المقدمة
(1)
العيش مع الموتى , وفي ظلال الموت من خلال طقوس جنائزية وثقافة قبورية وسياسات شيطانية وعقائد سلبية , بل وطلب الموت والاسراع الى القاء النفس في التهلكة بحجة التدين والتشيع والوطن والعروبة و القومية والانسانية والقضايا المصيرية والأيدولوجيات الحزبية والتضحية والاستشهاد ... ؛ أصبح من سمات وادبيات و اوليات العراقي الشيعي في الحياة ولاسيما الجنوبي والفراتي ... فما من حرب الا وهو شهيدها وما من معركة الا وهو وقودها وما من جريمة ومصيبة وكارثة الا وهو ضحيتها , وان غاب عنك ابحث عنه في المقابر ومراقد الموتى والائمة ؛ تجده ينوح ويلطم ويندب حظه ويبكي كالثكلى المفجوعة في عصور الجاهلية الغابرة .
فقد عملت المؤسسة الدينية المنكوسة بمعية الساسة العملاء الغرباء والاعداء والاعلام المنكوس على تدجين العراقي الاصيل وتغييب عقله و وعيه وسلب ارادته وتجميد حركته وشل ارادته بحجة التدين والتقليد والاتباع وغيرها ... ؛ ورفده بالخرافات والخزعبلات والترهات , و تلقينه بكل ما يخالف العقل والعلم والذوق العام والوجدان ومواكبة التطور , حتى اضحى العراقي الاصيل كائنا مشلولا مشوها هامشيا سطحيا مضطربا متقلبا – منفعلا وليس فاعلا , متأثرا وليس مؤثرا , مستمعا وليس متكلما , مقودا وليس قائدا , تابعا وليس متبوعا - مكتئبا طوباويا يعاني من صراعات نفسية واجتماعية وثقافية لا عد لها ولا حصر ؛ وتحول المواطن الى كتلة من العقد والامراض والسلبيات ... ؛ ومن خرج منهم الى فضاء الواقع العملي و العلمي المعاصر والاعتدال والتنوير والتعليم العالي والتنمية والطاقة الايجابية والحياة السعيدة والافكار النيرة والآراء الحرة وتحدي الظروف والاعتداد بالنفس والهوية العراقية العريقة ؛ حاربه المرضى من ابناء جلدته من الذين لا زالوا قابعين في كهوف الظلام والانزواء - يرددون الشعارات السمجة كالببغاوات - , وسراديب التخلف والجمود والتحجر , وصومعات الأيدولوجيات المتهالكة العتيقة .
وبسبب هيمنة القوى الاجنبية الغاشمة على مقاليد الامور في العراق وسيطرة قوى الخط المنكوس على الاوضاع الداخلية وتفاقم الازمات وتوالي الحروب والانتكاسات والاضطرابات , اتسعت دائرة الدجل و الشعوذة وانتشرت المراقد الدينية الوهمية وتفشت بين الناس الخرافات والافكار الطوباوية والرؤى السوداوية حتى اضحت الرؤية ضبابية واختلط الحابل بالنابل ؛ واصبح العراقي ولاسيما الجنوبي والفراتي كحاطب ليل ؛ لا يعرف ماذا يريد , وَمَا يُرَادُ مِنْهُ ... !!
فقد اتسعت ظاهرة المراقد الدينية ومكاتب رجال الدين المنكوسين والمشعوذين والسحرة والدجالين في بغداد ومدن الجنوب والوسط ... ؛ ومن المعلوم أن ظاهرة انتشار تلك المراقد الوهمية و السحر والشعوذة والافكار الانهزامية والرؤى السوداوية والعقائد الطوباوية تتناسب طردياً مع انتشار الجهل والتخلف والضعف والفقر والخوف في المجتمع ؛ و التقهقر الحضاري الذي ترك بصماته الواضحة في كل شيء، وعلى كل شيء؛ وتعتبر هذه الظاهرة نتيجة طبيعية لتلك المقدمات التاريخية والسياسية , بالإضافة لغياب دور الحكومات العراقية في مكافحة الجهل و حيل النصب و الاحتيال واستئصال افة التخلف والامية ؛ من خلال سن قوانين صارمة تحاسب كل من تسول له نفسه استغلال المواطنين والضحك عليهم ونهب اموالهم بالباطل والدجل او بأسم الدين .
فما ان تعرج على مدن الوسط والجنوب بل اغلب مدن العراق حتى تتراءى لك لوحات الدلالة لمداخل المدن الصغيرة المترامية على جانبي الطرق الخارجية بين المحافظات الجنوبية والوسطى وغيرها ، تصطف بجانبها لوحات اخرى تشير إلى أضرحة لأولياء وشهداء وموتى وثوار ومعارضين ينتهي نسبهم إلى أئمة أهل البيت او غيرهم ، ويستند بناءها على مرويات شفاهية يتناقلها سكّان المناطق ليتأثر بها البسطاء في سياق الإيمان بالغيبيات واللجوء لها عند الملمات والمصائب والنكبات ؛ وهذه العادة قديمة قدم الدهر , فالمتحكم بثروات العراق و مصائر العراقيين الاصلاء هم المحتلون الاجانب ؛ ثم جاءت الحكومات الهجينة عام 1920 مع الاحتلال الانكليزي , وازداد الامر سوءا , مما اسفر هذه القسمة الضيزى والمعادلة الظالمة ؛ فاذا احتاج المواطن الدخيل والشخص الهجين او العراقي السني الكريم لأمر ما ؛ توجه الى رجالات الحكم في حكومات الاحتلال او الفئة الهجينة وتم له ما اراد ب لمح البصر ؛ بينما يذهب العراقي الاصيل الى اضرحة الائمة يتوسل الله ويقسم عليه بكل الانبياء والرسل كيما يقضي حاجته ؛ لان ابواب الحكومات الاجنبية ومن بعدها حكومات الفئة الهجينة موصدة بوجه العراقيين الاصلاء ... .
ان ما يجري من مهزلةٍ كبرى في العراق بخصوص المزارات المزيفة التي ينحتها ويصوّرها أرباب الديانة الشعبية وكهنة المعابد الوهمية في وسط وجنوب العراق، وانصياع جمهورٍ غفير لهذه المراقد الخرافية يدعو للدهشة والاستغراب ؛ إذ يمكنك في العراق أن تصنع مزارًا بنفس السرعة التي تحضّر فيها شطيرة فلافل، ولمجرد أن تقصص رؤياك إلى الناس بخصوص المزار الجديد، فسيحصل هذا الأخير على أوراق اعتماده بسرعةٍ فائقة تتعدى سرعة الحصول على أوراق اعتمادك لو كنت سفيرًا ؛ فما عليك سوى تنسيبه إلى آل بيت النبيّ ، وبهذا ستحظى بالحُسنَيَين : المال والجاه .
اذ يمكن لجرارٍ زراعي عاطل في أحد الأراضي الزراعية أن يتحول إلى مزارٍ مقدّس ، وتحاط به الخرق الخضراء من كل جانب ، أو يتحول عمود كهربائي عادي يبتسم له الحظ ليغدو منارةً "مقدّسة" يقصده المحرومون من العيش الكريم ويتبركون به , عسى أن يكون تعويضًا مرتقبًا عمّا سلبته منهم السلطات الاجنبية والهجينة والعميلة والمنكوسة في وضح النهار ... فللوهلة الأولى تبدو للمزارات الوهميّة وظيفة اجتماعيّة أكثر منها دينيّة ، تحاول فيها جمع الناس والتخفيف من معاناتهم، إلا ان المقدس والدنيوي يجاور أحدهما الآخر، يزحف احدهما على الآخر لأثبات الحضور- كما قال البعض - .
و تشير أحدى التقارير إلى أن من بين المصابين بحالات الرؤيا هذه ، المواطن جواد كاظم حميدي ، والذي بادر لرواية حكايته لأحد القنوات التلفزيونية ، قائلًا : (( قبل 5 سنوات كنت جالسًا في حديقة منزلي وإذا بالنعاس يغلب علي ، وتأتيني حينئذ الرؤيا ، وأجد نفسي فجأة واقفًا أمام رجل محاط بالنور ويقول لي : أنا السيد احمد المبرقع الموسوي من أحفاد رسول الله، أتيت من إيران لزيارة جدي الحسين في كربلاء أيام العباسيين، وقد قتلت مع ابني وزوجتي ودفنت في حديقة منزلك هذه تحت شجرة السدرة )) .
إنه كسبُ سريع يتّخذٌ من مافيات الفساد مُلهمًا، فإذا فسدت السلطة فسد كلُ شيء تمامًا , اذ إن فساد الرعية من فساد حاكمها وصلاحها من صلاحه ، والناس على دين ملوكهم كما يقال , إنّه احتلال من نوع آخر ، تتجه فيه أذهان الناس إلى الشعوذة والدجل والتشجيع على الديانة الشعبية ، يقابلها خواء شعبي فيما يتعلّق بالمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والخدمية ؛ فالمزار الملفوف بخرقٍ خضراء هو سلوة عزاء وسط هذه العدمية المتفشية في المجتمع العراقي ؛ وكالعادة يغط حكام ورجال الخضراء في نوم عميق وضمير مرتاح وكأنهم في كوكبٍ آخر .
و لقد أحصى الباحث الإسلامي عباس شمس الدين، في كتابه : "المراقد المزيّفة"، عدد القبور المزيفة في الفرات الأوسط وجنوب العراق وقد تجاوز عددها 19 قبرًا لما يسمّى "بنات الحسن" فقط ، والحقيقة أن بنات الحسن ، كما يؤكد شمس الدين ، 5 بنات فحسب ، كما أن الأمام الحسن بن علي لم يزر أرض الرافدين فضلًا عن بناته ؛ بعد تنازله عن الحكم وذهابه الى المدينة .
وقصة المزارات المزيّفة ليست غريبة ولا هي وليدة أوانها كما مر عليكم انفا ؛ ففي التسعينيات كان لمرقد "علي ابن الحسين" في قضاء المحاويل ، الذي يقع في الجنوب الغربي لمحافظة بابل ، حصة الأسد من الخرافات ، فتصدّى لها المرجع الراحل محمد محمد صادق الصدر ، ووقف بوجه الدجل آنذاك وحطم خرافة هذا المرقد ، وامتنع مقلدوه من الذهاب إلى هناك ؛ غير أن المرقد بقي شاخصًا ، فما يُلزِم أتباع الصدر لا يُلزِم غيره ، ذلك إن المتشرعين الشيعة لا يجمعهم مرجع واحد، وبالخصوص مرجعٍ مثل محمد محمد صادق الصدر الذي أثار جدلًا واسعًا بين الأوساط الشيعية في حينها ؛ والمهم في الأمر ، أنّه وقف في وجه هذا المرقد الخرافي وخفّفَ من زيارته إلى حدٍ كبير ؛ وان كانت نسبة كبيرة من بسطاء الشيعة لا تعير التقليد اية اهمية في حياتها اليومية والعملية ؛ فهي تصلي وتصوم وتبيع وتشتري ... حسب العادة والفطرة والعرف .
ولم يكتف القائمون على تلك المراقد من الدعوة الى انها تقضي حوائج الزوار بل تحوّلت هذه المزارات إلى "مراكز طبيّة"، بل أطرف من ذلك بكثير : هناك مزارات متخصصة بالأمراض المستعصية واخرى لتسهيل زواج البنات او تسهيل الانجاب وهكذا ، ويصر مبتدعوها أنهم "مكلفون" بواسطة الرؤيا ... إذ يحلَ عليه أحد أسلافنا الغابرين ليسرد له ما حل به من نسيان ، ثم يسرد سيرته مفصّلةً مثلما يفعل المؤرخون الأفذاذ ، فيوثّق صاحب الرؤيا هذا الحدث "المقدّس" ليتوافد عليه الناس من كل حدبٍ وصوب، وينفتح بوجهه باب الرزق على مصراعيه.
(2)
الايمان بالغيبيات والخرافات تلبي حاجة نفسية عميقة لدى البشر وتعطيهم طمأنينة و وكلما زاد الجهل والاضطرابات في مجتمع معين ازدادت هذه الظواهر وهي تعطي اجابات لمن يؤمن بها حول الكثير من الامور التي تؤرق الانسان وخاصة الموت و ما بعده ؛ فحسب الاحصاءات ٨٥% من المجتمعات البشرية تؤمن بأحد الاديان ؛ واقل من ١٥ % هم من لا يؤمنون بدين معين او لا ادريين او ملحدين و معظمهم في المجتمعات الغربية ....
فالإنسان منذ بدائيته الأولى كان مسكونا بهواجس عدمية وقلق وجودي ، واسئلة ملحة تتمخض عن تجاربه الحياتية اليومية وتأملاته في نفسه وفيما حوله ، حتى وجد ضالته في الآلهة ؛ لتهدئ من قلقه وتكسبه الراحة والطمأنينة .
وقضية العقل أو بعبارة أدق القدرات العقلية لا دخل لها في قضية الإيمان من عدمه ، فثمة عباقرة مؤمنون وعباقرة ملحدون ، و أغبياء مؤمنون وأغبياء ملحدون ، وهناك من يقف فريسة لشكوكه وهواجسه ولا تطمئن نفسه لأي من الخيارين فيكون اشبه باللامنتمي ... ؛ لكن 70% من البشر يجدون في الدين ملاذا روحيا حيث السكينة والراحة والاطمئنان ، ولا يسعهم العيش من دون ذلك ... والحجة والدليل سواء كان نقليا ام عقليا سيكون مقبولا طالما عزز وانتصر لراحة النفس واكسبها طمأنينة الايمان وبخلافه محض شبهة ومغالطة ودس السم في العسل وإلى آخره... ,بل حتى السحر و العمل بالسحر لا يختص بفئة معينة – كما ذهب الى ذلك البعض - ، بل هو هواية او هوية مثل بقية الهوايات والهويات لا علاقة له بدين او طائفة ... فبلاد المغرب مشهورة بالسحر وسكانها مسلمون ... وكذلك الهند مشهورة بالسحر وهي خليط من الأديان ... فضلا عن بلاد السحر بلاد هاروت وماروت العراقية , وسيبقى هذا ديدن الناس إلى فناء البشرية... هذه باختصار كل الحكاية... ؛ يبدو أنه لا مناص من تغيير هذه الشعوب إلا باتباع العلم والمعرفة والمناهج العلمية في البحث او تكييف تلك الظواهر وفقا لمعايير المجتمع المدني المتحضر والقوانين .
