول الفرض لمبدأ ينطبق على الحالات المماثلة تحت نفس الظروف 

ونصحه " ولا تعط علمك إلا من تطيقه ، فالعلم - يا بنى - لا يحمله الإنسان إلا على قدر طاقته وإلا أعجزه ، كالإناء إن وضع فى أكثر من سعته فاض "

..

( إلمامة صغيرة من عظمة جابر بن حيان )

كان لجابر دور كبير فى تحضير بعض المواد النافعة حينها مثل : ورق غير قابل للإحتراق ، طلاء يقى الثياب ، جير مضئ لكتابة المخطوطات الثمينة بدلاً من الذهب الخالص باهظ الثمن ، مثبتات لتثبيت الصبغ على النسيج

وشرح تحضير كثير من المواد الكيميائية مثل : أكسيد الزرنيخ لانقى تماماً ، انواع الزاج والنترات والقلويات

واستخلص الكثير من العقاقير الطبية : نباتية وحيوانية ومعدنية

وشرح معظم الأدوات والأجهزة المهمة للمختبرات

قام الغرب بترجمة كتبه إلى اللاتينية بعد وفاته بأربع قرون تقريباً ، ظلت المرجع الأوفى بما يقرب من ألف عام بعد ترجمتها.

وتوفى عالمنا العظيم عن عمر يناهز 93 عام بعدما أمضى كل حياته فى سبيل العلم ، رضي الله عنه ورحمه 

========================================

المصادر : 

- قطوف من سير العلماء .. الجزء الثانى ، د.صبرى الدمرداش 

- تاريخ العلم ودور العلماء العرب فى تقدمه ، د.عبدالحليم منتصر