بسم الله الرحمن الرحيم
بعثت لي قصتين جميلتين رقيقتين ، كانت القصتان مبشرتين بولادة أديبة صغيرة ، صغيرة السن و لكنها قد تكون كبيرة القدر ، فرحت فشجعـتها ، ثم أهديتها - أنا الضـنـيـن بالكتب - كتاباً من أحب الكتب الى قلبي ، فعاهدتني على القراءة بجد حتى تطور نفسها ، فتأملت خيرا ...
ثم جاء رمضان ، شهر الكرم و السلام الخير ، و غرقـنا في المسلسلات التي (لحست) عقولنا ، و غرقت هي مع الغارقـين ، بل ذهبت الى أبعد من ذلك فدشنت صفحة ( فيــســبـوكـية ابليسية ) ، و عـرّفـَـت على نفسها بانها من اللواتي يدبرن المقالب لخلق الله ، تقليدا لصاحبنا " رامز " هداه الله ...
تكدرتُ و حزنت ، و تفكرت ، ثم قررت الكتابة لها ، فكتبت ، ثم قرأت ما كتبت ، فاذا به صالح - برأيي - للنشر - مع بعض التعديلات الطفيفة - بل ربما كان نشره ضروريا ، فأمثال أديـبـتـنا الصغيرة كثيرون ، و كلنا في الهم شرق .
_____________________________________________________________
أديبتنا الصغيرة العزيزة ، السلام عليك و رحمة الله و بركاته :
شاء حظي السيء ان أطـّـلع في وقتٍ مبكر جدا من صباح اليوم على صفحة جديدة أســستيها مع صديقة لك ، أقول حظي السيء لأن شكل الصفحة و مضمونها أقلقاني عليك جدا ؛ أقلقاني على الانسانة الأديبة ، أو الأديبة ذات النزعة الانسانية :
كان في ذاكرتي ، عنك ، صورة الفتاة الحالمة التي كتبت عن عمها الأسير متخيلة ، معه ، يوم الحرية ،
و كان في ذاكرتي ، عنك ، صورة الفتاة الـنـقية التي كتبت عن طفلة تخوض صراعا مع مجتمعها من أجل الحفاظ على براءتها و صفائها ،
باختصار كان في ذاكرتي ، عنك ، صورة الفتاة الاديبة الانسانة ، أو الانسانة الأديـبة ، التي كتبت تلك السطور المغرقة في انسانيتها .
و كان في مخيلتي ، لك ، صورة مستقبلية زاهية : صورة القارئة الجادة ، و الكاتبة الملتزمة ، صورة خيالية و لكن لها في الواقع أساس أظنه مـتـيـنا ، فأنت ، يا صغيرتي ، صاحبة شخصية حساسة ، و صاحبة موهبة ، و كل ما تحتاجـه موهبتك هو الصقل حتى تصبح أكثر بهاء و جمالا .
لذلك ، و لغـيـره ، أهـديـتـك كتابا لعائشة " ابنة الشاطئ " ، تـلـك الاديبة العالمة صاحبة الحس المرهف و القلم العذب السيال ، أهديـتـك كتابها عن ( سيدات بيت النبوة ) ، و أنا اتمنى في داخلي أن تترسمي خطاها و خطى مثيلاتها : "مي زيادة " ، و " عائشة عودة " ( المناضلة الفلسطينية العـنيدة ، و التي كتبت مذكراتها عن السجن بشكل روائي ) و غيرهن من الكاتبات المبدعات ، أهديتك الكتاب و أنا أتمنى أن تصبح عائشة و مثيلاتها نموذجا تحتذين به ، لا ، لا أريدك نسخة عنهن ، و لا أقبل أن تكوني نسخة عنهن و لو كن من كن ، و لكنني تمنيت ( و لا أزال ) أن تكوني صاحبة هدف سام في الحياة ، هدف تخدمينه و تناضلين دونه بقلم رصين جميل مبدع .
عزيزتي ... لقد اطلعت على الصفحة الجديدة و في ذهني هذه الصور و الخيالات و الامنيات عنك ، فاذا بي أصطدم بقبح في الشكل و المضمون :
بدل الانسان وضعت صورة الشيطان ، و بدل السعي من أجل قضايا الانسان ، اعلنت عن تدبير المكائد و المقالب لبني الانسان ،
شاهدت ما شاهدت ، و قرأت ما قرأت ، فـصُـدِمْت ، و غامَت الصورُ الجميلة في ذهني و غابت ، فبحثت عن صورتك فلم أجدها ، و وجدت بدلا منها صوراً بشعة ، و حاولت أن أسمع صوتك العذب فجلجلت في أذني أصوات الشياطين القبيحة .