(3)
المجتمعات الراكدة تذعن وتصدق بكافة الدعاوى الطوباوية والادعاءات الميتافيزيقية وتقدس اي شيء يغلف بالغلاف الديني وتعشق الاستغفال وتهوى الاستحمار ؛ ولان ابناءها يستمون بالطيبة والسذاجة والجهل ؛ يكثر فيها المشعوذون والدجالون والمخادعون والمنافقون والمرائون والنصابون ... الذين يجيدون الضحك على الذقون ويعرفون من اين تؤكل الكتف ؛ ففي هذه المجتمعات المريضة يكبر ويمجد ويقدس ابناءها كل شخص يحدثهم بالغيبيات والماورائيات ويسكن واوجاعهم وآلامهم ؛ وذلك من خلال إرشادهم لمرقد مزيف او مزار وهمي ويبتدع له زيارة ودعاء ؛ ولا يطالب بالدليل والبرهان ؛ واذا ما جاء شخص واعي او متدين ايجابي وارشدهم للحقيقة وكشف لهم المستور وعرض لهم عشرات الادلة على صدقه وكذب دعوى هؤلاء ... ؛ رفضوه وحاربوه ... , وبهذه الكيفية تتزايد اعداد المزارات وتتكاثر المراقد ويستمر الجهل والتجهيل ما داموا يقدسوا اللامقدس ويركضوا خلف السراب – كما قال البعض - .
فكل شيء عند المتديّن ينطوي على سر، وعلى قدرة ربانيّة تجعل الحجر مزارا والحيوان شفيعا ، فمن يؤمن بالغيب لا حدود لمخيّلته في إنتاج طقوس ورموز وشعائر تعمّق إيمانه ، وتعينه في تحمّل صعوبات الحياة اليوميّة ؛ و المتديّن لن يعاني كثيرا في استحضار الشواهد والحوادث من المصادر التاريخيّة التي تؤكد طقوسه ورموزه، فمنذ القِدم كان لظواهر الطبيعة ومفرداتها قداسة بدائيّة، تُشفي وتُطهّر وتُخلّد الأرواح، استلهم منها الأوائل اساطيرهم وحكايّاتهم، ثم ارتبطت تلك الظواهر بالأديان، وبعدئذ ارتبطت بالطوائف، وهي في طريقها إلى ان تكون مهزلة يتنكر لها حتى اصحابها... فالطقوس والرموز والمزارات كغيرها من نشاطات الإنسان ، تارة تتعقلن وتارة أخرى تتعفن وتغيب، لتحل محلها مزارات أخرى تداوي علل أخرى... . (1)
ومن القصص الطريفة في هذا المجال يحكى انه كان هناك رجلان شريكان في عمل وفي ذات يوم كسد ذلك العمل وأصبح لا يسد رأس المال ففكرا في فكرة تدر عليهما أرباح كثيرة وبدون رأس مال وليس فيها خسارة وعليها إقبال شديد من الناس،، و الفكرة هي دفن ساق حمار في منطقة نائية ثم بناء على ذلك الساق مرقد والكتابة عليه (( مرقد السيد أبو ساق )) ثم كتابة قصة مخترعة تكتب على واجهة المرقد بأن السيد سمي بهذا الاسم لأنه كان هناك رجل قد مر بالمرقد وأعرض عنه ولم يزره فما مرت إلا خطوات حتى كسرت ساقه فعلم الرجل أن صاحب المرقد ذو مكانة عظيمة عند الله تعالى فبناه وكتب عليه مرقد السيد أبو ساق ... , ومنذ تلك الحادثة صار هذا المرقد بهذا الاسم ، وفعلاً نفذ الرجلان الفكرة ودفنوا ساق الحمار وكتبوا القصة على المرقد وما مضت إلا أيام حتى أصبح المزار تزدحم عليه الزوار من كل مكان والناس تأتيه من كل فج عميق ثم أصبحت الناس تروي للمرقد كرامات ومعاجز كلها من نسج الخيال حتى أن الرجلان في ذات يوم اختلفا على تقسيم الأموال الواردة للمرقد من الزوار فصار بينهما شك بأن أحدهما يسرق من الشباك دون علم الآخر فصار الرأي أن يقسم ( يحلف ) الرجل المشكوك فيه لصاحبه فقال المشكوك فيه وحق السيد أبو ساق آني لم أسرق من الشباك فضحك صاحبه ضحكة عالية مقهقهاً وهو يقول لصاحبه : (( مو احنه دافنينه سوه شلون تحلف بيه يعني تريد تضحك عليه هاي الكلاوات مشيه على الناس الغشمه والفقرة مو عليه آني فأنتبه صاحبه وقال له والله العظيم آني نسيت السالفة وكنت جاد بالقسم عبالي صدگ سيد )) ... في احيان كثيرة يصدق الشخص كذبته والمؤدلج دعوته حتى وان خالفت الواقع والحقيقة ؛ اذا مضى عليها زمن طويل ... فالكذبة بمرور الزمن تصبح كأنها حقيقة ... والشاهد في هذه القصة : حول كيفية نشوء المراقد - بل والكثير من الادعاءات - وتطورها وصيرورتها حقيقة مقدسة غير قابلة للنقد او التكذيب او النقاش .
و من الروايات الجميلة التي تتحدث عن هذه الظاهرة رواية الدكتور ابراهيم للكاتب العراقي الكبير ذو النون ايوب والتي يصف بها انتهازية الدكتور ابراهيم وخسته التي ورثها عن ابيه الانتهازي ايضا والذي استغفل ابناء احد القرى بقدسية ضريح وهمي لاحد (اولياء الله)الصالحين طبعا ... حيث ادعى ان هذا الولي قد زاره في عالم الرؤيا واخذ والده يجني من هذا الضريح عائدات النذور والهبات والهدايا ؛ حيث صدم الدكتور ابراهيم عندما كان يافعا ؛ بان هذا الضريح المقدس لدى العامة ليس له اية قدسية عند والده الذي اصبح سادنا لهذا الضريح ... احداث الرواية كثيرة ومتشعبه كلها انصبت لوصف الانتهازية والخسة والجشع ... .
و هنالك قصة متداولة وادعى البعض انها حقيقية وقد تكون من نسج الخيال , مفادها : كان هنالك دير وفيه صندوق يحتوي على عظام قديس ميت , والناس تأتي الى هذا الدير لزيارة الصندوق المقدس وطلب الحوائج كالشفاء من الامراض وغيرها , وطالما تحققت امنيات الزوار وقضيت حوائجهم ؛ وفي احد الايام دخل حرامي للدير وسرق الصندوق المقدس والذي يحتوي على عظام القديس ؛ وعندما علم سدنة الدير من القساوسة بالأمر , اصيبوا بالدهشة والذهول , وقرروا اغلاق الدير بوجه الناس والزوار بحجة الترميم , وتدارسوا الامر فيما بينهم ؛ فقرروا الاتيان بعظام مجرم مدفون بأحد القبور القريبة من الدير و وضعها في صندوق شبيه بالصندوق المسروق وافتتاح الدير مرة اخرى ... وتوافد الناس كالعادة على الدير وطلبوا حوائجهم كالمعتاد واستمر الامر بصورة طبيعية كما كان سابقا , وايضا تحققت امنيات البعض وشفي البعض الاخر من الامراض ... وهكذا ؛ عندها عرف القساوة ان الامر لا يتعلق بعظام القديس او المجرم بقدر ما يتعلق بطاقة الناس انفسهم وايحاءاتهم الروحية والنفسية ...!!
نعم : لا تستغرب من وجود هائلة كبيرة من النورانية في بعض المراقد المقدسة الحقيقية والتي تحتوي على جثامين شخصيات دينية وتاريخية لها باع طويل في الروحانيات والطاقات الإيجابية والاخلاق النبيلة ؛ بالإضافة الى وجود المرايا والكريستال والعطور والمجوهرات فيها ... الخ ؛ مع توافد الناس البسطاء واصحاب القلوب الطيبة وذوي الطاقات الروحية الايجابية اليها ... ؛ فكل هذه الامور والاشياء تعتبر من مولدات الطاقة الايجابية والتي تساعد الزوار على الشعور بالراحة والسكينة والطمأنينة والسعادة واحيانا تحقق الامنيات والطلبات ... .
ولعل بعض الذين يرددون مقولة : ((الدين أفيون الشعوب )) لم يكونوا يقصدون نفي الاله او يهدفون الاساءة للدين ونكرانه ؛ بقدر ما ارادوا الاشارة الى استغلال الشعوب باسم الدين من خلال محاولات تغييب الوعي والمنطق ومحاربة العلم واضفاء الشرعية على الفساد ... ؛ و من مصاديق هذا الكلام : الاكثار من انشاء المقامات الدينية واقامت المراقد الوهمية في العراق من اجل جني الاموال الطائلة ونشر الجهل والتخلف والفكر المنكوس تحت عباءة الدين ... .
وعليه لابد للمؤسسة الدينية العراقية الاصيلة وديوان الوقف الشيعي وغيارى الاغلبية من التصدي للدجل والخرافات والشعوذة وفضح المزارات المزيفة والمراقد غير الحقيقية والتي يزداد عددها يوما بعد يوم , وتوعية البسطاء والسذج وكشف الاعيب كهنة وسدنة تلك المزارات الوهمية واتخاذ التدابير القانونية الصارمة لمحاسبة المضللين والدجالين الذين يتاجرون بهموم واوهام الناس , ويضحكون على عقول الحمقى والبلهاء الساذجة ويتلاعبون بفطرتهم السليمة ( او بالأحرى فطاريتهم ) ... ؛ بالإضافة الى ان الواجب الوطني والاخلاقي والشرعي يحتم على الجميع حماية الاغلبية من هؤلاء المنكوسين والحفاظ على سمعة مذهب التشيع العالمية وقطع الايادي المشبوهة والتي تحاول العبث به من خلال بث سموم الخرافات والغلو والدجل والخزعبلات , وتكريس مظاهر الجاهلية في حياة الناس ... خدمة لأعداء التشيع والاغلبية العراقية والامة العراقية بل والاسلامية .
اما ان الاوان كي نصحو من غفلتنا الطويلة وننهض من كبوتنا الحضارية , وننبذ هذه الخرافات والاوهام ...و الى متى تبقى الايدي الاجنبية والخبيثة والمنكوسة تغذي وترعى هذه الظواهر السلبية في بلادنا ؟!
(4)
الدين ورجاله ومؤسساته تعتبر بنظر البعض من الناس ولاسيما البسطاء ؛ هي الملجأ الاخير للإنسان بعد ان يفقد اخلاقه ومبادئه السامية او مشاعره الانسانية النبيلة اوثقته بالمجتمع والدولة والناس او عندما يفقد الامل وينقطع الرجاء بالخلق ... ؛ و واحة النزاهة والزهد والتقشف والطمأنينة والقناعة والشرف والامانة والسكينة ... الخ ؛ بل مصداقها الابرز في الواقع ؛ هكذا يظن الناس خيرا بالمؤسسة الدينية , وعليه يجب على المؤسسة الدينية ورجالها والوقف الشيعي والسني وموظفيه الالتزام بالنزاهة والشفافية في كشف الملفات التي تخص الاموال الدينية وبصورة واضحة وتفصيلية ؛ لأنها تخص الدولة والامة العراقية ومصالح الشعب العليا , فأن اخفى هؤلاء اموال الاوقاف والمراقد والمزارات والمساجد وباقي موارد الاوقاف المالية , وتم التعتيم الاعلامي على حركة تلك الاموال ؛ أعلم ان وراء الأكمة ما وراءها , وان السرقات والفساد والامور قد دبرت بليل بهيم - ( يعني ظلمة والدليل الله كما يقول المثل الشعبي الجنوبي ) - ... ؛ اذ لا احد يعلم كم هي مقدار الاموال التي تجبى من المراقد المقدسة والاضرحة والمقامات الدينية ... و التي تأخذ من المواطنين العراقيين بحجة الخمس والنذور وردود المظالم ومجهول المالك والزكاة ... ؛ واين تذهب ؟ وكيف تصرف ؟ ومن هو المسؤول عنها ولماذا ؟
لم ولن تحصل على الاجابة الشافية , لا يوجد في جعبتهم سوى الكذب والمراوغة والاحتيال والتدليس ... والمشاريع الخيرية الوهمية والبسيطة ؛ وذلك لذر الرماد في العيون ؛ وهؤلاء ينطبق عليها القول المنسوب للإمام علي : (( من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء؛ فإنه لو غص بغيره لأساغ الماء غصته )) ؛ فكان العراقي عندما يغص بفساد المؤسسة السياسية ؛ يهرع الى المؤسسة الدينية كي ينهل من معينها العذب ... فكيف به اذا غص بالماء - (( أي اذا صدم بالمؤسسة الدينية وخاب ظنه فيها ... اين يذهب عندها )) ؛ عندها ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي : ((ردتك عون طلعت فرعون )) او (( كالمستجير من الرمضاء بالنار )) وان كان البعض يذهب الى تحالف الساسة ورجال الدين في الخفاء لاستغفال الناس وتمرير المخططات او كما يقول المثل الشعبي : (( واحد يرفع و الثاني يكبس )) .
