أن تولي وزارة التعليم العالي و البحث العلمي المغربية أهمية كبيرة لإصلاح المدرسة المغربية فهذا أمر جميل لكن أن يدفع ثمن الاصلاح من جيوب المغاربة و يأتي على حلم أسر وثرها الحساس تعليم الأبناء، عبر فرض رسوم مالية عليها  مقابل تدرس أبنائها ففي ذلك ظلم  كبير . 

ظلم تتجرع آلامه الأسر المغربية ضعيفة و متوسطة الدخل والتي أصبحت مطالبة بدفع مقابل مالي ينضاف لسلسلة المصاريف التي تنهك ميزانية معيل الأسرة. فيصبح ولوج المدرسة المغربية قرار صعب الاتخاذ.

لم تكن المدرسة المغربية في أحسن أحوالها حينما لوح رئيس الحكومة المغربية بقرار إلغاء مجانية التعليم، ملقيا بذلك الشوكة التي قصمت ظهر الأسر المغربية الفقيرة منها و المتوسطة، فكيف لأب يتوسل دراهم يومه من أجل إطعام أطفاله و دفع مصاريف الملابس و المأكل و التطبيب، أن يتحمل مصاريف جديدة هذه المرة لتدرسيهم.

أحد حراس مواقف السيارات يقول مشيرا لشخص في عربة فخمة : " هو توفرت له الظروف المناسبة فأصبح مهندسا أنا حارس سيارات سيصبح أبنائي مهندسين " ، يبدو أن حارس السيارات المسكين سيودع حلمه قريبا،فالقرار قطع الشك باليقن لن يصبحوا مهندسين إن لم تدفع ثمن ذلك .

فإذا كانت المواثيق العالمية أقرت بصريح العبارة بالحقوق الإنسانية الواجب التمتع بها، وخصت بذلك التعليم ففي المملكة المغربية سوف يغرم الفقير ثمن تمتع أطفاله بحق مشروع يعتبر منطلقا ومكتسب لا رجعة فيه.

القرار تفاعل معه الكل على طريقته الخاصة و هناك من لوح بفكرة أن الدراهم المدفوعة ستساهم في إصلاح المنظومة التعليمية في المغرب, التقدم و التطور حلم مشروع شريطة ان لا تدفع ثمنه أسر لطالما تجرعت ألم الفقر في صمت مطبق, و أكثر ما نالته تكرار اسمها في المشاريع و الملفات .

وسائل الإعلام نشرت تصريحات عن المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي الذي قال في ندوة صحفية لتقديم دراسة بشأن خريطة الفقر في المغرب إن «معدل الفقر يصل إلى 8.2% على المستوى الوطني، بعدد مواطنين وصل  إلى 2.8 مليون نسمة".

ثم إنه من خلال إعمال المنطق الاقتصادي و من خلال قاعدة العرض و الطلب، فالمقابل المادي المفروض يقتضي وجود خدمة ذات جودة .فقبل فرض المقابل المادي لابد من أن تكون هناك جودة في خدمة التعليم المقدمة فحتى في المدارس الخاصة تدفع الأسر مقابل مادي مهم لكنها تحصل على خدمة ذات جودة كبيرة مقارنة بالتعليم العمومي.

فكيف لنظام تعليمي أبطاله رجال تعليم زهيدة أجورهم و كثير منهم لم تسوى وضعيته بعد، و قوامه مقررات أكل عليها الدهر و شرب  لا تتماشى مع متطلبات روح العصر الحديث ولا ترقى لما وصل له البحث العلمي و لا تحترم طموح و ذكاء الطالب الغربي .فأعظم ما تتوفر عليه قاعات الدرس في هذه المدارس التي سيصبح دفع المبلغ المالي شرط أساسي لولوجها، هي صبورة خضراء مازالت تذكر جيل الأجداد و طاولات بها ثقوب و كسور، لا تقوى حتى على حمل من يجلس بها.

دون الحديث عن طفولة مغربية ضاعت بين الجبال، أقصى أحلامها الاستفادة من برامج محو الأمية القليلة معارفها. يطلب منها أن تدفع مقابل التعليم يكفي هذه الطفولة ما دفعته طوال سنوات العمل الشاق لمساعدة الأسرة و الحصول على أبسط المتطلبات. هنا حيث الحق في العيش مشكوك فيه لا وجود لمن يدفع في سبيل حق آخر. نفس تصريحات المندوب السامي التي ذكرت في البداية أظهرت  أن الفقر في الريف يبلغ 17.7%، في حين يبلغ بالمدن 2.0%. وفي ذلك إشارة قوية إلى الوضعية التي تعاني منها الأسر في القرى حيث يقول المندوب الفقر في المغرب "يبقى ظاهرة قروية بامتياز".

ومن الواضح أن قرار إلغاء مجانية التعليم سيكرس الطبقية, حيث يدرس الأغنياء أطفالهم في كبريات المدارس و الجامعات، بل و يفكرون في كل شيء .رجل غني يقول  " أعلم طفلي فن النحت في كبريات الأندية هذا بالإضافة لحصص دروسه العادية سيساعده ذلك على أن يلم بتقاسيم الوجه أريده جراح تجميل بارع " لكن ملامح وجه الفقير لن تذكر سوى حلم مسلوب.