ضبط النفس على سلوكيات محمودة لها صفة الفضيلة التي تسمو بصاحبها إلى مراقي التزكية = تهذيب له حق المدح وكمال الطلب .

وقد جاهدت نفسي مدة سنة كاملة أو تزيد على توطينها بخُلق "إحسان الظن" حتى صارت سليقة وطبعاً لا يخرج بمراجعة وتكلف ، وأورثني ذلك : سلامة الصدر من الغل والأحقاد والضغائن وأخصها تلك التي تبقى حارة في القلب مدة طويلة ، كما أورثني كذلك سلامة من الشكوك والقلق الناشئ عن تفسير كلام الناس ومواقفهم معك . هذا ما وجدته وفرحت به ولله الحمد ولازلت أعاهد هذا السلوك بالمحافظة .

ها أنا ذا أحاول -مبتدئاً- في تفتيق سلوكين وطبعهما في نفسي قدر الإمكان ، وهما :

- ترشيد العتاب والتلاوم

- كتم المخاوف المتفلتة على اللسان

فالأول في "عدم ترشيده" يُكسبك حالة من إرهاق النفس والقلب على سفاسف لا حظ لها من التأثير أو ربما ممنوعة في حقك أن تجريها على من حولك ، وهذا السلوك قبل إصلاحه : رأيته يرهق النفس كثيراً وربما يكون فتيلاً لخلق حزازات القلوب وحرث نوازع الشر في المخاصمات ، فيكون التخلص منه يتناص -مكملاً- مع سلوك "إحسان الظن" وبه يكتمل العقد المطرز بسلامة النفس علاجاً ووقاية . ولكن ليس إصلاح هذا السلوك يجعل المرء جامداً لا يعاتب ما يستحق العتب ، لا ؛ إذ ثمة مستثنيات أهمها إجراء العتب على : أسرتك وأهل بيتك ومن له حق العتب . وهؤلاء معدودون في حياتنا : الأخ والأخت والزوجة والصديق الملاصق والشريك ومن كان له صفة مؤثرة في حياتك . وما عداهم هو ما أعنيه بإصلاحٍ سلوكي في توقيف "كثرة العتب" .
أما الثاني فحالة تنافي التجلد والحزم ، وتكشف مشاعرك في غير موطنها ، بل إنها تجعل منك عند جليسك أو محدثك أو المحيطين بك = منزوع الاعتماد ، ومحل للتردد . وأقبحْ بهذه الصفات حينما تتشكل في عقل محدثك وجليسك ، بل إنِّ في كتمها يتحصل لك : اتزان النفس من تشغيب تلك المخاوف المفترضة ، وحسن التأمل في الأشياء والمواقف والمآلات ، ثم إنها تعكس في عقل محدثك وجليسك والمحيطين بك حالة من التجلد والصلابة والحزم وربما الهيبة ، لأن كتم المخاوف شجاعة في الظاهر ، وأجملْ بتلك الصفات أن تنطبع في عقل المحيطين بك .

لكن هنا تفصيل مهم وهو : إن القدر الذي نتحدث عنه في إلجام المخاوف من الظهور = يتحرر في فاعليتها قوة وضعفاً ، وتناسباً في إمكانيتها ، فليست كل المخاوف الناتجة عن اتخاذ قرار ما تكون محلاً للكتم ، هناك محترزات واستثناءات متروكة للتقدير إظهاراً وكتماً ، ولذا إنما يكون تحصيل سلوك "كتم المخاوف" بطرد الكثرة منها ، والمشوشة على القلب والنفس والمورثة لأصل الحيرة في النظر للأمور . فهي تؤثر سلباً على التفكير وتجعله حائراً متردداً .


12 / 12/ 2016