(5)
مراحل نشوء المرقد المقدس
يمر بناء المرقد الوهمي والمزار المزيف بمراحل عديدة ، وأولى مراحل تكوينه الرؤيا او الادعاء : بأن يرى احدهم رؤيا او حلم او قد يتفق اثنان او اكثر على ذلك او قد يجتهد احدهم بأن مرقد فلان الفلاني وفق الكتب التاريخية يقع في هذا المكان او ذاك ... وهكذا ؛ ثم يتم بناء غرفة صغيرة او شباك حديدي عادي في بداية الامر ؛ قبل مرحلة الانتشار ، ثم تحاك قصص الكرامات والمعجزات - حكايات عن العاقر التي حملت وعن المريض الذي شُفيّ وعن الغائب الذي عاد والفقير الذي اغتنى والعاطل الذي عثر على فرصة عمل ... الخ - و ( الجنجلوتيات ) مع ربط تلك الاحداث وصاحب المرقد بالأئمة ؛ من خلال شبكة كبيرة من الاعلاميين الشعبيين والمتواطئين والمستفيدين بل وحتى من خلال وسائل الاعلام الرسمي والمعروف كما حصل في مرقد شريفة بنت الحسن ومزار القطارة , وبعد شيوع شهرته ومعرفة حكايته ؛ يتم تطوير المرقد وترميمه وتوسيعه ؛ ثم يتولى سدانته بعد الاباء الأبناء والأحفاد ... ثم تهدى للمقام الاموال والنذور , ويتبرك به العامة من السذج والبسطاء ؛ ثم تبدأ الادعاءات التاريخية بقدم هذا المرقد او ذاك ودعم الادعاءات ببعض الروايات الاسلامية الملفقة او شهادة الشخصيات الدينية الرخيصة .
ومما يروى في هذا الصدد ان طفل عراقي مات في احدى حروب صدام العبثية المدمرة , ولم يستطيع ذووه من دفنه في مقبرة النجف الاشرف او في احدى مقابر الاطفال الموجودة في بعض المدن , وبما انهم كانوا يقطنون منطقة ريفية وبدائية ؛ يسكنها البسطاء من الفلاحين ومحدودي الدخل والفقراء بالإضافة الى سذاجتهم وقلة ثقافتهم ومعرفتهم ؛ تم دفنه عند تل اثري يعرف محليا : بـ"الإيشان" من قبل اهله وهم من بني هاشم ( السادة ) ، وبمرور الايام اصبح مرقدًا صغيرًا يزار من قبل نسوة المنطقة ، ويُقسم به الرجال في حديثهم ، وخلال فترة اشتهر المقام وبدأ الكثير يزورونه، وسرعان ما تداول الجميع حالات الشفاء ، والاستجابة، معتبرين إياها من بركاته ، ليتحول إلى صحن أكبر وأضيف له قفص حديدي ، بالإضافة إلى سياج خارجي ... ولم يهتم الناس بحقيقة الحادثة وبدأوا يتوافدون عليه ويتبركون به ويأتون بالنذور طلبا لقضاء الحوائج .
علما أن الكثير من المراقد في القرى والأرياف تعود في حقيقتها إلى قصص مشابهة ... لكن المخيال الاجتماعي هو من تداول قصص تقديسهم ، وبمرور الوقت قد يقول الناس عن أضرحتهم إنهم أولاد أحد الأئمة ... وهكذا تستمر القصص القديمة المتجددة ... .
وطالما استند كهنة وسدنة هذه المراقد والمقامات الى رؤية احد الائمة في المنام والذي يطلب منه بناء هذا المرقد او ذاك المقام ؛ وتحولت الرؤيا - باعتبار أن الرؤيا الصالحة جند من جنود الله ؛ و الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ؛ حسب بعض الروايات الاسلامية لدى الفريقين – الى برهان من القداسة ... ؛ ورأس مال لتجارة لن تبور ينال أصحابها بفضلها الشهرة والمال، حيث يدعي الكثير شفاءهم من المرض بعد رؤية أحد الأئمة في المنام ، ما يدفع البسطاء نحوهم للتبرك بهم وطلب حاجاتهم بواسطتهم، ولا يطلبون بالعادة أي مبلغ محدد، ويكتفون بما يمنح لهم من الآخرين.
واليك قصة اخرى : على بعد 20 كم عن المدينة، وفي طريق زراعي ، تسير عشرات السيارات بشكل يومي نحو "العلوية" للتبرك ، وقصتها ـ بحسب الناس ـ أنها كانت تعاني من مرض عضال عجز الطب عن علاجه، وبعد أن أصابها اليأس زارها في المنام أحد الأئمة وأجرى لها عملية جراحية شفيت على إثرها ... وبدأت وفود النسوة بالذهاب الى العلوية التي تجلس في غرفة طينية فيما تجلس واحدة من عائلتها لتنظم الطابور وتطلق التوصيات بعدم الإطالة ، والضغط عليها ، وتقوم العلوية بقراءة الآيات القرآنية على المرضى ...، فيما تزدحم باحة المنزل بالهدايا والنذور فضلًا عن الأموال الكثيرة ... . (2)
(6)
من وراء المراقد الوهمية :
لعل سائل : من يقف وراءها ؟ انهم شلة كبيرة ومختلفة من الدجالين والمتنفذين والمتسولين والعاطلين عن العمل والجهلة المتخلفين والعملاء المنكوسين ؛ تجمعهم غايات مبيتة تتمثل في : الاموال الطائلة والثروات الخيالية , او الوجاهة الدينية والاجتماعية والسياسية والاعلامية , او تحقيق اهداف اجنبية مشبوهة , ... واحيانا الطمأنينة والسكينة النفسية للبعض منهم ولاسيما الجهلة والسذج او اصحاب الرياضات الروحية ... .
وقد قرأت في احدى منشورات مؤسسة السيد الخوئي في لندن ابان العهد البعثي الصدامي ؛ تقريرا يقدر وارادت المراقد المقدسة والمزارات الدينية الاخرى في العراق ب 5 مليار دولار ؛ بينما قدر البعض وارادتها ب 2 مليار دولار سنويا ؛ ولا زال الملف غامضا وتحيط به السرية ولا يستطيع احد الاقتراب منه مهما على شأنه ؛ فالمزارات الدينية الوهمية في العراق ، جهل مقدس و تجارة رابحة لن تبور ؛ وقد سألت احد معارفي - وقد ورث مسجدا وحسينية من ابيه السيد - عن احواله فقال : (( الحمد لله , على الرغم من جلوسي في البيت وعدم ممارستي لأي عمل تجاري او التزامي بوظيفة حكومية او ما شابه ؛ اعيش عيشة رغيدة من خلال ايجار قاعة المسجد للمناسبات وايجار التوابيت لذوي الموتى واجور التغسيل والتكفين , واجور عقود الطلاق والزواج ؛ فضلا عن الهدايا والنذور ... )) هذه حال المساجد والحسينيات فما بالك بأرباح المراقد والمزارات ؟! .
وما الغاية منها :
من الواضح ان المؤسسة الدينية المنكوسة تحولت الى الة تشفط اموال الشيعة ولاسيما الاغلبية العراقية وتسلب ثرواتهم بحجة الافراح والاحزان الدينية المستمرة و الاحداث الاسلامية الكثيرة والتي تستهلك اوقات وثروات وطاقات العراقيين الاصلاء , بل ويطلبون من الاغلبية العراقية بذل المهج والدماء ايضا ؛ بينما تعيش عوائلهم ( عيشة الملوك ) ويتسكع ابناءهم في ضواحي باريس ولندن ... ؛ ولان استغفال الناس بالمراقد الوهمية و انشغالهم بالمزارات المزيفة مهما توسعت وتمددت واتسعت ؛ يعتبر من الاعمال المشروعة بل والمحببة من قبل رجال الدين المنكوسين والدجالين – وبغض النظر عن عدم مطابقتها للروايات الدينية او الحقائق التاريخية - ؛ لانهم يعتقدون ان الناس عندما يذهبون الى تلك المراقد والمزارات فأنهم يتوجّهون فيها إلى الله الّذي نريده لهم، وفي الوقت نفسه نتمكّن من الإمساك بنواصيهم ونسيّرهم كيف نشاء ونُريد، وفيها منافع دنيويّة كذلك تعود لنا ولعناويننا ولمن هو في ركبنا في نهاية المطاف – كما قال البعض – وافضل من ذهابهم الى الاماكن العامة والمتنزهات ومدن العاب الاطفال وغيرها ؛ مخافة الوقوع في المحرمات وما اكثرها - هذا لسان حالهم - ... ؛ علما ان بعضها قد يتحول الى مكان سياحي ترفيهي وملتقى للعشاق وقد تمارس فيها الموبقات والمحرمات كالقطارة نفسها بشهادة الشهود ؛ نعم قد تصدى بعض رجال الدين لهذه الظاهرة وفند ادعاءات السدنة والمستفيدين كالسيد محمد الصدر وغيره كثيرون ؛ ففي عقد التسعينيات من القرن الماضي كان لمرقد “علي بن الحسين”، في قضاء المحاويل ، الذي يقع في الجنوب الغربي لمحافظة بابل ، حصة الأسد من الخرافات، والتي تصدّى لها آنذاك المرجع الديني محمد صادق الصدر، وامتنع مقلدوه من الذهاب إلى هناك ؛ غير أن المرقد بقي شاخصا حتى اللحظة... فيما كان السيد محسن الحكيم متعاون مع السلطات بفترة ما، وأعتقد في زمن عبدالكريم قاسم بهذا الخصوص – طبقا لشهادة بعض المعاصرين - ، حيث يروى أن رجلًا أتاه وأخبره أن فاطمة الزهراء قد زارته بالمنام، وطلبت منه بناء مرقد لها، فرد الحكيم على الرجل ومن يصدقك في حياتك حتى نصدق رؤياك، وأمر بهدم المرقد بالتعاون مع السلطات ... .
والحكام المنكوسون يشجعون بناء المقامات الوهمية والمراقد المزيفة ؛ حتى يلجأ اليها العراقيون البائسون والمواطنون الفقراء والسذج والغافلون والمغلوب على امرهم ؛ كي يبقى البعير على التل ؛ فلعل الواجبات والمسؤوليات الحكومية وحقوق وامنيات المواطن العراقي البسيط و التي لا تحققها الحكومات المنكوسة ؛ تتحقق بواسطة مقام سيد حمد الله او قبر سيد مالك ؛ او تنجز البنى التحتية وتتحسن الاوضاع المعيشية ببركة العلوية خضراوات او مقام القطارة او سميجة بنت الحسن ... ويستمر مسلسل التجهيل وتغييب الوعي والعقل العراقي الجمعي ؛ لان الحاكم الظالم والفاشل والفاسد لا يشعر بالخوف من السذج والجهلة ولا يعيرهم اية اهمية ؛ بالإضافة الى دعم القوى الاستعمارية الكبرى والمخابرات الدولية لتلك المؤسسات الدينية والمراقد الوهمية لإبقاء دول العالم الثالث تدور بنفس الدوامة .
و ينتشر مفهوم القدسية في البلدان الاكثر تخلفا والتي تعيش حالة من الفوضى لان المسيطرين على مقاليد الحكم في هذه البلدان يعملون بطرق مباشرة وغير مباشرة على الهاء الناس بالخرافات والخزعبلات والترهات , و اضفاء القدسية على كل شيء ؛ لكي يشعروا الناس بوجوب احترام تلك المقدسات الوهمية وعدم التعرض لها او التشكيك فيها ؛ فالاعتداء عليها بأي شكل من الاشكال سوف يجلب الخطر والشر والبلاء للإنسان البسيط والمواطن العادي ... وتعمل تلك السلطات بالتعاون مع المؤسسات الدينية المنكوسة على حماية تلك المراقد والمزارات ؛ مما يشكل في وعي او لاوعي المواطن حالة من الرهبة ازاء عدو وهمي متمثل بصاحب هذا المرقد او ذاك ... وتنتشر المقولات المنكوسة والباطلة من قبيل : (( دير بالك لا السيد يشور بيك ؛ لو يمرضك , لو يطلعها بعرضك ... )) وبهذه الحيل الشيطانية ينشغل الناس ولا يفكروا بحياتهم المأساوية التي يعيشونها وبؤسهم الملازم لهم اينما حلوا وارتحلوا ... .
(7)
اسباب الظاهرة
1-تقصير رجال الدين المتنورين والعقلانيين والمؤسسة الدينية العراقية الاصيلة ؛ اذ يقع على عاتقها مهمة ارشاد وتوجيه الجماهير الشيعية والاسلامية لكل ما هو حقيقي وايجابي ؛ بالإضافة الى ضرورة تصديها لرجال الدين الدجالين والجهلة المخرفين , والعملاء المرتبطين بالمخابرات الدولية والمؤسسة الدينية المنكوسة وتنفير ابناء الامة العراقية منها ولاسيما الاغلبية العراقية .
2-استمرار الانماط الحياتية القديمة والاساليب العتيقة والمرتبطة بالتاريخ السحيق للأقوام العراقية الاصيلة ؛ فهي اشبه بالممارسات الطقوسية الغرائبية والشعائر الطوطمية والغاطسة في اللاوعي الجمعي العراقي والمتوارثة كابرا عن كابر ؛ فأرض الرافدين ارض نشوء الديانات الاولى والروحانيات والسحر والماورائيات ... .
3-نظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والتقلبات السياسية الدموية والقاسية والاوضاع المعيشية المزرية , وانعدام الامل بانبثاق عهد سياسي زاهر او حصول نهضة ثقافية واجتماعية واقتصادية وصناعية وزراعية كبرى ... , اصبح العراقيون يبحثون عن مراكز مرجعية امينة توفر لهم الشعور بالطمأنينة والامن والسكينة بعد ان فقدوا الامل واحاطت بهم العدمية من كل جانب ؛ فلم يجدوا سوى المراقد والاضرحة والمقابر ليضفوا عليها سمات القداسة والجلالة ؛ ومن الواضح إنّ المقدس ليس شعورًا عابرًا، وإنّما بنية راسخة في الذهنية العراقية ؛ فيتّوسّل الناس رموزًا وحكايات ومواقف كتعويض مفرط لما سلبته منهم السلطات الاجنبية والعميلة الظالمة ؛ وعليه لا تستغرب من ان تكون حصة المحافظات الوسطى والجنوبية الفقيرة من هذه الخرافات واسعة للغاية ، بل إنّها تتمركز في هذه المحافظات حصرًا ، وبالتحديد المناطق الريفية الفقيرة.
