بما اني غاوي نكد و تعب فقد فكرت - بعد نقاش كاد ان يتحول الى( خناقه ) مع احد المتذمرين المستائين من طعام الافطار الذي كان مكونا فقط من : الكوسا المحشي مع اللبن ( المخشي) ، و المكرونة مع اللحوم ، و شيء من اللحوم المقلية ، و بعض السلطات، و و و ... الخ -  فكرت بعد هذا النقاش ( الخناقة ) ان استكشف احوال الفقراء في رمضان في عالمنا العربي ، و بعد بحث قصير على الحج ( جوجل ) وجدت أخبارا و قصصا منها  المحزن و منها المفرح ، منها العادي و منها الغريب ، منها الطريف و منها المدهش ، و قررت أن أحكي لصاحبنا المتذمر - و من سار على دربه ، و اهتدى بهديه - شيئا مما وجدت :

أما المحزن فهو كثير جدا بالطبع :

من الممكن مثلا ان نحكي لأصحابنا المتذمرين  عن اوضاع الملايين من الفقراء في العالم العربي ، و التي ازدادت سوءا بسبب النزاعات المسلحة و الغير مسلحة في السنوات السابقة ،

من الممكن أن نحدثهم - مع الحرج - عن اليمن الفقير (التعيس) الذي ازداد أهله - خاصة الفقراء و هم كثر - تعاسة نتيجة قصف الأخوة في الدين و العروبة لبيوتهم الطينية الفقيرة ،

و من الممكن أن نحدثهم  - مع الأسف - عن اوضاع أهلنا في سوريا و العراق و ليبيا ،

و طبعا ، من الممكن  ان نحدثهم - مع كل الحرج و الأسف اللذَيْنِ في الدنيا -  عن أوضاع أخوتنا الفقراء - و غير الفقراء - في غزة المحاصرة ؛ غزة التي كان أهلها - و لا يزالون -  ضحايا  - بل رهائن - لصراعات سياسية محلية و أقليمية و دولية ...

و من الممكن أن نحدثهم أيضا - مع الحرج و  القلق البالغين-   عن الفجوة الكبيرة (اللعينة)بين الأغنياء و الفقراء في العالم العربي ،و التي تظهر - مثلا - عند المقارنة بين مائدتين رمضانيتين  : مائدة غني مترف ، و مائدة فقير مدقع ... و هناك تحذيرات من اتساع هذه الفجوة التي تزيد من حدة الانقسام في المجتمعات العربية ، و من طريف ما قرأت في هذا السياق - سياق الفوارق و خطورتها - :

اعلان رئيس المؤسسة المصرية للدفاع عن محدودي الدخل - السيد  اسامة الباز - عن (وجود حملة شرسة يتعرض لها "محدودي الدخل" في شهر رمضان الكريم، بقيام الفضائيات بعرض عدد كبير من البرامج والمسلسلات التي تصيبهم بالاكتئاب والقهر والسكر والضغط ! ) و تابع الباز موضحا (ان  "مشاهدة هذه الاعلانات من جانب الاطفال يؤدي إلي كارثة اجتماعية بسبب الفارق بين الدخل وطلبات الاطفال، ما يصيب المجتمع بحالة من التفسخ الاخلاقي والقيمي وأمراض مثل السكر وضغط الدم، ! )

من الممكن أن نحدثهم عن كل هذا و غيره - و هو كثير -  و لكننا لن نفعل حتى لا نفسد قابليتهم للطعام ، فهم رغم تذمرهم يأكلون بشهية ! فبعد أن تذمر صاحبنا ، و زمجر و دمدم ، أكل- فقط- : المخشي باللبن ، و المكرونه ، و بعض اللحوم ، و اتبع ذلك ببعض الزبادي ، و كأسين من الماء البارد ، ثم قام مكملا تذمره ! .

