Image title
آنثوني سكاراموتشي، مؤسس Skybridge في نيويورك وجزء من حملة ترمب في الفتره الأخيره من الإنتخابات في ٢٠١٦.


آنثوني سكاراموتشي، يسمونه "The Mooch"، رجل أعمال من طليان نيويورك، شخصيته تذكرك ببطل فلم "Goodfellas" جو بيشي القصير القامه طويل اللسان، كان أحد اقوى المشجعين لترمب -بعد فتره من معارضته وشتمه قبل ان يصبح ترمب المرشح الرئيسي للجمهوريين- وانقلب حاله من ناقد الى مُصفّق ومبارز لمن ينقد الرئيس. قام بعرض مؤسسته في وول ستريت للبيع بعد فوز ترمب بالإنتخابات بناءً على وعود بتوظيفه في مهمة رئيسيه في البيت الأبيض، لم تُنفذّ هذه الوعود لكن تم تعيينه في مؤسسه اقتصاديه حكوميه صغيره مختصه بالصادرات والواردات، منصب غير معروف ولا أحد يهتم له. 

Image title
راينس بريبس مع دونالد ترمب فجر التاسعه من نوڤمبر ٢٠١٦ بعد إعلان فوز ترمب برئاسة الولايات المتحده الأمريكيه.


نأتي لراينس بريبس، سابقا كان راينس مدير الهيئه الجمهوريه الوطنيه "Rebuplican National Committe" وهي الهيئه المختصه بالتنسيق مع جميع المرشحين للحزب الجمهوري من السباق الفدرالي الرئاسي الى السباقات الإنتخابيه الصغيره كأعضاء الكونقرس ومجلس الشيوخ، مما يعني ان رأس الهرم لهذه المؤسسه واجبه أن يشرف على ويساند اعضاء حزبه وبالتالي تكوين علاقات واسعه ومهمه جدا. 

بعد فوز ترمب في الانتخابات كان راينس هو الرجل اللذي وقف معه على المسرح، يدين له ترمب بالكثير حيث لم يكن يؤمن بترمب الا القليلين ذلك الوقت، تم تعيين راينس كمدير للموظفين "Chief Of Staff" وهي ثاني أهم وظيفه في أمريكا بعد الرئيس، مسؤوليات من يستلم هذا المنصب متعدده لكن أهمها كونه حامي البوابه اللتي تدخل منها المعلومات والقضايا للرئيس، له سلطه عاليه ويرجع اليه جميع من في البيت الأبيض وهو -تقليديا -المسؤول عن جدول الرئيس. 

نأتي الآن لشون سبايسر، سبايسر المشهور من خلال سكيتشات برنامج ساتردي نايت لايڤ SNL معروف بانفعاله احيانا عند حديثه للصحفيين كونه المتحدث الرسمي للبيت الأبيض وهو منصب عالي ومرموق اعلاميا، سبايسر كان رفيقا لراينس في الهيئه الوطنيه الجمهوريه حيث كان المتحدث الرسمي لها. متعارف عليه أن راينس وسبايسر أتوا من الجناح التقليدي للحزب الجمهوري ولهم علاقات واسعه على مدى السنين ويحملون الافكار المحافظه التقليديه. منذ تعيين الاثنين راينس وسبايسر في البيت الأبيض مقابل جماعة ترمب الغير تقليديه ابدا ولا تمت للحزب الجمهوري التقليدي بأي شكل وهم يُصارعون من حولهم وتزداد الخلافات يوما بعد يوم. 

كان ترمب يطلب من سبايسر الكذب وتضليل الرأي والصحافه بشكلٍ فج ولم يرفض يوما لكنه كان واضحا عليه انه يعاني من ذلك لهجوم الصحافه عليه لأنهم يعوون محاولاته لتضليلهم وسرد الروايه المفضله للبيت الأبيض في كل قصه يكون محورها ترمب وافعاله. 