4-ومن أبرز الأسباب في تفشي المراقد المزيفة هو غياب المؤسسات التعليمية والثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الايجابية ، إذ أن غياب الدولة والعناصر الوطنية الفاعلة يخرج الأفاعي من جحورها، وتظهر الناس أسوأ ما في جعبتها ، ويتحوّل الإنسان إلى : " ذئب لأخيه الإنسان"، على حد تعبير توماس هوبز ، فللدولة هيبتها ونفوذها .
5-الانهيارات المتكررة للدولة العراقية والنظام الاجتماعي ، ولاسيما الانهيار الاخير – عام 2003- الذي اسفر عن نمط نظام المحاصصة الذي يؤيد الأشكال التعبيرية التي تنمي الشعور الطائفي لهذه الفئة او تلك .
6-تشجيع حكومات الانظمة الهجينة السابقة على تفشي هذه الظاهرة في مدن وقرى الاغلبية العراقية لأسباب طائفية وعنصرية وسياسية .
7-بالإضافة إلى نفوذ بعض الجهات الدينية المنكوسة والجشعة والتي يتاجر بعضها بالمراقد والاضرحة والمقابر ، حتى تحولت الكثير من المراقد إلى مصدر مالي كبير لهذه الجهات والعوائل الدينية والسدنة ؛ وطالما تصارع هؤلاء فيما بينهم كما تتصارع الضباع , بسبب اموال تلك المراقد .
8-بما ان مدن وقرى الجنوب والوسط العراقي محرومة من وسائل الترفيه والحدائق العامة الكبيرة والمتنزهات الجميلة ومدن العاب الاطفال ... ؛ اصبحت تلك المراقد والمقامات تمثل لهم اماكن للترفيه والاستجمام , ومتنفسا لهم من الضغوط اليومية والكبت ؛ لذلك لا تستغرب من سماع الموسيقى او الرقص او لقاء العشاق فيها ... .
9- قد يكون سبب انشاءها وعمارتها ؛ للتوسع الغريب و المشبوه وبسط الهيمنة الاجنبية بحجة اللحمة الاسلامية او المذهبية لغايات سياسية طويلة الامد .
10- اصبحت من مصادر تمويل الجهات الدينية والاحزاب الاسلامية والشخصيات السياسية المتنفذة بعد عام 2003 .
11- اعتلاء الجهلة من رجال الدين المنابر , وظهور الدجالين وادعياء المعرفة الدينية المتخلفين في وسائل الاعلام ؛ للترويج لتلك المراقد المزيفة والمزارات الوهمية وتجييش مشاعر وعواطف الناس نحوها وحثهم على زياراتها .
12- لعل الهدف من وراء الاكثار من انشاء هذه المراقد والمزارات وبصورة مبالغ فيها ؛ مخططات اجنبية وغريبة منكوسة تعمل على تأخير المجتمع العراقي واعاقة تطويره , وشحن المجتمع بالنزعات الطائفية والصراعات الفئوية الدينية ؛ فالمزار الوهمي تنتعش مكانته ؛ عند تراجع اعمال العقل وفي تأزم حاجات الناس وتفاقم مشاكل المجتمع وتوقف الانشطة الاقتصادية والتجارية والصناعية والزراعية والسياحية وانعدام الاستقرار السياسي وانسداد أبواب الأمل .
13- باعتبارها من اهم ابواب غسيل الاموال وتهريب العملة الصعبة بل وصيرورتها وكرا للتجسس والاعمال المشبوهة التي تختفي تحت عباءة الدين وحصانة المرقد .
14- بما ان الشعب العراقي معذب ومضطرب منذ قرون طويلة ؛ وعاشق منذ القدم للروحانيات والماورائيات - فمن هذه الارض انبثقت الحضارات والاديان والسحر والروحانيات - ؛ والمولع بكل ما يتعلق بقادته الدينيين المعارضين ولاسيما المنسوبين لقريش وبني هاشم ؛ اصبح من السهل اقناعه بتقديس وزيارة هذا المرقد او ذاك المزار... . (3)
(8)
الحلول والمعالجات
1-يمنع منعا باتا تشييد المراقد والمقامات الدينية من دون اخذ الموافقات الرسمية من وزارة او دائرة الاوقاف .
2-يجب تشكيل لجنة عليا من الفقهاء ورجال الدين تنظر في صحة نسبة المراقد لأصحابها ؛ وتكون قراراتها ملزمة و وضع معايير ثابتة وصارمة للاعتراف بهذا المرقد او ذاك .
3-يجب الاشراف على كافة المراقد والمقامات والمزارات الدينية ولمختلف الاديان والطوائف من قبل دوائر الدولة الحكومية والموظفين المختصين ؛ فيجب أن تكون جميع المواقع والمزارات الدينية، وحتى المساجد ودور العبادة، مسجّلة رسميا لدى الأوقاف الدينية، سواء الوقف الشيعي، أو الوقف السُني، بغية تنظيم عملها، وعدم السماح باستغلال مشاعر الناس وتجهيلهم”.
4-اصدار قرارات حكومية وفتاوى دينية تمنع ابتزاز الناس ماديا ومعنويا ؛ كما فعل المرجع الديني السيد محمد الصدر عندما حرم رمي النقود والاموال في الاضرحة الدينية والتي كانت تذهب لدعم السلطة الظالمة وقتذاك .
5-تهديم وازالة كافة المراقد والمزارات الوهمية والمزيفة والكاذبة وغير الثابتة تاريخيا ودينيا .
6-انشاء المتنزهات الجميلة ومدن الالعاب الكبيرة والمسابح والملاعب الرياضية والمكتبات العامة ودور السينما والمسرح والمطاعم والمقاهي ومعاهد وقاعات الفنون والموسيقى ...الخ في كافة المدن والقرى وتطوير البنى التحتية لكل محافظات العراق ولاسيما الجنوبية والوسطى منها ... ؛ وتخصيص اماكن للعوائل فقط واخرى للأطفال وثالثة للشباب وهكذا ... ؛ انظروا لشعوب المنطقة وخاصه دول الجوار كيف تعمل على ترفيه شعوبها من خلال انشاء البنى التحتية القوية وانشاء الحدائق الكبيرة وانتشار( النافورات بكافة اشكالها الجميلة ) في الساحات العامة واضاءة الشوارع والساحات بالأنوار الساطعة وتجميلها بالزينة والورود والزهور والتماثيل والنصب الفنية الرائعة .
7-تشكيل فرق مختصة بالعلوم الأركيولوجية و الانثروبولوجيا الدينية والمعارف الدينية والانساب والتاريخ ... للتأكد من صحة المراقد ومطابقتها للحقائق العلمية والتاريخية ؛ بالإضافة الى اللجنة العليا الفقهية المذكورة انفا .
8-الوقوف بوجه ظاهرة التضخم والهستيريا الدينية ومنع رجال الدين الدجالين والجهلة المتخلفين من اعتلاء المنابر او الظهور في وسائل الاعلام للترويج لهذه الظاهرة السلبية وغيرها , وغلق الفضائيات والصحف التي تدعو لاستغفال وابتزاز المواطنين تحت هذه الذرائع الواهية .
9-الاهتمام الحكومي بالمناهج التربوية والتعليمية وضرورة التركيز على مناهج البحث العلمي والابحاث التطبيقية العلمية والتنمية البشرية وتهيئة الارضية المناسبة للتلاميذ والطلبة لممارسة هوياتهم وابداعاتهم , واقصاء كافة المواد الدراسية التي لا تعتمد على المناهج العلمية او التي تشجع على التجهيل وتغييب الوعي والتعصب والطائفية والتقوقع والانعزال عن حركة المجتمع ... الخ .
10-تفعيل نشاط جهاز المخابرات واجهزة الامن الوطني ورصد ومتابعة كافة الانشطة الدينية المشبوهة او المرتبطة بالخارج واتخاذ الاجراءات الرادعة بحقها ؛ فلابد من متابعة الاشخاص المسؤولين عن بناء المقابر والمقامات والمراقد والاضرحة الوهمية والمزيفة بل والحقيقية بحجة ان صاحبها من ذوي الكرامات ؛ وبغض النظر عن مقاماتهم الدينية ؛ وايقاف تحركاتهم المشبوهة من اجل كسب المال السحت ونهب ثروات البسطاء واستغلال الاغنياء .
11-تعاون المؤسسات والدوائر الحكومية مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسة الدينية الوطنية والمثقفين والفنانين والكتاب والشعراء والمفكرين العراقيين ؛ من أجل توعية الجماهير وتوجيه المواطنين والتصدي لأفكار واراء وخرافات رجال الدين المشبوهين والدجالين والمنكوسين والمرتبطين بالجهات الخارجية وفضحهم وكشف الاعيبهم وارتباطاتهم .
12-يجب التشديد على اجراءات السلامة في العتبات والمراقد الدينية ومراعاة قواعد البناء والترميم الصحيحة والعلمية وان تكون تحت اشراف كليات الهندسة وشعبة التخطيط الهندسي في وزارة التخطيط او وزارة الاوقاف ؛ لمنع تكرار حادثة القطارة ؛ وبسبب انعدام السلامة المهنية ازدادت الحوادث في القطاع الحكومي والاهلي وسوف تستمر وتزداد ؛ ولعل حادثة مستشفى الخطيب والناصرية , و انهيار مبنى المختبر الوطني للتحليلات المرضية التابع لوزارة الصحة في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد ؛ من اكبر الشواهد على ذلك .
13-انزال العقوبات القانونية بحق المسؤولين والموظفين المتهمين بعمليات الفساد والتقصير والاهمال في اداء الواجب بما فيهم رجال الدين القائمين على المراقد والمزارات الدينية .
14-تحويل بعض المواقع الى معالم سياحية او تاريخية ومحو الصبغة الدينية عنها ونفي قداستها ؛ كالقطارة وغيرها .
15- لابد من تشكيل هيئة وطنية كبرى لمواجهة الازمات والحوادث والطوارئ ومعالجة تداعياتها بأسرع وقت ممكن .
(9)
موقع القطارة
تقع في الصحراء الغربية لمحافظة كربلاء وتبعد عن مركز المحافظة بحوالي 28كم2 بالقرب من بحيرة الرزازة، باتجاه الطريق المؤدي الى واحة عين التمر .
(10)
وصف القطارة
تقع القطارة في المنطقة المنبسطة و التي تشكل منخفض بحيرة الرزازة، تحدها تلال بارتفاع (7 متر عن مستوى سطح بحيرة الرزازة) ؛ و تتكون من طبقات صخرية رملية تتخللها شرائح من طبقات جبسية تتخلل طبقات الرمل ، والقطارة : عبارة عن حفرة صغيرة، لا تزيد مساحتها عن متر مربع، وتقع تحت سن صخري حاد، يقطر منه الماء - اي انه مكان ينضح فيه الماء على شكل قطرات بين الصخور - , فالمكان عبارة عن نضح مائي يتغذى من بحيرة الرزازة والمياه الجوفية .
ثم اقاموا عليها بناء فخم اشبه بالمزارات المعروفة - قبة خضراء تعلو بناء مربع الشكل - وفيها شباك مذهب وابواب كذلك ؛ وانشئوا متنزه تمت زراعته بأصناف كثيرة من الأشجار، فضلاً عن أشجار النخيل، أما ماء السقي الذي يسقي المزروعات فقد تم حفر بئر ارتوازية لسقايتها , ومكان العاب للأطفال ومراب للسيارات ... الخ .
(11)
تاريخ موقع القطارة
بغض النظر عن بعض الروايات الدينية والتي يحاول البعض ربطها بموقع القطارة بشتى الحجج والذرائع ؛ فأن لأهل المنطقة وسكان المناطق القريبة اراء مختلفة عما يدعيه سدنة القطارة , اذ أكد المواطنون ان هذا الموقع كان يسمى القطارة فقط في عقد الستينيات من القرن المنصرم , بينما قال البعض بانها كانت تمثل استراحة للقوافل , فهذه العين تروي كل من يقطع الصحراء ، وربما لم يكن أحد يعرف أنها (قطّارة) الإمام علي إلا في سبعينات القرن الماضي – كما يدعي احدهم والعهدة عليه - ، وكان الرعاة يمرون بقربها لأنهم يدركون ان هناك ماء في المنطقة وهذه (القطّارة) تقطّر الماء من تحت الصخرة وتعيده إلى حوض تحتها، ولا أحد يعرف من أين أتي الماء لأنه لا ينقطع ، وتشير الدلائل إلى أن المكان كان موحشاً وبالقرب من الصخرة كانت هناك نخلة وهي دليل الرعاة والمارين من القوافل والمسافرين وعابري السبيل... اذ كان المكان مهربا لرعاة الأغنام صيفا لأنه شق بارد وفيه تخرج مياه بسيطة من بحيرة الرزازة عند ارتفاع مستواها , و بعدها كان مكان استراحة لسواق شاحنات الرمل.
وادعى البعض انها كانت حتى نهاية القرن الماضي تسمى القطارة فقط و كان يؤمها رعاة الاغنام و سائقي سيارات نقل الرمل والحصو للراحة و نوم الظهيرة ... .
وشهد احد اهالي محافظة كربلاء بان هذا المكان قبل عام 2003 كان عبارة عن تلال منهارة وكانت في منتصف التلال نخلة , وهذه التلال فيها ماء يأتي اليها من بحيرة الرزازة , وبمرور الوقت انحسر الماء وتحولت الى هذا الشكل وكانت مأوى لكل شخص يحتسي الخمر او يأتي مع حبيبته ... .
