الإخلاص  ياولدي لا أستشعرهُ صفةً ولا سجيّة في الكائن البشري، بل إني أراهُ شيئاً يُشبههُ  الأعضاء البشرية، قد خُلقت في جسد بني الإنسان ، شيئاً قد خلقهُ المولى  لغرض ما يُقتضى  به  في  مُعضلةً كونية ، شيئاً قدْ يُستدلُ به على مُنطلق فكرٍ  لكائنٍ من كانْ ، أراهُ  شيئاً بارزاً في ملمحِ المخلوق، فمنه  تَتبين ما قد كانت بطانته صالحة أم طالحة  ومنه تتكشفُ لك بواطن القلوب والمُترادفات الشخصية  التي تفترضُ بناءاً عليها وجهة وشخصية الشخص الماثلِ أمامك ...

وستبقى مُشكلة الإخلاص يا ولدي شغلنا الشاغل !

فلن يهدأ الصياح من أعلى الجبهة ولن تجف دمعةٌ من مُقلتها ولن يُضمّد جرح  من منبعة الفوّار إلا إذا أخلصنا النيّة لله تعالى ، ولن يكونَ الإخلاصُ لأمر قد إرتضى له دقائق وسويعاتٍ معدوده بل قُل بضع سنين ، بل يكون إخلاصاً عندما يُحفرُ في قلبك ويترك أثر الثُقب العميق غائراً  في موضعة، ولن يُحفر هذا الثقب في قلبك إلا بشروط عديده  أهمها وأولها : النية الصافية  !

وثانيها : التعمُق في هموم الأمة وتحمل مشاق السعي في درب الإخلاص الطويل الشاق !  ولشروط  الثقب الكثيرُ والغزير  ....

وفي  أول  دروب الإخلاص لن تهدأ لك عينٌ إلا وبكت من الخشية في استشعار معنى من معانيه الفريدة القيّمة ، شعور هادئ فاتر !

تهدأ الأرض له  للحظة ، تتبين خيطه  الأبيض  الذي قد شارفَ على التكوين والإمتزاج  بالقلب المُخلص ، آياتٌ في الأفق تنهمرُ عليه  سطوعاً وبريق ٌ هنا وهناك  يتلألأ  حواليه ،  يستقبلهُ القلب بحفاوة  فرحاً مسروراً ، تسيرُ الدواب مُنصتةً إلا شجنة المتألق البرَّاق، آه آه يا قلب !

فما اعتدت قبل ذلك شعوراً وأيُ   شعورٍ يا إلهي إنه شعورُ الإخلاص يا ولدي

فبحُفرةٍ في قلبٍ كهذا وبخيطٍ أبيضٍ قد مُزج فيه واختلط ، فقد اكتملت لك بوادرُ الإخلاص ياولدي  .

ومراتبُ الإخلاص ياولدي تتجلى في مكابداتك و معاناتك المستمرة وصراعاتك مع النفس الأمارة، ففي أدنى مراتب الإخلاص تجدُ فيها شيئاً من الإقدام على النيّة الخالصة، تنبثق من قلوب المُخلصين شيئاً فشيئاً حتى تبلُغ أقصى المراتب والدرجات العُلى، فببلوغك أقصى مراتب الإخلاص يا ولدي فقد ملكت صمام قلبك فبإمكانك التحكم فيه حيثما شئت ومتى أردتْ ....

فياربِ اجعلنا ممن أخلصوا ففاضت أعينهم بالدمع فرحاً بنقاء أفئدتهم .. يارب !