سنأنس في هذه المقالة بصحبة الشاعر الكبير والفيلسوف الشهير صاحب الرباعيات ذائعة الصيت ؛ عمر الخيام ؛ اذ انشد قائلا :
غَدٌ بِظَهْرِ الغيب واليومُ لي *** وكمْ يَخيبُ الظَنُ في المُقْبِلِ
ولَسْتُ بالغافل حتى أرى *** جَمال دُنيايَ ولا أجتلي
يؤكد الشاعر على أهمية اليوم , وضرورة الحفاظ على الزمن الحاضر , فالبعض يضيع وقته ويهدر ساعاته وايامه بالتفكير بما هو ات , ويشحن نفسه بالانفعالات والقلق والصراعات حد الثمالة جراء الاهتمام بالمستقبل وما يخبئه له , ويضرب اخماس في اسداس , عله يعرف ما سيحدث في قابل الايام متجاهلا ايامه الحالية ومهملا لوقته الحاضر , فهو يعيش بطاقة سلبية ويحرم نفسه لذة الاستمتاع بالحاضر بسبب قلقه على احواله في المستقبل , لذا يدعو الحكيم عمر الخيام الناس الى اغتنام فرصة الوجود والاستمتاع بالحاضر والاغتراف من مياه الحياة العذبة , والنظر الى الجمال والهيام به , فالغد ليس معلوما وقد لا يكون المرء من اهل الغد اصلا , اذ قد يموت المرء قبل مجيء الغد , وطالما خيب الغد امال البشر وبدد امانيهم واحلامهم , فالإنسان لا يستطيع التكهن بالمستقبل , فالأولى به اكتشاف الحاضر واغتنام اليوم والاستمتاع بوقته الحاضر .
الغد "غيب" في علم الله، و"الحاضر" ممكن يجب استثماره؛ لذا يجب على الإنسان العمل في نطاق "دائرة الممكن"؛ أي الحاضر وفرصه المتاحة ... ؛ فأمر الإنسان و فلاحه يرتبط بقضية "الوعي" بالحاضر وما يتضمنه من متغيرات وأحداث، وعليه الاستمتاع بما هو متاح في "يومه" والانجذاب إلى هذا الحاضر وما يحتويه ... ؛ والعمر" يمر سريعًا مثل "السحاب" لا يشعر بحركته أحد؛ لذا وجب علينا اغتنام ما هو ممكن ومتاح ولا تؤجل سعادتك الى غد لأنك لا تستطيع الجزم بكونك حيا في الغد , فقد تكون في عداد الاموات .
وطالما اصيب الاشخاص بالقلق والاكتئاب والبؤس والاحباط بسبب كثرة التفكير بالمستقبل ؛ والذي حرمهم لذيذ النوم احيانا , فالخوف من المستقبل وتقلباته قد يصيب المرء بالتشاؤم , و عليه لا تخفْ من المستقبل أبدًا ، المستقبل بيد الله، والمستقبل دائمًا يقوم على الأمل والرجاء , وقد لا تكون من اهله فمما تخاف ؟ّ!
إذًا نحن أمام أمر مهم جدًّا، الا وهو الحاضر، فالحاضر يجب أن يُعاش بقوة ، وهذا هو المبدأ العظيم الذي نراه أنفع من الناحية السلوكية والوجودية ، فركّز على حاضرك الآن، تأمَّل كيف تقضي وقتك، أدِرْ وقتك بصورة محترمة وفاعلة وحيوية ، رفِّهْ عن نفسك ، تعبد ، تواصل اجتماعيًا، ابْنِ صُحبة طيبة، كن بارًا بوالديك وبأحبابك ومعارفك ، مارس الرياضة، خصصْ ساعات مهمة للدراسة والتأمل ، جرب كل شيء , واستمتع بالجمال , واغتنم فرص السعادة واللذات , وابتعد قدر الامكان عن الكدر والبؤس والمنغصات ... الخ .