وشهد احد الاشخاص الكربلائيين بأنه كان يذهب الى هذا المكان في عقد الثمانينات من القرن المنصرم للسياحة واقامة ولائم شواء اللحم ... وكانت هنالك نخلة باسقة ولم يكن هنالك مزار ولا اي شيء بل كانت منطقة معزولة , وكان الماء فيها ( مج ) وغير صالح للشرب وينزل قطرة قطرة ... .
وكان يرتادها سابقا رعاة الاغنام للراحة والوقاية من حرارة الشمس، و استغلها أيضا سواق نقل الرمل او حجر الجبس المتناثر على رصيف الرزازة كمكان للراحة و الانتظار.
وعن تاريخ إعمار القطارة وبناء القبة الموجودة حالياً عليها ؛ ادعى الحاج محسن هاشم نايف، خادم وسادن القطارة : (( ... بدأنا العمل برعاية هذا المزار في عام 1996 حيث شيّدنا غرفة تحيط بالقطارة وسلّماً ينزل اليها من الأعلى كونها تقع في أرضية وادي ضيق وعميق، لكن مع حلول عام 2004 أقدمت عناصر إرهابية على هدم المكان... ))
وقال البعض ان هذا المزار عرف بقطارة الامام علي بعد سقوط النظام البعثي الصدامي الهجين عام 2003 ؛ وقد سيطرة عشيرة اليسار على الموقع ؛ وذلك من خلال عقد زراعي كما ادعى البعض ؛ وهجم على الموقع بعض المجاميع الارهابية عام 2006 وهدموا ما كان فيه .
وبعد عام 2006 قام نائب المحافظ الحبوبي بفتح و تبليط شارع باتجاهين من الطريق العام و حتى مكان القطارة و وضع (يافطة ) قطعة اول الشارع كتب عليها : ( قطارة الامام علي ) بينما لم تكن قبل عام 2003 تسمى بهذا الاسم قط ا؛ اذ كانت تسمى بالقطارة فقط , واستمرت الكذبة وتفاقمت بمرور الايام .
وبعدها قام شخص يدعى( حجي محسن اليساري وهو نفسه صاحب الشهادة انفة الذكر !) وهو تابع لأحدى الجهات الحزبية المتنفذة بتأهيل الموقع ؛ من خلال سرقة خط ماء من أنبوب ناقل رئيسي للخدمات وقيل لرفد القطارة بالماء ايضا , وسحب تيار كهربائي وبناء مزار لهذا الموقع , مع منتجع سياحي ومدينة العاب ... والترويج بأن مياه القطارة مباركة وتجلب الرزق والشفاء , وان الامام علي هو من حفرها ؛ فأصبحت الناس تتوافد على هذا المكان من مختلف مدن العراق ... فقام بعد ذلك بتأجير مساحات الموقع للمطاعم والمحلات بالملايين وفرض رسوم على السيارات الداخلة ... كما شهد بذلك اهل كربلاء في مواقع التواصل الاجتماعي وامام الجميع ... ؛ علما ان الأرض تابعة للزراعة و قد تعاقد عليها وفق العقد الزراعي رقم ٣٥ منذ سنوات وأقام هذا المشروع التجاري ((المزار )) الذي لا اصل تاريخي له ؛ و لكنه تفشى بين الناس كونه يحمل اسم الامام علي ؛ وبعد تطويره ؛ اصبح الموقع مقدسا و يجذب الالاف لزيارته وينفقون الملاين من خلال النذور التي تذهب الى جيب المقاول الديني الذي بناه...!! والذي قام بعد جفاف بحيرة الرزازة وانقطاع المياه عن القطارة بحفر بئر عميق ومد والأنابيب اليه من تحت الصخور و وضع ( غطاسات ) لإخراج الماء ...!!
وكالعادة ادعى بعض السدنة : ((، ولا يزال الماء يتدفق داخل وحول القطارة، ويشرب منه الزائرون ويتبرك به الناس، وهو ماء عذب رغم أن مستوى ماء القطارة أوطأ من مستوى بحيرة الرزازة المعروفة بملوحتها... )) وقد كذب جهارا نهارا ولم يستح ؛ فهذا الماء العذب يأني من الأنابيب , لان مياه الموقع مالحة و ( مجة ) .
و ادعى البعض بأن "قطارة الامام علي" الحالية هي ذاتها المتعلقة برواية عودته من صفين ؛ رغم ان المزار لا يدار من قبل ديوان الوقف الشيعي وأن قطعة الأرض المشيد عليها المقام غير مسجلة باسم الديوان أو موقوفه له"، بحسب بيان رسمي للأخير صدر بعد حادثة الانهيار ؛ وحتى انهُ لم يُذكر في المصادر ؛ راجع ( كتاب دليل المزارات الشيعية في المحافظات العراقية) تأليف وتحقيق حسين آية الله الشيخ هادي القرشي) ؛ بل ان السيد الجلالي ذكر ان المراقد الصحيحة والثابتة بنظر السيد الخوئي في العراق 13 مرقدا فقط ؛ وبعض فقهاء النجف الاشرف لا يعتقدون بها أطلاقًا ويقولون انهُ بُدعه وهذهِ منطقة فيها ترسُبات وطبيعي يخرج ماء منها ... ؛ و على ذمة الأستاذ رسلي المالكي أنه كان أعد تقريرا صحفيا لإحدى القنوات الفضائية - العام 2020 - صرّح فيه أحد مسؤولي الوقف الشيعي : "إن عدد المزارات والأضرحة والمقامات في العراق تبلغ 3000 موقع (4) ، و المعترف بها من قبل الوقف الشيعي هي 170 موقع فقط، والباقي مزيف." ثم يتساءل مُعد التقرير، لماذا لا يزيل الوقف هذه الآلاف من المراقد المزيفة؟!
و قيل : تبلغ أعداد القبور والأضرحة والمقامات لأئمة أهل البيت والأنبياء والأوصياء المزعومة حوالي 600 مرقد ومقام... .
وقد اكد احد أستاتذ ة الحوزة العلمية في النجف : ان هنالك أكثر من 17 مرقدًا لبنات الحسن في العراق، فيما لم تنجب زوجات الحسن غير ٥ بنات فقط ، ولم يذكر لنا التاريخ مروره بالعراق ، أو مرور بناته في هذه المناطق العراقية ... حتى أصبح الأمر محل استهزاء لكثير من أتباع ومعتنقي الديانات والمعتقدات الأخرى... !!
و يعتقد أستاذ في الحوزة العلمية أن : (( أكثر من 80% من المقامات والأضرحة لا صحة لها ، ولا فائدة من وجودها...)) (5)
وربطوا الروايات الدينية التي تتحدث عن واقعة تاريخية بهذا الموقع ؛ بعد كل هذه القرون الطويلة ؛ وقد رويت الرواية بعدة طرق واسانيد وباختلاف المضامين بين كتاب واخر ؛ واليك ما ذكره الحافظ البرسي اذ قال : (( ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سار إلى صفين أعوز أصحابه الماء فشكوا إليه الماء , فقال سيروا في هذه البرية واطلبوا الماء فساروا يميناً وشمالاً وطولاً وعرضاً فلم يجدوا ماء، ووجدوا صومعة وبها راهب، فنادوه وسألوه عن الماء، فذكر أنه يجلب إليه في كل اسبوع مرة واحدة، فرجعوا إلى أمير المؤمنين وأخبروه بما قال الراهب. فقال (عليه السلام): الحقوني، ثم سار غير بعيد، فقال: احفروا ها هنا، فحفروا فوجدوا صخرة عظيمة، فقال: اقلبوها تجدوا تحتها الماء، فتقدم إليها أربعون رجلاً فلم يحركوها، فقال (عليه السلام): إليكم عنها، فتقدم وحرك شفتيه بكلام لم يعلم ما هو، ثم دحاها بالهواء ككرة في الميدان. فقال الراهب – وهو ينظر إليه وقد أشرف عليه -: من أين انت يا فتى فنحن أُنزل في كتابنا إن هذا الدير بني على البئر والعين وإنها لا يظهرها إلا نبي أو وصي نبي فإيهما أنت ؟ فقال: أنا وصي خير الأنبياء، وأنا وصي سيد الأنبياء، وأنا وصي خاتم النبيين، (أنا) ابن عم قائد الغر المحجلين، أنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. قال: فلما سمع الراهب نزل من الصومعة، وخرج ومشى وهو يقول: مد يدك فأنا أشد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن علي بن أبي طالب وصيه وخليفته من بعده، قال: ثم شرب المسلمون من العين وماؤها أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، فرووا منه، وسقوا خيولهم، وملؤا رواياهم إلى ديارهم(6).
ولي على هذه الرواية عدة ملاحظات :
1-لم تراجع اسانيد رجال الرواية ؛ ومن المؤكد انها من الروايات ضعيفة السند ؛ وعليه لا اعتبار لها ولا وزن ؛ بالإضافة الى ان الحافظ رجب البرسي دارت حوله التهم والشبهات بالغلو في وصف فضائل وكرامات آل البيت ... , اذ قال الشيخ المجلسي (ت:1111ه/1699م) ، عند عد مصادر كتابه بحار الأنوار: (( وكتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي , ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع , وانما أخرجنا منهما ما يوافق الاخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة )) وقد قال فيه السيد محسن الأمين العاملي (ت:1371ه/1951م): (( ... انه كان مولعاً بالتسجيع، وفي طبعه شذوذ، وفي مؤلفاته خبط و خلط وشيء من المغالاة لا موجب له، ولا داعي اليه، وفيه شيء من الضرر وأن امكن أن يكون له محمل صحيح. وعلم الأعداد وأسرار الحروف لم يعرف له أثر ممن يدعيه، ولا يخرج عن الأوهام والظنون، بل المخرقة والتمويه، وأي حاجة الى استخراج أسمائهم عليهم السلام من الآيات الذي يتطرق اليه الشك ممن يريد التشكيك، وفيما جاء في فضلهم مما لا يمكن انكاره غنى عن ذلك. واخترع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة اليه بعد ما ورد ما يغني عنه ولو سلم أنه غاية الفصاحة... وأن مؤلفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضرر والله في خلقه شؤون سامحه الله وايانا ))
وقال بحقه علي الخاقاني : (( ... تضلع بمختلف العلوم كالتفسير والحديث والآداب وأسرارالحروف، واتجه في معارفه صوباً معوجاً ملتوياً كان مثار نقد طائفة من الأعلام وموضع تأثرهم أو الإشارة الى مثل ذلك، وقد اندفع بحبه لأهل البيت اندفاعة عاطفية أورثت عنه القيل والقال، وخاصة ما كلفه كتابه المشارق من أحاديث وحكايات وأخبار غريبة عجيبة، فقد أسرف فيه وأطنب في خواطره الخاصة .. )) .
و قال الشيخ الشيعي الرجالي المعروف هاشم معروف الحسني في كتابه ( الموضوعات في الآثار والأخبار ) ص 223 : (( وعلى أي الأحوال فالأمر في هذه الرواية سهل بعد أن كانت من مختارات الشيخ رجب البرسي المعروف بالغلو والافراط في الصفات التي وصف بها الأئمة كما يبدوا ذلك من كتابه مشارق أنوار اليقين الذي روى فيه الغرائب وأعطى للأئمة جميع صفات الخالق . . . )) - المصدر ( رجب البرسي الحلي بين الغموض والغلو ) / امال عدنان احمد - .
2-هل من المعقول ان يسير الامام علي ومعه القادة وشيوخ العشائر والقبائل والادلاء بجيشه وسط الصحاري والبراري والطريق الى صفين ليس ببعيد عن نهر الفرات و روافده ؛ وهو القائل : ((سلوني قبل تفقدوني، فاني أعلم بطرق السماء منها بطرق الارض )) ..؟! .
3-ولماذا امر الامام علي اتباعه بالبحث عن الماء وهو يعلم بمكانه ؛ نعم من المحتمل انه بحث عنه بنفسه بعد ان فشل اصحابه ؟!
4-وكم كانت تزن تلك الصخرة التي لم يستطع اربعون رجل زحزحتها ؟
5-ولماذا تكلم بكلام لم يفهم اصحابه ؟
6-الراهب قال : ((هذا الدير بني على البئر والعين وإنها لا يظهرها إلا نبي أو وصي نبي فإيهما أنت ؟ )) علما ان البئر حفرة عميقة، يُسْتخرج منها الماء ؛ بينما العين : وهي حفرة في الأرض ينبع منها الماء، بحيث لا يصدق عليها البئر لظهور مائها ... ؛ فكيف جمع الراهب بين الامرين ؛ فهل الصخرة الكبيرة كانت تخفي بئرا ام عينا او هما معا ؟ .
7-ادعى الراهب ان هذه الحادثة مذكورة في كتابهم ولا نعلم اي كتاب يقصد ؛ اذ لا يوجد كتاب الى هذه اللحظة لدى النصارى يذكر هكذا حادثة ... ومعلوم ان البئر او العين ماءها محدود وليس هو كماء النهر ؛ والرواية تقول : ((ثم شرب المسلمون من العين وماؤها أبيض من الثلج، وأحلى من العسل، فرووا منه، وسقوا خيولهم، وملؤا رواياهم إلى ديارهم )) ... ولماذا حملوا الماء الى ديارهم وديارهم هي ديار النهرين وروافدهما الكثيرة وارضهم مليئة بالآبار ..؟!
8-والملاحظة المهمة : ان المسافة بين صفين والكوفة تقدر بمئات الكيلومترات ؛ والرواية كما ترى لم تحدد ارضا معينة او مكانا معروفا ؛ وعليه كيف عرف السدنة وادعياء المعرفة الدينية ان موقع القطارة هو موقع الحادثة ؟!
9-والرواية تصف الماء (وماؤها أبيض من الثلج، وأحلى من العسل) بينما مياه الموقع مالحة ( مجة ) بل وغير صالحة للشرب .