كان ترمب يتعمد اعلان بعض الأمور للاعلام قبل ابلاغ فريقه الاعلامي بذلك مما وضع سبايسر في مواقف محرجه كثيرا، وفي كثير من الأحيان كان سبايسر يجيب على اسئلة الصحفيين بـ "لا اعلم لم اناقش ذلك مع الرئيس حتى الآن" على الرغم من كون الاسئله عن قضايا محوريه ورئيسيه مما بان للجميع عدم تقارب ترمب معه كثيرا. 

احد المواقف اللتي وضحت عدم توافق الاثنين عندما زار ترمب البابا والفاتيكان وكان سبايسر كاثوليكيا محافظا وحلمه السلام عليه لكن ترمب لم يمنحه تلك الفرصه وقام باصطحاب غيره للزيارة ممن ليسوا كاثوليكيين ولا مهتمين. 

سكاراموتشي تم تعيينه الجمعه قبل الماضيه في منصب كان شاغرا لشهور وهو مدير الإتصالات "Communications Director"، لم يأتِ التعيين بسهوله، سكاراموتشي كان منذ شهور يريد العمل في البيت الأبيض لكن راينس كان أحد اسباب ابعاده عن العمل هناك منذ بداية فترة ترمب، راينس لم يكن يرغب بوجود "ذا مووتش" وهو كان يعلم ذلك جيدا -اعني سكاراموتشي- حتى فرض ترمب رأيه بتعيينه في هذا المنصب المهم لاعجابه بشخصيته. سبايسر كموالي وصديق لراينس لم يعجبه ماحدث، قبل التعيين كان سبايسر يقوم بمهامه كمتحدث وبدور مدير الاتصالات معا، بعد تعيين سكاراموتشي كان يُفترض عليه ان يقوم بالاستماع لأوامره! لم يتقبل سبايسر هذا الأمر (سبايسر كان معترضا على هذا التعيين ايضا). استقالة سبايسر لم تكن امرا بسيطا، أقصر فتره لمتحدث رسمي للبيت الأبيض كانت فتره سبايسر! ورغم ماعاناه وماقام به سبايسر من مهام انتحاريه لترمب خسر فيها احترام الكثير وسمعته الاعلاميه بل وحتى الثقه "Credibility".

كان واضحا بعد تعيين سكاراموتشي ان الوضع في البيت الأبيض سيتغير وتأمل البعض ان تصبح الرسائل الاعلاميه اللتي تخرج من البيت الأبيض متسقه مع الحزب والحقائق بدون تلفيق بعض الأمور لارضاء الرئيس. 

في وقت متأخر من ليلة الأربعاء الماضي غرد رايان ليزا صحفي من مجلة النيويوركر المعروفه عن اجتماع عشاء لترمب مع سكاراموتشي وبعض مذيعي فوكس والمستشارين الخاصين به، لم تعجب التغريده سكاراموتشي واتصل برايان محاولا معرفة مصدره -جزء من تعيين سكاراموتشي كان محاولة من ترمب للحد من التسريبات وكان يدعي انه عند بدئه للعمل رسميا سيطرد اي شخص حتى تتوقف التسريبات للصحافه - لكنه لم ينجح في ذلك فرفض رايان اعطاءه من هو مصدر المعلومه. 

بعد تلك المحادثه وفشل سكاراموتشي في كشف مصدر التسريب قام بتغريده غريبه (الساعه العاشره مساء) محتواها انني سأقوم بابلاغ جميع المؤسسات الأمنيه والأمن القومي للتحقيق في شأن التسريبات ثم أضاف حساب راينس في تويتر أمام التهديد! اتى سيل التغريدات بعدها متضمنا الكثير من عدم الفهم فلا احد يستطيع الجزم هل من المعقول ان يهدد سكاراموتشي راينس بريبس علنيا في تويتر هكذا!، خلال تلك الليه غرد الصحفي رايان "اذا كان لديكم شك ان سكاراموتشي يتهم راينس بالتسريب فلا تشكّوا، انا اؤكد ذلك لكم". قام سكاراموتشي بعدها بحذف التغريده وكتابه تغريده جديده مختصر محتواها انني لم اقصد اتهام راينس لكني كنت اعني اننا سنقضي على المُسرّبين بمساعدته. 