ايتها العزيزة :
لست أبدا ضد الفن و الابداع ، حتى لو كان فناً كوميديا ، بل ان (الكوميديا) من أصعب أنواع الفنون ، و لكن بشرط أن تكون كوميديا ؛ فهناك فرق كبير بين من يضحكـني بأفكاره الساخرة من تصرفات افراد المجتمع المُـنــتــَـقـَد ، من يضحكني بكلماته الناقدة لأخطاء و تعديات المتحكمين برقاب العباد ، من يضحكني بـ (اسكتشاته ) الكاشفة لعـورات الأحزاب و الـمـؤســسات المُـتـَـرَهـِـلَة ، فرق بين هذا ، و بين من يضحكني بأفكارٍ مـبـتـذلةٍ سخيفة ، من يضحكني بكلماتٍ بذيـئة ، من يضحكني بـ ( اسكتشات ) وقحة ، فرق شاسع يا عزيزتي بين الاثـنـين ؛ فالأول انسان و فنان و الثاني شـيـطان ؛ شيطان يسرق اوقاتـنا و أموالنا ، و قد يسرق أخلاقنا لا قدر الله .
و توضيحاً ، و ربما اثباتا ، لما أقول أرجو منك ، ايتها العزيزة ، أن تتابعي" رامز واكل الجو " (الذي أكل عقولنا) لكن بشرط أن تـتابعـيه بطريقة مختلفة ؛ بتفكير ناقد ، بوعي ، ترى ماذا سـتـشـاهدين ايتها العزيزة ؟
سيارات كبيرة فارهة ، و مبان و قاعات مُــصـمـمـةٍ ببذخ شديد ، و نصيبها من الذوق هزيل ، بسط حمر ، طاولات كثيرة ، أضواء و كاميرات ، و ، و ، و جو استعراضي بامتياز ... .
و فتيات جمالهن مـصـطـنع ، و كلامهن متكلف ، و نظراتهن مريبة ...
و حركات مقرفة ، و تصرفات صـبـيانـية ...
و استـغـفـال للناس ، و لعب بمشاعرهم بلا ذوقٍ و لا انسانية ....
اذا تابعت و شاهدت ما شاهدت قولي لي ، بالله عليك قولي : اين هو الفن هنا ؟ ما هو الهدف من وراء هذه التظاهرة الضخمة المكلفة ؟
هؤلاء يا سيدتي تجار ، فنانون نعم ، و لكن في جني المال ، في استغفال الناس و صرفهم عن قضاياهم الحقيقية .
عزيزتي :
نعم للضحك ، فالضحك مطلوب و مرغوب ، و نعم للكوميديا الحقيقية ، فالكوميديا موقف و رسالة و فن ، انها أداة للتــعــبــيــر و التـغــيــيــر ...
اذا اقتنعت بكلامي ( أن هناك فرق بين الكوميديا و المسخرة ) اذا اقتنعت به فقولي لي : ترى اين تضعين صفحتك؟ كيف تقيمينها ؟ ما هي رسالتها ؟ ما الهدف من ورائها ؟
لا ، لا تحبطي ، لا تيأسي ، فقط توقفي تريثي و فكري :
نحن يا عزيزتي مسلمون ، نحن عرب ، نحن أصحاب رسالة ، و نحن غارقون في بحار من المشاكل و الدم ، نحن محتاجون لشباب و فتيات يساهمون في انـتـشالـنا من مستـنـقـعـات الجهل و التخلف و التكـفـيـر و الـتـفـجـيـر ، و كل من يحاول ان يصرفنا عن ذلك فهو صاحب أجندات مشبوهة ، لا لا أخون و لا أكفر ، و لكني أحذر من العبث ، من الابتذال ...
نعم اريدك مبدعة ، اريدك ابنة لزمانك لا لزماننا ؛ تكلمي بلغتك ، عبري بأسلوبك ، استخدمي منهجك و طريقتك ، شقي طريقك الخاص ، استخدمي اسلوبك الخاص ، لا ، لا تحاكينا ، لا تقلدينا ، و لكن ضعي نصب عينيك أننا مخلوقون لهدفٍ سام ، و هو عبادة الله ، و عمارة الارض ، عمارتها بالحب و الخير و السلام ، ثم تذكري ، ايتها الغالية ، اننا نعيش ظروفا صعبة يحتاج تجاوزها الى مساهماتـنـا (جميعا) لتخفيف ثقلها على البشر ، ثم اعلمي ، ايتها العزيزة ، أننا مستهدفون ، يراد لنا أن نكون جهلة تافهين ، لماذا ؟ ليبقى الاستعمار و الظالمون جاثمون على صدورنا ...
استحضري ذلك كله ثم اعملي ما تشائين ، بطريقتك انت ، ارجوك ابدعي ، فهذا ما نحتاجه ، نحتاج الى ابداع و مبدعين ، كفانا تقليدا و جمودا ، فالجمود موت ، و نحن نبحث لأمتنا عن حياة ...
أرجوك فكري جيدا ، ثم ردي كما تشائين ... حتى لو كنت لي من المخالفين ...