فما أهون البلاء على قلب قد إعتاد الإنفتار ، تمضي به الألام كالسيف في غمده ، وتفوح في طياته نسائم الأمل ولا تكاد تخترقه لغلظة حراسه ، تتسلل إليه جحافل الإبتلائات لواذاً ، ويبني ساكنيه به قصور الهول والخوف ، ترتعد البسمة عند رؤيته ، تنتفض البهجة من مخبأها خوفاً لسماع نحيبه المزمن ، يرمقه الامل من بعيد وبه نظرة إشفاق وعطف ، ورقٍ ولين ، وحسرة وألم ، وخنوعٍ وخضوع ، ثم يقول : يؤلمني ما حلَ بك يامسكين !

ماذا جرى لأهوال الدهر تنحصر على عاتقك الضعيف البالي ، قد فتك بك الدهر فتكاً ، ونالت الدنيا من عجيب صمودك نيلاً حتى أفنته وقضت عليه وأنهت على كل مثقال قد ذرة تؤول إليه وتحيي به اشياء قد ماتت بداخله ، وقضت عليك الأعاجيب الزائفة المخيفة ماتقضي به على مرتدٍ متمرد ، فصبراً لأهوال الدهر وآلامه القاتله ، فصبراً لها فإنها لا تكاد تُحصى ولا تُعدُ على الاصابع الخمسه ! حتى تضع لها مكيالاً أو ميزاناً لها إذ كانت بك بصيرة من نور ، قادرةً على تخطي الآلام والأقدار المضنية ، صبراً ياقلب ورفقاً يازمانُ بقلب منهك !

فالقلب الذي عانى من الإنكسار وتتابُع الآلام رويداً رويداً فبإمكاننا تشبيهه بفتاة عذارء حسناء ، قد ملكت نصف جمال الأرض ، وقد تحدث الناس عن جمالها ليل نهار ، وبين عشية وضحاها ، فقدت جمالها وأصابها الشيب المبكر ، واستحال وجهها إلى أطلسٍ من خرائط التجاعيد ، و انطبع الألم على شعرها الأبيض الباهت ، وتحولت النظرة إليها من جميلة حسناء إلى عجوز شمطاء ، تنظر إليها العين نظرة إشمئزاز واستحقار .. فكذلك الأحزان إذا أصابت قلباً قد اعتاد على السعاده يابُنى !

حولته من السعادة إلى الشقاء ومن الأمل إلى البلاء ومن الصحة إلى الوباء ومن المحبة إلى الشحناء ومن الأمام إلى الوراء ومن حدائق غنَاء إلى صحاري جدباء ،

فإن كان به بصيرة من نور ، فقاوم من أجلها وأصبح على الأهوال جلداً واستفاق من نوبة قلبه المفتور كانت له المفازه والغلبة ....

وأما إن كان قلباً قد إعتاد على الذل والهوان والدعة والكتمان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله !