كل الأمور تجري في حياة الإنسان بقدر.. الرزق قدر والمصيبة قدر الطاعة قدر والمعصية كذلك؛ وإنما يتقلب الإنسان من قدرٍ إلى قدر..

ومن ذلك طاعته لله ومعصيته لله والتي يختارها بإرادته إن كانَ مؤهلاً بالعقل والسن؛ لذلك كلِّف بأن يعمل العمل الصالح وأن يتجنب العمل السيء..

هذا فيما يتعلق بالإنسانِ في نفسِه أما فيما يتعلق في الأمور الخارجة عن إرادة الإنسان فهي لا تخلو من أن تكون أحد أمرين:

إما عملٌ إكتسبه وسعى له ودبر له الأسباب ومكر فِيهِ..

أو عملٌ كسبه بمعنى انه حصلَ لَهُ بدون إرادةً أو سابق تخطيط بل شيء صار بمحضِ قضاء أو تدبير إلاهي.. سواء كانَ ظاهره الخطأ أو كان صواباً..

فالأول محاسبٌ عليه؛ والأخر غيرَ محاسبٍ عليه.. بدليل النص القرآني في آخر سورة البقرة "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"..

ومن هنا كما نعلمُ جميعاً وشئنا أم أبينا هناك أمور محرمة وأمور مباحة حددها وبينها الشرع لا تخضع لهوى الإنسان ولا لرأيهِ أو عقلِه..

فإن أخضعَ لَهَا هواه صارَ ممن قال فيهم الله" إن يتبعونَ إلا الظنَّ وَمَا تهوى الأنفُس"..

وإن أخضعَ لَهَا رأيه أو عقله صارَ ممن قَالَ الله فيهم"أفرأيتَ مَنِ اتخذَ إلاههُ هواه وأضلَّهُ الله على علم".

فالمنكر منكر حتى لو كانَ الجميع يفعله؛ والحق حقٌ حتى وإن قلّ مؤيدوه؛ وطريق الحق ليس لأي أحد.

ثم بعدَ ذَلِك وكما هُوَ معلوم؛ فقد فطرَت النفس على حبِ الشهوات والملذات وهذا من طبيعتها التي جبلها الله عليها.. ثم هيئ لذلكَ أسباباً وجعلَ طرقاً شرعيةً لقضائها وسبلاً غَيْرَ شرعية..

ثم أعطى الإنسان الإختيار وهداهُ إلى السبيلين كما أخبرَ بذلك الله سبحانهُ وتعالى في سورة البلد:

"وهديناه النجدين فلا اقتحمَ العقبة وما أدراك مالعقبة فكُّ رقبة أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة.. إلى آخر الآيات"..

هَذِهِ الدار دارُ ابتلاء وتمحيص وطريق الحق ليسَ ممهداً ولا يستطيعه أي أحد بل هو يسير لمن يسره الله عليه وأعانه ثم هو جاهَدَ نفسَه في ذلك وصبر وصابَرَ واصْطَبَر..

يَقُولُ الرسول صلى الله عَلَيْهِ وسلم: "حفّت الجنة بالمكارِه وحفّت النار بالشهوات"..

ويقول في الحديث الآخر "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراكِ نعليه والنارُ كذلك"..

ألا إن سلعةَ اللَّهِ غالية ألا إنّ سلعة اللَّهِ الجنة.. حيث مالا عينٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعْت ولا خطرَ على قلبِ بشر..

ثم ليتأمّل الإنسان في غابِرِ أيامهِ هل أبقت لَهُ من شَيْءٍ سوى حسنُ عملٍ يرجى بهِ ثوابُ الله!

وإنها والله الحقيقة التي سنفيق عليها من غفلة.. فيالِسعادة من أحسنَ ويالَخيبةِ من أساء..

غفرَ الله لي وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطيباتُه