و أنت تتجول بين أسواق المدن لا بد ان تبصر عدد من الدكاكين و محلات البقالة التي تتفنن في عرض منتوجاتها الأمر هنا لا يثير الاستغراب. لكن الأشد غرابة أن تبصر دكاكين صغيرة بواجهات حقيرة تباع فيها الأوهام و المشتري حالم يود أن يصبح صحفي .

الأسف كل الأسف ففي الوقت الذي تشرف فيه هذه المهنة المقدسة في مختلف المحافل الدولية و تخصص لها أرقى الجوائز هذه جائزة بوليتزر و تلك جائزة اليونسكو لحرية الصحافة و جائزة لجنة حماية الصحفيين الدوليين جائزة الشجاعة والنزاهة التي تقدمها فرانس بريس و اللائحة طويلة مازال هذه الأخيرة تباع كسلعة رخيصة في الدكاكين فبالله عليكم أي صحفيين تكونون ؟ تباع ديبلومات الصحافة في المزادات كسلعة بائدة كثرت حولها المزايدات و اتجهت نحوها النظرات التي لا ترى في صاحبة الجلالة غير أضواء الشهرة و البهرجة الفارغة .

و الحق أن وجود دكاكين الصحافة تلك لا تعكس غير الواقع فإذا رأيت الطفل ضاربا على الطبل اعلم أن من شيم عائلته الرقص فكثيرون اليوم من قرعوا طبول محافظهم، جمعوا قليلا من المال و أقل منه علماً، ظنوا أنهم سيكونون "صحفيين " فخابت ظنونهم و خاب معه ظن صاحبة الجلالة الصحافة فيهم.

الواقع أن مهنة الصحافة هي من أنبل المهن و أكثرها قدرة على التأثير في المجتمع و تغييره سلبا أو إيجابا و لفظ إيجابا لا يعني النوع الذي نحن بصدد الحديث عنه أبدا. هنا الاعتقاد بأن تلك الدكاكين الصغيرة قادة على إنتاج صحفيين مهنيين و إخراجهم إلى الوجود عار بل حلم يقظة متطرف التفاؤل. وإنه عبر إلقاء نظرة سريعة على تركيبة أقسام هذه الدكاكين يظهر جليا للناظر أنها توليفة من الأشخاص الذين فشلوا في مسارهم الدراسي و قرروا خوض تجربة السلطة الرابعة تماما كمجنون أمسك سكين لا سبيل لتوقع الخطوة التالية التي سيقوم بها .و أي منتوج صحفي سيقدم لساحة إعلامية تحتظر من كثرت أمثاله. مقتدين بذلك بقائل المقولة الشهيرة " الصحافة مهنة من لا مهنة له". ألا إن الموازين اختلت إنهم لا يرون في سيدة المهن غير قلم وورقة و اكتب أي شيء و انشرها ولك الأجر.

جهاز تصوير و ميكروفون مع كثر من اللهو و المرح على لهواء مباشرة. بعيدا عن هذه الأوهام لقد اتفق معشر الصحفيين حول العالم على أنها أصعب المهن، إنها تتطلب الجمع بين الثقافة العامة القوية و المبنية ، الوعي المجتمعي الحس الإنساني ، الذكاء و الحرص الكبير ، و القدرة على تفكيك الرموز و قراءة بما بين السطور و فهم لغة الوجه و الإشارات قبل لغة الكلام، الفضول الإيجابي ، و الشغف الذي يأكل صاحبه كما تأكل النار الهشيم. دون الحديث عن تواثب العمل الإعلامي الحديث هنا عن أخلاقيات المهنة و القواعد الأساسية لإنتاج المادة الإعلامية فهل يستجيب تكوين تلك الدكاكين لكل هذه المعايير ؟

ثم إن ملكة التدريس لا تمنع لأي شخص فهل يجوز مقارنة من تتلمذ على يد خبراء التواصل و الإعلام الذين درسوا في كبريات معاهد التكوين الدولية و راكموا خبرات كبيرة في المجال بمن درس مدعي الخبرة و محبي البطائق المهنية المزورة سيم و أن الفئة الأولى من الخبراء لن يقبلوا التدريس في هذه الدكاكين إذا افترضنا جدلا وجود عروض من هذا النوع. صحيح أن وجود الخواص في أي قطاع أمر له من الأهمية الشيء الكثير فالتجربة أثبتت أن منافسة القطاع الخاص تؤدي في الغالب الأحيان إلى تجويد القطاع عبر تزايد الأسئلة حول من الأنجع في إشارة إلى إشكالية الجودة في التكوين فيتهافت كل الفاعلين الخواص منهم أو العاملين في القطاع العمومي إلى الإدلاء بدلوه و إثبات نجاعة ما يقدم داخل المشهد السمعي البصري.

بالنسبة للنموذج المغربي فعطيات وزارة الاتصال تبرز وجود 17 معهدا ومركزا للتكوين في مهن الإعلام والصحافة، تقدم تكوين في مجال الإعلام و الصحافة و تتوزع على مناطق المملكة و تتركز أساسا في محور الرباط و الدار البيضاء. فهل تقدم هذه الأخيرة التكوين اللازم و الذي يحتاجه المجال ؟ و يعود الفاعلون و الساسة ليشتكوا من تردي جودة الإعلام في الوقت الذي عرف فيه السبب .

فالأجدر تقنين مجال التكوين و إسناده لمن هم دراية جيدة به عوض السماح لكل من جمع قليلا من المال  العبث فيه.