فاعلم يا ولدي !
أنَ مقياس المرء ليس بجمالٍ ولا مالٍ ولا جاه، ليسَ بأقوالٍ تحيط بها أفانين الرياء، ليس بآراء وتوجهات يعمها الكذب والمُباهاة !
إنما يكونُ المرء بصبره على مشاق الطريق وأهواله، فكلما استفاق من كبوة وعثرة ما يلبث أن يواصل السير متحدياً بذلك آلاماً وأوجاع !

واعلم أي ولدي !
أن الطريقَ طويلٌ ملئ بالمخاطر، فما تزيّن لك منذ بدائة السير إلا وظننت أنه سهل ميسور من الممكن إجتيازُه وعبوره، ولم يتسنى لك وضع الخطة ودراسة جدولية لهذا الطريق قبل الخوض فيه، ناسياً بذلك ما قد يُحيط بك من ابتلاءات واختبارات !

يابني !
اعلم أن المسافر في طريق الله مهما كانت الابتلاءات تصب عليه صبا وتنال من عجيب صموده نيلاً، فإنه لا يُبالي بها لأنه قد وضع هدفاً نُصب عينيه، وأصر على تحقيقة وإتمامه، وقد رُسمت له نهاية الطريق رسمة مهما أبدع فنانٌ موهوبٌ في رسمها لما أخرجها باللوحة المُراده، فكلما رأى نهاية هذا الطريق الإيماني، ارتسمت على ثغره ضحكة طفولية بريئة توحي بالخشوع في تَخيل المنظر والصورة .

يا ولدي !
من قال إن الدروب مزيّنة بأكاليل الزهور ؟
فمهما بَلغت صعوبة الطريقْ كلما كانت نتائجه عظيمة، فالله يختبُر السالكين إلى دربه ليُمحص الذين آمنوا منهمْ، فليس من السهولة أن يختار منافقٌ أو شخصٌ شاربٌ للرياء والمُباهاة والتيه السير في تلك الدروب فمن أول عثرة لن يستطيع الإكمال، وكذلك بعضُ المؤمنين الضعفاء إيمانياً تراهُ مُتحمساً في المُضي في هذا الطريق ومن أول فتنة يقعُ فيها يستسلم ويقعُ أسيرَ نفسه الأمّاره .

( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )

فمهما كانت ظلماته قاتمة ولياليه كالحةً سرمدا، فبقلبٍ نيّر وبعقل راشدْ وجوارحٍ تَقيّة، فقد اكتملت لديك مقومات مصباحٍ وهّاج يُضئ لك الطريق في ظل غياهب الضلال والأخطار، فيبدأ هذا المصباح في الوهلة الأولى خافتاً بعض الشئ حتى يشتدَّ ويقوى مع كل عقبة تجتازُها في طريقك من عقباتٍ وفتنْ حتى يثبُت ضوئه بقدر الإيمان والإخلاص يا ولدي !