ومن خلال ما تقدم وعند مراجعة نصوص الروايات واسانيدها تعرف ان الموقع الحالي لا علاقة له بالحادثة المذكورة ولا توجد قرينة او برهان يثبت ذلك فما هي الا تخرصات وادعاءات السدنة وتجار الدين الدجالين , كما ان مضامين الروايات يخالف بعضها بعضا والعبارات مشوشة .... ؛ لكن هذا لا يعني عدم وقوع هذه الحادثة او امثالها في التاريخ ؛ فلا زال البحث العلمي مستمرا في علم الباراسيكولوجي ومعارف الطاقة والخوارق ... ؛ وقد اتهم الامام علي من قبل اعداءه بالسحر , بينما اشاد اتباعه بكراماته وخوارقه , ومما لا شك فيه ان الرجل كان يمتلك قدرات مميزة ؛ خلدته تاريخيا .
(12)
اسباب انهيار القطارة
الانهيار الاول للقطارة ( 2008 )
وفقا لما ادلى به الجيولوجي صباح حسن عبد الامير : من ان هذه المنطقة المنبسطة تشكل منخفض بحيرة الرزازة , و تحدها تلال بارتفاع 7- 8 متر عن مستوى سطح بحيرة الرزازة , و تتكون من طبقات صخرية رملية تتخللها شرائح من طبقات جبسية تتخلل طبقات الرمل ؛ و هي عرضة للتعرية بواسطة الرياح من الاعلى و الجوانب و التحلل و ذوبان الشرائح الجبسية ؛ وعندما يرتفع مستوى المياه في الرزازة ؛ يتسبب بانهيار اجزاء من هذه التلال الرملية اخرها ما حدث في عام 2008 و سقوط النخلة وقتها ؛ بسبب نضوح المياه في هذه المنطقة - ( حيث تكون رطوبة الارض عالية ) - والتي تغلغل مياه الامطار فيها و دخولها بين شقوق الرمل في هذه المنطقة و تخرج من قاعدة التل في المنطقة المسماة بالقطارة و كانت المياه تنقطع فيها صيفا , و كان المكان عبارة عن منصة بأبعاد 3 في 3 م .
(13)
سبب الانهيار الاخير ( 2022)
استغلال صاحب المشروع الاخير للقطارة ؛ اذ قام بمد انابيب في اسفل التلال لديمومة خروج المياه ، و هو ما سبب تفتت تربة المنطقة بفعل نضوح الماء منها ، ثم اقام عليها منشاة خراسانية لم تتحملها الطبقات الرملية الهشة فانهارت... وادعى احد السدنة المستفيدين والكهنة الدجالين : بأن القطارة بالأصل تنضح بالماء وقمنا بوضع ( ماطور) لسحب الماء منها ؛ كي يتبرك به الناس ويأخذ منه الزوار , وبعد نضوب الماء فيها تنمو الطحالب على اطراف البئر او الحفرة وفيها ؛ فنقوم بغسلها بالماء عن طريق الأنابيب ... وهكذا .
وقد حذرت دراسة جيولوجية لرسالة ماجستير للباحث (رعد محمود عبد الزهرة) من الانهيار ؛ اذ اثبت فيها ان الكتل الصخرية لقطارة الامام على ستنهار خلال فترة قصيرة ويجب معالجة عمليات التجوية لتلافي عملية الانهيار ... ولكن هذه الدراسة لم تلقى الاذن الصاغية من قبل الجهات المعنية في كربلاء ... ؛ يا ترى ما فائدة الاطروحات والابحاث والدراسات العلمية والتطبيقية والميدانية العديدة والتي يتم انجازها من قبل اصحاب الكفاءات من حملة الشهادات العليا في الجامعات العراقية ؛ اذا كان مصيرها الاهمال وان توضع فوق رفوف المكاتب والمكتبات ؟!
فهذه الحادثة لم تكن حادثة قضاء وقدر كما يدعي السدنة والكهنة واصحاب الاقلام المنكوسة بل هي جريمة اهمال متعمد لا تغتفر ، اذ كتب الاساتذة العديد من التقارير الموجهة الى الجهات الحكومية المحلية وحذروا فيها من وصول الصخور إلى مرحله الانهيار ومنذ عام 2008 وصعودا ؛ ورفعت التقارير للمسؤولين عن طريق الاساتذة وابلغوا عن احتمالية حدوث الانهيار , ولم تلقى تلك التقارير اذان صاغية , و من المعروف أن معظم مسؤولي الدوائر الحكومية : ( صم بكم عمي فهم لا يسمعون ) .
ان هذه الوحوش الرأسمالية القذرة لا تعنيهم حياة العراقيين بقدر ما يعنيهم المال السحت ، وكالعادة سوف تنسى قضيه القطارة ولن يحاسب المسؤول عن تجاهل كافه التحذيرات التي رفعت اليه , وسينسى العراقيون ان هناك من تلاعب بدمائهم كما تتلاعب العاهرة بكأس زائرها ... .
وقد بين الدكتور مصطفى رشيد عام 2016 ؛ التفسير الجيولوجي العلمي لأسباب انهيار القطارة وكهوف الطار ؛ اذ قال :
1- موقع الكهوف : تقع كهوف الطار على يمين الطريق المؤدي إلى عين التمر ، حيث تبعد عن مركز محافظة كربلاء المقدسة بمسافة تقدر بـ (45 كم) جنوب غرب كربلاء ، و( 15 كم) إلى الشمال الشرقي من حصن الاخيضر، وهذا التكوين المركَّب من مجموعة الكهوف محاط بعدة وديان وواحات ، ويحتل موقعاً مهماً في الجزيرة العراقية الجنوبية العربية ، حيث تقع بين بابل من الشرق والجزيرة من الغرب .
2- تاريخ تكوين الكهوف : فهناك العديد من الدراسات الميدانية أجريت عليها إذ جاءت البعثة اليابانية التي بحثت في تكوين هذه الكهوف في سبعينيات القرن المنصرم ، استنتجت : ان تاريخها يمتد الى ما قبل (1200) سنة قبل الميلاد.
3- و تتكون من حوالي 400 كهف متصلة استخدمت أنظمة الشقوق النظامية العمودية كما تظهرها الخارطة التفصيلية للبعثة اليابانية في السبعينات وهي تمثل عمارة بيئية استخدم فيها الانسان العراقي الجيولوجي بالفطرة في العصور القديمة هذه الشقوق لإنشاء هذه الكهوف كمساكن او قبور .
4- تقع القطارة وكهوف الطار في محافظة كربلاء عند حدود النطاق التكتوني المستقر للصفيحة العربية ؛ و تكونت ضمن الطبقات الصخرية الرملية المسامية والنفاذية والطينية الشبه افقية العائدة لتكوين انجانة (تكوين الفارس الاعلى) المنكشفة في جنوب بحيرة الرزازة وهذه المنكشفات هي جزء من حدود المنحدرات المكونة لبحيرتي الرزازة والحبانية من جهة الشرق والشمال الشرفي.
5- تتميز هذه المنطقة بانتشار انظمة الكسور من فواصل او صدوع الشبه عمودية التي ينضح من خلالها الماء لكونها مكملة لأنظمة الكسور والصدوع الاعتيادية المكونة لبحيرة الرزازة على شكل منخفض تركيبي( graben )غرب نهر الفرات والتي تقع بامتدادها كسور القطارة .
ميل طبقات في القطارة
تميل طبقاتها نحو الشرق او الشمال الشرقي بميل قليل (5-6 درجات ) بينما تقطعها صدوع اعتيادية (normal fault) شبه عمودية (80 درجة) تميل نحو الغرب او الجنوب الغربي ؛ و تتميز القطارة بظاهرة التساقط او الانزلاق او التدحرج الصخري بسبب الكسور ويميل بعضها نحو مسجد القطارة المقام حديثا ؛ مما يسب خطورة ومشكلة كما حدث اليوم من انهيارات ؛ بالإضافة الى وجود أخطاء هندسية في التنفيذ من خلال تحرك آليات الحفر او البناء قرب مكان هش قد ينهار لمجرد حدوث هزة أرضية خفيفة , بالإضافة إلى رداءة مواد البناء ؛ اذ كان المفروض : عمل جدار ساند (retaining wall) بعد ان يتم حساب مقدار المركبة العمودية( normal stress) والافقية( shear stress) لأسطح الكسور ومقدار ثقل الكتل الصخرية من خلال حساب الحجم مضروب بالوزن النوعي مضروب بالتعجيل الارضي .... بالإضافة الى التخطيط الهندسي الرصين والمعتمد على التقارير الجيولوجية , مع توفير مواد البناء الجيدة والمطابقة للمواصفات العالمية الرصينة .
بينما علق الدكتور مثنى الشمري قائلا : (( ان من اهم العوامل التي ادت الى هذه الظاهرة والمتوقع حدوثها من خلال الدراسات العلمية الجيولوجية التي اكدت واثبتت ذلك قبل عدة سنوات هي وجود ما يعرف جيولوجيا بالفواصل (Joints) والتي : هي عباره عن شقوق صخرية متعامدة بعضها على بعض تتشكل نتيجة للفوالق التي تعرضت لها هذه المنطقة بسبب الحركات التكتونية في العصور الجيولوجية السابقة ومنها اصطدام الصفيحة العربية بالصفيحة الايرانية من جهة الشرق وبالصفيحة التركية من جهة الشمال والتي ادت الى رفع بلوك هضبة كربلاء وبالمقابل ادت الى هبوط البلوك الاخر والمتمثل بنزلة طار السيد فما نتج عن هذه الفوالق هي شقوق مستعرضه وعمودية وهي واضحة جدا للعيان في منطقة الموقع وهي مناطق التي تضعف من قوة الطبقات الصخرية في المنطقة وتماسكها والمتمثلة بطبقات تكويني الدبدبة وانجانه المنكشفة على السطح (الحاملة للمياه الجوفية وهو ما نلاحظه من نضوح لهذه الطبقات وهو ما يعرف حاليا بقطارة الامام علي )، مما يسرع من عملية التجوية التفاضلية وبنوعيها الميكانيكية والكيميائية ، ناهيك عن التوسعة التي حدثت في منطقة القطارة مما عجلت من عمليات التجوية الميكانيكية للموقع وكل هذه الاسباب ادت الى حدوث هذه الانهيارات الارضية وهي مستمرة وسوف تحدث مستقبلا اذا ما تم معالجة التراكيب المحيطة بالموقع معالجة جيوهندسية )) .
وعلق احدهم قائلا : (( ... الطار من تل السيد وحتى المدينة السياحية لبحيرة الرزازة ؛ تحتوي هذه المناطق على منسوب عميق للمياه الجوفية بسبب قربها من بحيرة الرزازة , ومن خلال معاينة الابار المحفورة في المنطقة نجد ان اعماق المياه الابار فيها تتراوح بأعماق من 25- 55 متر , اما طبقة الدبدبة فيها استغلت كمقالع للرمل الصناعي لمعامل ( الثرمستون ) و المرشحات و قد وصلنا الى اعماق اكثر من 9 متر لمقالع الرمل دون ظهور مناطق مبللة , اما مياه القطارة سابقا فهي عبارة : عن اخاديد تتخلل المنطقة تمر عبر قنوات ضيقة في تلال الطار و تظهر على شكل قطرات او خط ماء رفيع في اوقات هطول الامطار نهاية الشتاء و منتصف الربيع ؛ و تظهر في اشهر الصيف الاولى ثم تنقطع حتى الموسم التالي و اثناء عملي في المقالع تلك كنا نعتبر ان ارضية المقلع هي الصخور الجبسية الصلبة وتتراوح سمكها من 1- 2 م )) .
وقد رد على الطرح السابق احدهم قائلا : (( الغالي ابو علي... ما تفضلتم به هو ان اعماق المياه الجوفية للطبقات في بلوك نزلة طار السيد يختلف عن ما اقصده عن المياه التي تنضح من القطارة والتابعة الى البلوك الصاعد لهضبة كربلاء، فالآبار المحفورة في البلوك الهابط لنزلة الطار ليست كما ذكرتم ؛ فالأعماق تتراوح فيها من 80 الى 100 م ومياهها الجوفية مستمدة من تكوين الدمام الجيري وعند اختراق طبقات الدمام تصبح المياه الجوفية قريبه عن السطح بسبب فرق الضغط الهيدروستاتيكي ... , اما ما تفضلتم به ان مياه القطارة مصدرها من الامطار التي تسقط شتاءا فهو غير دقيق بسبب التحاليل الكيميائية التي اجريت لمياه القطارة وقد تبين ان ملوحتها تتراوح بين 3500 الى 4500 ناهيك عن قلة الساقط المطري لحوالي 10 سنوات الماضية... مما يدل على انها تابعه لتكويني الدبدبة وانجانه ، فلو كانت المياه كما تفضلتم انها مياه امطار لكانت ملوحتها لا تتجاوز ال 250 ملغم/ لتر.. . )) .
وقد اجرى البعض دراسات عن منطقة القطارة و طارات النجف الاشرف من جهة الحولي والتي يتم بناء فنادق فيها واحتمال انهيارات طبقات صخرية محتملة فيها ايضا ؛ بالإضافة الى تحذيرات البعض من سقوط احدى منائر مرقد الامام الكاظم والتي تم ترميمها بالهياكل الحديدية فقط ؛ ولكن لغة العلم في مجتمع الجهل والفساد لا تسمع ... .
(14)
حادثة القطارة
بينما تتوافد جموع الزوار الى مقام القطارة , انهارت تلة ترابية على مزار القطارة وذلك بسبب “تشبّع الساتر الترابي الملاصق للمزار بالرطوبة”، كما أفادت مديرية الدفاع المدني بالعراق , وقد اودى الحدث المأساوي بحياة مجموعة من المواطنين والزوار الابرياء في هذا المكان , وسقطت الضحايا بين قتيل وجريح ؛ وعالق يأن تحت الصخور والاتربة والانقاض ... ؛ وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني عن انتهاء عمليات البحث والإنقاذ للمحتجزين، واسفرت عمليات البحث عن انتشال 8 جثث موتى ، 5 نساء ورجلين وطفل، وذلك بتأريخ 23 آب 2022.
