فرِّق بين الأدب الحداثي بمنتجاته الجريئة وبين أحد أوجهه وهي : "المدرسة الرمزية" الموغلة في الترميز الغامض ، فمنثورات الأدب الحداثي بافتعاله أعمدة وزنيّة خارجة عن النسق الشعري المألوف = لا يُصيّره أدباً خداجاً ، بل هو أدب له قيمة فنية عالية ..دونك مقاطع "دنقل" و"السياب" ، لم يقل ناقد بأنها خارجة عن المألوف الفني ، إنما النقد متوجهٌ لنزعتها الجديدة في مقابل الشعر العربي بأوزانه وبحوره المتفق عليها عند النقاد المتقدمين والمتأخرين ..نعم لدي امتعاض من المدرسة الرمزية في نسختها "البولدرية" و"اللامارية" وتلفيقها مع الحرف العربي باشتقاقاته ومعانيه ، لكن من الظلم دعس الأدب الحداثي بما فيه فنيّاته في العاطفة والحرب والهجرة والوطن والأم .

النقد له- أعني الأدب الحداثي- لابد وأن يفكك بين قضيتين ، قضية "القيمة الجمالية" وقضية "الاستحداث المنقلب على التراث" ففيهما كلٌ على حدة بحث يطول . لكن أصل المشكلة تلك الاختزاليات الضيقة .

يُعد "أدونيس" عرّاب الشعر الحداثي نظّر لذلك في "الثابت والمتحول" يعترف صراحة بصحة الانقلاب على التراث وإحداث القطيعة الشعرية معه وإن كان "يوسف الخال" قد سبقه في ذلك إلا أن أدونيس ثائر ينزع القيمة الموروثة من الأدب باعتباره تشييداً لمفهوم الانقلاب ، فهذه النزعة الثائرة المتجاوزة لهيبة الوحي هي محل "النقد" وما ينتج من أدب تحت هذه الثائرة أيضاً .. لكن عداه يؤخذ كقيمة جمالية فنية . ويبقى الميزان : كل قيمة لابد وأن تكون خاضعة للوحي . 

الهامش : 

لا يوجد في استعمالات (النقد الأدبي القديم) لفظة (إبداع أدبي) بل كانت هناك لفظة شائعة وهي (صنعة) و(صناعة) ولكن تسرب لفظ (الإبداع) من إزاء الترجمات .