اذن فلندع حديث الأحزان مجملا ؛  دون تفاصيل مزعجة و محرجة و مؤسفة و مقلقة  ، لندع هذا الحديث ، و لنتحدث عن المفرح ، من المفرح مثلا :

تحقق نبؤة محمد - عليه أفضل الصلوات و أتم التسليمات - ببقاء الخير في هذه الأمة ، و من هذا (الخير الباقي ) :

انتشار موائد الخير  في الوطن العربي من محيطه الى خليجه -( التكيات) في القدس الشريف و الخليل و نابلس و غيرها ، (موائد الرحمن) في مصر و غيرها ... الخ)-

و من ( الخير الباقي ) انتشار المؤسسات و الجمعيات التي تقدم المساعدات النقدية والعينية ،

و من ( الخير الباقي )  مبادرات الشباب ، و هي مبادرات بسيطة طموحة و  بريئة ؛ احدى هذه المبادرات رفعت شعارا لحملتها يذكرنا بحديث المبعوث رحمة للعالمين ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )

 يا ترى كم مرة بتنا منتفخة بطوننا ، ضامرة عقولنا ، هانئة نفوسنا ، و الى جانبنا باتت عائلة طاوية بطونها ، مشغولة عقولها ، محزونة نفوسها ؟! .

اسف؛ فقد نسيت و أثرت الأشجان مرة أخرى ، فاعذروني أيها المتذمرون! لنكمل اذا حديث الفرح :

و من المفرح - و المدهش و المطرب - ما قرأت عن رجلين : تركي و جزائري ، قرأت خبرين عنهما ذكراني بسيرة أهل الزهد و التقشف ، انهما اثنان من أصحاب النفوس الكبيرة و الهمم العالية ، اليكم بعض خبرهما :

أما التركي فهو طباخ مسن - عمره ٨٨ عاما - و قد دأب منذ ١٦ عاما  - بعد حلم رآه - على الإدخار من راتبه التقاعدي لإطعام الفقراء في رمضان ( وأوضح أق بوداق أنه يؤجّر محلا ويقوم بمساعدة شخصين آخرين بإعداد طعام الإفطار وتوزيعه طوال شهر رمضان، مشيرا إلى أن اعتلال صحته هذا العام، لم يمكنه من المشاركة في إعداد الطعام ، وأكّد أق بوداق عزمه على الاستمرار في إطعام الفقراء، وتلقي دعواته، حتى وفاته).

نسأل الله أن يطيل عمرك يا سيدي بوداق ، و أن يمتعك بالصحة و العافية ما حييت . هذا خبر التركي ، أما الجزائري فخبره أعجب ، و أمره أغرب  :

انه رياضي جزائري يدعى (محمود ڤندوز) ، و هو ناشط - كما يبدو-  في المجالات الانسانية ؛ تحدث مثلا عن زيارته لفلسطين و تناول الإفطار مع أهالي الأسرى و اللاجئين ، و يبدو أن الرجل بسيط و صاحب قلب كبير ؛ قال مثلا: انه يمارس حياته في رمضان بشكل اعتيادي ، و يساعد زوجه ، فهو يطبخ و يغسل الصحون  و يساهم في تنظيف البيت .. الخ ، و لكن أعجب ما يقوم به هو تعذيبه لنفسه في رمضان ليشعر بالفقراء ، دعونا نختم بالإستماع الى هذا العظيم ، مع اعتذاري سلفا للمتذمرين إن أحرجهم سيدي ( محمود ڤندوز) ، يقول ڤندوز :

(سأفاجئك إن قلت لك إنني في بعض الأحيان أعذب نفسي في هذا الشهر ولا أتناول سوى الخبز عند الإفطار !

وهذاحتى أضع نفسي مكان الفقراء والمساكين الذين لا يملكون ثمن شراء ما يحلو لهم… أتضامن مع الفقراء في كل العالم الإسلامي بأكل الخبز فقط ليس دائما ولكنني أفعلها ثلاث مرات أو أربع خلال شهر حتى نحس كيف يعيش الفقراء !

وأعلّم أولادي ثقافة التضامن ونكون مكانهم، في رمضان يكثر التبذير للأسف وهذا غير معقول، كما أنني أكل أيضا أكل الأمس ولا أرميه ولا أتكبر عليه).