وقد ادعى البعض ان عدد الضحايا بلغ أكثر من خمسة عشر ضحية ؛ وقد انقذ رجال الدفاع المدني خمسة اشخاص فقط بعد ان علقوا تحت الانقاض .
(15)
الجهة المسؤولة عن مزار القطارة
1-قيل : ان شخص كويتي – ( جاء من المريخ ) – وتبرع للمقام ثم اختفى من الواجهة ؛ وكأن الامر لا يعنيه ؛ اذ ادعى البعض ان رجل أعمال كويتي من الشيعة تبرع بإنشاء مكان القطارة قبل سنوات وصرف كم مليار دينار من امواله الخاصة ورجع الي الكويت ... .
2-وقيل : تابع للوقف الشيعي ؛ الا ان الوقف الشيعي اعلن وفي بيان رسمي : انه لا يمتلك الأرض وليس له حق السيطرة عليها , وان المزار غير تابع للوقف ؛ بل ان البعض اتهم الوقف الشيعي بافتتاح مراقد وهمية لا صحة لها ومنها مرقد الشريفة بنت الحسن ... .
3-وقيل : تابع لعائلة بمباركة جهة سياسية او حزبية ... الا انهم لم يصرحوا بأسم تلك العائلة او الجهة .
4-وقيل : انه تابع للعتبة الحسينية والعباسية ؛ وقيل ايضا : ان القائمين على المكان رفضوا اشراف العتبات المقدسة عليه ... .
5-وقيل : انه تابع لجهة دينية كبرى في النجف الاشراف ؛ الا ان البعض فند هذا الادعاء وكذبه .
6-وقيل : انه تابع لاشخاص من نفس المنطقة هم من يديرون المكان حاليا : ماليا و إداريا و لوجستيا ؛ وان كل الواردات من ( الكراج ) أو مبيعات المياه أو أي منفذ للربح المادي يذهب إلى هؤلاء الأشخاص المحددين من قبل حكومة كربلاء وحسب المصدر هي عشيرة او عشيرتين معروفتين ؛ وقيل : ان الأموال التي تستحصل من القطارة تذهب للموظفين ولتوسعة المكان في القطارة وللقائمين على المقام ... وقيل : ان الكثير من اموال المراقد والمزارات توزع بين بعض رجال الدين والمسؤولين الحكوميين والحزبيين .
7-و قيل : ان محافظ كربلاء السابق عقيل الطريحي كان يشرف شخصيا على بناء هذا المكان ... قد قام نائب المحافظ الحبوبي بعد 2006بفتح و تبليط شارع باتجاهين من الطريق العام و حتى مكان القطارة و وضع ( يافطة ) لوحة اول الشارع كتب عليها قطارة الامام علي .
8-وقيل : ان الجهة المسؤولة عن المكان غير معلومة!!!.
9-وقيل : ان الجهة المسؤولة هي : عائلة دينية مقربة من اصحاب القرار .
10-وقيل : المزار يرجع لعشيرة اليسار وبالتحديد للحاج محسن اليساري ؛ وهو تابع لأحدى الجهات الحزبية المتنفذة ؛ ولعل هذا الرأي هو الارجح , بناءا على شهادة الشهود وكثرة القرائن المؤيدة لهذا الاحتمال او القول واعتراف اهل المنطقة بذلك , الا ان هذا الامر لا ينافي تنسيق واتفاق الحاج محسن اليساري مع جهات سياسية وحزبية ودينية .
بمجرد القاء نظرة خاطفة لما مر به العراق بعد عام 2003 بل حتى قبل هذا التاريخ احيانا ؛ يدرك المتابع الاريب ويكتشف القارئ اللبيب ؛ اختلاق الاوراق وتداخل المسؤوليات وتعدد الواجهات والجهات الحكومية وغيرها , وصيرورة احوال الناس في حيص بيص ؛ و اختلاط الحابل بالنابل ، وتداخل الأمور ببعضها البعض - مما زاد الطين بله ووصل السيل الزبى ، وظهر الهرج والمرج , وفار التنور - مما اسفر عن بروز الظواهر السلبية وتفاقمها ؛ ولعل هذه الاحداث من ابرز مصاديق تطبيق سياسة نظرية الفوضى الخلاقة الاميركية في العراق ؛ والوضع كما ترى ؛ ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي : ((ما تعرف رجلها من حماها )) .
(16)
على من تقع المسؤولية في حادثة القطارة ؟
كما وقع الاختلاف وتضاربت الآراء في بيان الجهة المسؤولة عن القطارة ؛ كذلك حدث نفس الامر مع موضوع ( من يتحمل المسؤولية القانونية والشرعية والاخلاقية ) ؛ فالبعض قال :
1-ان وزارة الداخلية هي المسؤولة .
2-وقيل : ان المرجعية الدينية هي المسؤولة .
3-وقيل : ان الوقف الشيعي هو المسؤول .
4-وقيل : العتبة الحسينية والعتبة العباسية .
5-وقيل : الحكومة المحلية في محافظة كربلاء .
6-وقيل : المؤسسة الدينية المنكوسة والتي تتاجر بالمراقد الوهمية والمزارات المزيفة .
7-وقيل : الاحزاب والحركات والفصائل المسلحة المتنفذة .
8-وقيل : تجار المقاولات والصفقات والاستثمارات .
تستطيع في العراق ان تفتح أي مشروع - ( ديني , تجاري , اعلامي, تسليحي , مريخي , خريطي... ) - حتى وان كان وهميا او بدون اوراق اصولية وموافقات رسمية من المؤسسات المعنية او الخبراء عن طريق الرشوة او المحسوبية او من خلال دعم وحماية الجهات السياسية والحزبية والفصائل المسلحة المتنفذة ... ،ولو فُضح فساد المشروع وانتشرت رائحته العفنة بين الجمهور وفي وسائل الاعلام ومواقع التواصل ... ؛ يتم التعتيم عليه و ( لملمة ) الموضوع وتسوية الامور ؛ فمع وجود الدعم السياسي لن تنجح اي جهة رقابية او قضائية او منظمة مجتمع مدنية في رفع دعاوى ضد الفاسدين وكسبها او القاء القبض على الفاسدين ؛ ولعل حادثة او جريمة مزار القطارة الوهمي من الشواهد الجلية ؛ فالكل تبرأ من المسؤولية والجميع صرحوا بانهم لا علاقة لهم بهذا المزار ... ؛ علما ان هنالك مواقع وصحف وصور وفيديوهات سابقة تثبت مباركة اكثر من جهة لهذا المزار بل وتبنيها له ... والعجيب ان مجلس محافظه كربلاء ينفي وجود مسجد (قطارة الامام علي) ولا يعلمون به ؛ علما انه هو من افتتحه وكان من ضمن الحضور محافظ كربلاء السابق ؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان الفساد في العراق ( مقنن ومشرعن ) ولا جدوى من الحديث عن محاسبة المسؤولين والمقصرين وتعويض الضحايا ... ؛ وكما يقول المثل الشعبي الجنوبي العراقي : ((الحجي ماكله الثور )) فجميع الجهات الحكومية والدينية والاهلية والحزبية تبرّأت من المزار والحادثة الأخيرة، ولم يعد بالإمكان تحميل أي جهة مسؤولية ما جرى، وبذلك ضاعت حياة الضحايا سدى ... ؛ كما ضاعت ثرواتنا واموالنا من قبل... !! .
وكان محافظ كربلاء نصيف الخطابي قد أكد أن “موقع التلة الترابية ليس تابعا لجهة معروفة، بل لأشخاص، وتمّ استدعاؤهم”؛ من دون أن يعطي تفاصيل عن هويتهم، وعن الجهة التي قامت باستدعائهم , لافتا إلى تشكيل “لجنة تحقيقية لمعرفة ملابسات الحادث”.
ولكن يجب على ذوي ضحايا القطارة رفع الدعاوي القضائية ضد الجهة التي قامت ببناء القطارة في مثل هكذا مكان محاط بالتلال الترابية العملاقة الملاصقة لها والتي يوجد تحتها مياه جوفيه كثيرة - بالإضافة الى خط الأنابيب الاصطناعي- تهدد البناء بالانهيار في أي وقت ؛ وعلى هذا الأساس فإن المهندسين القائمين على مشروع بناء هذا المكان والجهة التي أوكلت لهم هذا المشروع ايا كانت ؛ عليهم جميعاً تحمل المسؤولية الشرعية والقانونية والأخلاقية أمام ذوي الضحايا وتعويضهم التعويض المالي والنفسي كونهم تسببوا لهم بالضرر المادي والمعنوي وقد ذهب نتيجة هذه الحادثة قتلى وجرحى بالإضافة إلى الضرر النفسي الذي لحق بهم من الخوف والرعب الذي سيبقيان يلاحقانهم مدى الحياة ... و فتح دعوى قضائية ضد الأشخاص الذين استغلوا المكان دون موافقات رسمية ومسائلتهم عن الاموال الطائلة التي كانت تجبى من الزائرين للموقع ؛ ويعتبر هذا الجرم من اوضح صور النصب والاحتيال والذي يقع تحت المادة القانونية ( ٤٥٦ ق ع ) .
(17)
ردة الفعل الحكومية والدينية
بعد مضي 24 ساعة ؛ وقيل بعد مضي يومين من وقوع الحادث المؤلم وتكدس الكتل الكونكريتية فوق جثث الاطفال الطرية والنساء والرجال من زوار القطارة ؛ ... الامور كانت تجري بصورة عادية في اروقة دوائر القرار الحكومي , بل حتى الاعلام الحكومي والحزبي والمؤدلج لم يحرك ساكنا في بداية الامر وكأن الامر حدث في الصومال او الشيشان ... ؛ وبسبب الضغط الجماهيري وتحرك ذوو الضحايا في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى ارض الواقع ؛ تحركت الحكومة ومشتاقتها والاعلام المأجور بصورة بطيئة و روتينية فحكومة الكاظمي كانت عبارة حكومة الكترونية يتحكم فيها ( الفيس وتوتير وترند ؛ حكومة فيس تشتغل على الترند ... تصور بعد يومين من الفاجعة وهم نيام وقد جاءهم ( تحديث ) وتذكروا حادث القطارة كلا من رئيس الجمهورية والكاظمي ... الخ ) ؛ اما الواقع والامه ومعطياته فلا توجد مجسات حكومية ترصد الاحداث في هذا الشأن وغيره , اذ تركت الحبل على الغارب ... ؛ إلى هذا الحد أصبح المواطن العراقي دمه رخيصا ... حيث شاهدنا أشخاص يبحثون عن ( ادريل) لإزالة الحجر واخرين يستنجدون ... ؛ على عكس ما شاهدنا قبل فترة في حادثة الطفل المغربي ريان و الذي سقط في بئر ماء حيث قامت الدنيا ولم تقعد لإخراجه من البئر ؛ اذ استنفرت الحكومة كافة جهودها ويعضدها الاعلام الحكومي والاهلي بل والعالمي ... ؛ اما نحن فمصيبتنا لا شبيه لها ولا مثيل و ( وطركاتنا طركاعة ) ؛ اذ يتعامل المسؤول بهدوء وبرود اعصاب بل وانانية ونرجسية وقسوة وصلافة وحقارة ونذالة مع الاحداث الدامية والحوادث الرهيبة وضحاياها ... والشيء بالشيء يذكر نقل لي احد الشهود انه كان بالقرب من احد مسؤولي الاحزاب الاسلامية فجاء احدهم يخبره بحدوث تفجير ارهابي استهدف الاغلبية العراقية كالعادة عام 2006 ؛ فسأله المسؤول وكم عدد الضحايا , فأجابه : 63 ؛ فرد المسؤول : ( شعجب قليل ) ..!!
المفروض بالحكومة ودوائرها ومنظمات المجتمع المدني والجهات الدينية بالذهاب الى موقع الحادث منذ الساعة الاولى واستنفار كافة المعدات والجهود والخبراء في هذا المجال ... كما تفعل حكومات العالم الاخرى .
و بعد اللتيا والتي ؛ اعلنت وزارة الداخلية عن إغلاق المكان نهائياً , وكذلك اعلن محافظ كربلاء عن اغلاق موقع حادثة القطارة واعتباره مكاناً خطراً على المواطنين... ؛ كم نحتاج من الضحايا – من الاطفال والنساء والشباب والشيوخ - لكي نغلق مئات المراقد المزيفة والمزارات الوهمية والمرافق السياحية المخالفة للضوابط القانونية والمهنية ؛ ومتى نتخلص من الثقافة القبورية والتي تعني ثقافة الموت والضياع واليأس من الحياة والعدمية والتقاعس والكسل والجمود وتعطيل العقل ... ؟!
وسأذكر لكم بعضا من ردود الافعال :
1-هادي العامري يطالب بمراجعة اجراءات السلامة في العتبات والمراقد الدينية لمنع تكرار حادثة القطارة.
2-بيان صادر عن وزارة الصحة : يتقدم وزير الصحة الدكتور هاني موسى العقابي بأحرّ التعازي لأسر ضحايا الحادث الأليم الذي وقع في محافظة كربلاء المقدسة وتؤكد الوزارة أنّه ومنذ اللحظة الأولى لحدوث الانهيار استنفرت الوزارة ملاكاتها المختلفة لتقديم الرعاية الصحية اللازمة وبإشراف ومتابعة مباشرة من قبل السيد وزير الصحة وبمتابعة ميدانية من دائرة صحة كربلاء المقدسة ومديرية العمليات والخدمات الطبية الطارئة في مركز الوزارة وبالتنسيق والتعاون مع الدفاع المدني والجهات المعنية الأخرى.