نأتي لليوم التالي، نشر الصحفي راين ليزا مقابلته مع سكاراموتشي عبر الجوال وحواره معه بعد الحادثه اللتي حصلت مع التغريده، كان راين موضحا له ان المكالمه "On the record" مما يعني قبولك باستخدام جميع ماقد تتفوه به في المقاله او الخبر، نُشرت تلك المقابله صباح اليوم التالي مليئه بكلمات بذيئه وسب علني لبعض مستشاري ترمب ومنهم راينس بريبس، نشر رايان عن سكاراموتشي قوله عن بريبس "مجنون ومضّرب" وعند حديثه عن المستشار الاستراتيجي بانون قال عنه "انا لست ستيڤ بانون، انا لا اقوم بمص **ـيبي بنفسي" مشيرا الى ان بانون يقوم بخدمه نفسه فقط ولا يكترث بمصلحة ترمب والإدارة ككل. 

ضجّت الصحافه الأمريكيه بمقالة ليزا واخذت حيزا ضخما ذلك اليوم. في ظهر اليوم التالي الجمعه، قامت المتحدثه الرسميه مكان رئيسها السابق سباير، ساره ساندرز باجابة سؤال احد الصحفيين عن المقاله بقولها "الرئيس يستمتع بقليل من المنافسه في البيت الأبيض"، كان امرا غريبا للكثير أن لا يدافع ترمب عن راينس مدير مكتبه، بل نشرت تقارير وتسريبات ان ترمب لم ينزعج من المقابله البذيئه كثيرا بل انزعج من التغطيه السلبيه اللي تلتها، كما كان يُشجع راينس ان يرد على سكاراموتشي وينتظر منه ردة فعل -فعليا هذا ماحدث، هذا هو اسلوب ترمب- لكن بدل ذلك تفاجأ الجميع عصر ذلك اليوم الجمعه باستقالة راينس، بعد ست شهور من محاولته لضبط لترمب خرج بشكل سيء امام الجميع وبدون من يدافع عنه من مكان عمله. 

Image title
ترمب ورئيس الموظفين الجديد في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي


تم استبدال راينس بالجنرال كيلي وزير الهجره وهو جنرال بثلاثة نجوم معروف بادارته الحازمه. لم يأت صباح الاثنين وبداية اول يوم لكيلي في وظيفته الجديده الا والصحافه تتسابق لاعلان استقالة آنثوني سكاراموتشي.

من اولى المهام اللتي قام بها كيلي صباح الاثنين اول يوم دوام هو ابلاغ سكاراموتشي بانه غير مرغوب به في البيت الأبيض وان القرار نهائي. 

كانت احد اسباب استقالة راينس ان سكاراموتشي لا يرجع اليه في السلم الاداري بل يرجع لترمب مباشرة مخالفا ذلك الاعراف التقليديه في هيكل اي اداره امريكيه، كيلي لم يقبل بذلك.

في نهاية الأمر، جميع الأطراف المتصارعه الثلاثه راينس وسبايسر وسكاراموتشي خسروا عملهم وخلّدوا مكانهم بالتاريخ بأقصر مدة تعيين في مناصبهم، اقصر مدير اتصالات (عشرة ايام!)، ست شهور لمدير الموظفين والمتحدث الرسمي، لا ننسى ان بداية فترة ترمب تمت اقالة مستشار الامن القومي في البيت الابيض لكذبه على نائب الرئيس واصبحت مدته اقصر مده لاي مستشار رئاسي في التاريخ!.