3-و في تغريدة على حسابه عبر منصة ( تويتر) زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر : يدعو الحكومة إلى التحقيق الفوري بشأن حادثة انهيار المزار الديني في كربلاء ، قائلاً : (( مرة أخرى تتسبب شبهات الفساد بضحايا مدنيين ، في (القطارة) لكن هذه المرة شمل الفساد دور العبادة وبكل وقاحة )) .
4-الكاظمي يوجه وزير الداخلية بالذهاب إلى محل حادثة انهيار التلة الترابية في القطارة للإشراف المباشر؛ و اجرى اتصالاً هاتفياً مع محافظ كربلاء المقدسة لمتابعة العمل وتوجيه للإسراع بإنقاذ المحاصرين في حادثة القطارة .
5-حليم الفتلاوي : ( ممثل التيار الصدري) دعا في تصريحٍ لعدد من وسائل الإعلام المحلية في العراق، إلى : (( ضرورة إغلاق القطارة المعروفة بتلة الإمام علي، وإعادة تأهيلها بحسب الطرق العمرانية السليمة، وأن تصبح بعناية الدولة ومؤسساتها، لا أن تعطى إلى شخصيات متنفّذة وحزبية )) .
6-وأعلن الممثل القانوني للأمانة العامة للمزارات الشيعية في محافظة كربلاء عن “نجاح خطة هدم وإزالة مراقد ومزارات غير قانونية وغير شرعية، ادّعى أصحابها أنها تحوي قبورا عائدة لذرية الإمام علي” ؛ وقال الحقوقي أحمد هاشم مرزا الموسوي، في تصريح للموقع الرسمي للعتبة المقدسة، إن “الشعبة القانونية، التابعة لقسم الشؤون القانونية في الأمانة العامة للمزارات الشيعية في العراق، أخذت على عاتقها التصدي لكل عمليات النصب والاحتيال التي يمارسها البعض، بتشييد المزارات الوهمية في العراق، من أجل ابتزاز الناس، عبر جمع الأموال والتبرعات لها بغطاء ديني”.
7-العبادي : يطالب بفتح تحقيق لمعرفة اسباب حادثة القطارة في كربلاء .
(18)
ردود فعل الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي ودور الاعلام العراقي
وبعد حادثة “القطارة” الأخيرة تزايدت المطالبات من ناشطين ومدونين في مواقع التواصل الاجتماعي ، بضرورة إغلاق جميع المراقد والمزارات الوهمية في العراق.
وقد استغرب البعض من عدم اعلان الحكومة الحداد الرسمي على ضحايا القطارة ؛ واردف قائلا : لكونهم من الاغلبية العراقية ... ولو ان مثل هذا الحدث حصل في احدى دول الجوار او الاقليم لذهبوا الى اهالي الضحايا هناك لتقديم التعازي فضلا عن حكومات تلك البلدان .
وعلق احدهم قائلا : لكون الضحايا من الجنوب لم ولن تكون هنالك قضية رأي عام ؛ وسيبتلعها الاعلام بسهولة ويغض الطرف عنها ولن يغص بأطفالها كما تعاطى مع حادثة الطفل المغربي ريان .
وقال احدهم : مرت 24 ساعة على وقوع حادثة القطارة ؛ ولم نسمع مسؤولا او زعيما يصدر بيان مواساة او تعزية ؛ وكذلك فضائيات الاعلام المزيف و وسائل الاعلام المأجور لم يكلفوا انفسهم بتغطية الحدث والاهتمام به بصورة جدية كما يفعلوا مع بعض الاحداث الاقل اهمية من هذا المصاب الجلل ؛ واكمل قائلا : لو ان هذه الكارثة وقعت في احدى محافظات الغربية او الشمالية لشاهدنا الجميع يركض ويهرول نحو الحادثة ؛ ويصدر التقارير تلو التقارير حولها ؛ كما تعاملوا مع حادثة العبارة في الموصل .
وعلق احدهم قائلا : سمعت اشياء غريبة في العراق وعاصرت بعضها الا انني لأول مرة اسمع ان هنالك مرقدا دينيا للاستثمار التجاري الاهلي .
بينما قال احدهم : تطلبون من السيد الكاظمي التوجه فورا الى كربلاء و فتح تحقيق مع الجميع بدون استثناء و إظهار النتائج امام الشعب بأيام قليلة ... هذا الطلب مستحيل ؛ منذ عام 2003 وكل الجرائم الدموية والعمليات الارهابية بدأ من الاحد الدامي ويوم الاثنين الدامي والسبت ( المفشخ ) والثلاثاء ( المطكك ) وضحايا جسر الكاظمية وعمليات الاغتيال والخطف وتجارة الاعضاء البشرية والمخدرات والسرقات وصفقات الفساد ... الخ ؛ كلها تقيد ضد مجهول واحيان يتهم بها ( الطنطل والسعلوة ) ؛ ولم نرى زعيما فاسدا او فاسدا كبيرا في السجن .
وعلق احدهم : اين دور الاعلام المحلي في تغطية وقائع الحادثة , اين فضائيات العمالة والعار والفتنة والتي تعج بالمناظرات بين المسؤولين الفاسدين والسجالات بين انصاف المثقفين والاعلاميين والمحللين واصحاب الاقلام المأجورة ؛ اين الابواق الاعلامية والثقافية المنكوسة والتي تحرض على الفتنة الطائفية والاقتتال بين العراقيين ؟!
(19)
وكالعادة اظهرت هذه الحادثة مدى الحقد والنفاق والكراهية التي يضمرها البعض , وكذلك كشفت غباء وحماقة وسذاجة البعض الاخر ؛ ناهيك عن خزعبلات وترهات وافتراءات الاقلام المسمومة والعقليات المنكوسة ؛ واليك بعضا من تلك التعليقات والتصريحات والتي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها :
1-اذ علق احدهم قائلا : ما علاقة الامام علي بالجيولوجيا , وكيف اكتشف البئر وازاح الصخرة ... الخ ؟!
وطالما دفع هؤلاء الدجالون الناس الى التجاسر على الشخصيات الدينية والتاريخية المهمة ؛ ومن قال لك ان الامام ادعى ذلك في حياته كي تنسب له الامر بعد وفاته , ولعل ارسال الأئمة من ولد الامام علي الى طبيب نصراني لمعالجة الامام علي اثر التداعيات الصحية لضربة ابن ملجم من اكبر الشواهد على ايمانهم بالأسباب والقوانين الطبيعية بل واحترام اراء اهل الاختصاصات حتى لو كافرا كتابيا – وفق الاصطلاح الفقهي الاسلامي - ... ؛ فالأمر يتعلق بالجهلة والاغبياء من رجال الدين الذين يحشرون انوفهم في كل الاختصاصات ويتكلمون ويثرثرون بجميع المجالات ( ... بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) ؛ وبسبب هذه التصرفات الغبية ( اللطلطه ) اصبحوا اضحوكة للعالم اجمع ؛ الجميع اصبح يضحك على معلوماتهم العتيقة البالية , والاسماء الغريبة المستخرجة من بطون كتب التاريخ المزيف والروايات الضعيفة التي ينشرونها بين الناس , والشعارات التافهة والسطحية التي يحاولون تسويقها لأنصارهم واتباعهم على انها الحق الذي لا مراء فيه ... ومع ذلك ما المانع في اكتشاف الامام علي لبئر في البرية وهو الذي استخرج الماء من العديد من الابار بشهادة كتب الفريقين والتاريخ الاسلامي ؛ حتى ان آبار علي (ابيار علي) الموجودة في السعودية في ذي الحلفية من القسم الجنوبي من وادي العقيق الذي هو احد أودية المدينة المنورة ، وهي مجموعة من الآبار بعضها ردم وبعضها الآخر ما يزال موجودا ماثلا للعيان ومائها عذب فرات، حفرها الامام علي وعددها ثلاث وعشرين بئرا ... ؛ وهذا يدل على ان الامام علي يمتلك خبرة كافية في معرفة اماكن الابار واستخراج الماء منها من خلال الخبرة المتراكمة ؛ او رفع صخرة بمفرده وهو المعروف بقوته البدنية ؛ ناهيك عن قدراته وطاقاته الروحية الاخرى (7)
3-وقد علق البعض- ولعلهم يمثلون نسبة كبيرة من المعلقين - بما يلي : (( ان التعليقات التي تدعو الى اغلاق مزار قطارة الامام علي هي تعليقات حاقدة وبعثية و وهابية , وتعتبر مساس بشخص الامام علي وقدسيته , وقد تشرفت هذا الارض بقدومه , وهذا الحدث يعتبر قضاء وقدر , ويحصل في كل مكان اخر , كما حصل حادث وقوع الرافعة على الحجاج في مكة ؛ واما الكلام عن المواعيد الغرامية وغيرها فأنها لا تخدش قدسية مزار القطارة ... )) ؛ عظمة الامام علي وقداسته في نفوس العراقيين الاصلاء وابناء الامة الاسلامية شيء وهذه الادعاءات الساذجة شيء اخر ؛ اذ لا يوجد ربط بين الموضوعين , والطعن بمقام القطارة وبيان حقيقته وكشف تاريخه ومزاياه الجيولوجية لا يعني الطعن بشخصية الامام علي او النيل منه فتأمل ؛ ولعل هذا المنطق المنكوس الذي يتحدث به امثال هذا , المقصود منه خلط الاوراق والقفز على الواقع وتداعيات الحادثة المأساوية والتلاعب بمشاعر الناس الدينية واستغلالها لجني الارباح والاموال الطائلة , فقد عملت قوى الخط المنكوس على جعل جنوب العراق و وسطه بيئة خصبة لانتشار الانحرافات والخرافات .... وكلما يحذر العقلاء والمختصون من هذا المزار الوهمي او تلك القطارة المزيفة ينبري الجهلة والسدنة والمنكوسون والسذج بالقول : "القطارة تحت حماية امير المؤمنين علي" . ؛ وقد اطلق البعض ( هاشتاك ) ردا على هؤلاء : ((#احكموا البناء فلن تتدخّل الغيبيّات لمنع الانهيار!! ؛ ننصح القائمين على المراقد والأضرحة المذهبيّة وغيرها بأن يضبّطوا إجراءات السّلامة بشكل محكم ودقيق، ويراجعوها بشكل دوريّ ممنهج ؛ ليس لأجل أرواح الضّحايا البسطاء والمساكين من زوّارها فقط، وإنّما لأجل ديمومة عملهم واستمراريّة ابتزازهم وانتفاعهم ؛ لأنّهم إذا تصوّروا بأنّ العنايات الغيبيّة ستدخل على الخطّ وتحفظ هذا الأمكنة من الانهيار إذا ما توفّرت أسبابه فهم واهمون، فهذه الكعبة وهذا مرقد الحسين سينهاران في لحظة واحدة ويخلّفان آلاف الضّحايا أيضاً إذا لم يُحكم بناؤهما بشكل دقيق، اعقلوا أموركم وتوكّلوا في ابتزازكم، والمجرّب لا يُجرّب كما يقولون، والتّاريخ حافل بالشّواهد المؤيّدة، والله من وراء القصد.)) .
2-وعلق احدهم قائلا : المسألة ليست مسألة هل المقام حقيقي ام وهمي ؛ اذ ان هنالك كارثة انسانية حدثت سواء طبيعية كانت ام بفعل خطأ بشري ... فالمفروض بنا ترك الجدال والمناقشات حول القطارة ؛ ونستنفر كافة جهودنا لنجدة ومساعدة ضحايا الحادثة ؛ من خلال تقديم العزاء لذوي الضحايا والمطالبة بحقوقهم ومحاسبة المقصرين , وتقديم العلاج للجرحى والمصابين ؛ وفي نفس الوقت الذي ندعو فيه للتعاطف مع الضحايا الا ان ذلك لا يعني ان نتأثر بعواطفنا فحسب ونبعد العقل والوعي بأصل المشكلة وكيفية حدوثها ورصد حالات الاهمال والخلل ومعالجتها وفق المعطيات العلمية والمهنية ؛ تصور ان البعض ترك الأخطاء الهندسية وغياب التخطيط والسلامة المهنية في القطارة وشبهات الفساد في هذا الملف وتداعيات الكارثة واعداد الضحايا وفاجعة الاطفال العالقين تحت الانقاض ، وانشغل هل القطارة مزار ديني ام معلم سياحي ام مقام وهمي ... .
(20)
وقد اجرى البعض مقارنة بين الحادثتين ؛ حادثة الطفل المغربي ريان والطفل العراقي في حادثة القطارة ؛ فعندما سقط الطفل المغربي في البئر ؛ قامت الدنيا ولم تقعد , واستنفرت المملكة المغربية كافة جهودها وبالسرعة القصوى لإنقاذ الطفل ريان بل جاءت فرق انقاذ من الخارج ... , بسبب تضامن كافة وسائل الاعلام المغربي وتعاطف ابناء الشعب مع الحدث ؛ مما جعل القنوات العالمية والعربية بل والعراقية تحذو حذو قنوات المملكة المغربية ؛ و تعاطفت جميع بلدان العالم مع الطفل المغربي ريان و صاروا يترقبون وينقلون الأخبار بالتفصيل الممل ... ؛ ولمن يسأل عن سبب التعاطف الدولي والعربي بل والعراقي الكبير مع الحادثة ؛ فالجواب : ان في المغرب حكومة واعلام وساسة واحزاب ومنظمات هيجوا الرأي العام في العالم أجمع على حادثة الطفل ريان ... ؛ و اغلب العراقيين تضامنوا ووقفوا مع الطفل ريان وعائلته وكل القنوات الإعلامية العراقية بدأت تنقل الأخبار اولا بأول , وابلى النشطاء والاعلاميين واصحاب ( البيجات ) والمواقع العراقيين بلاءا حسنا وصل الى حد التملق والتمرغ في التراب ... ؛ ولنسلط الاضواء الان على حادثة القطارة العراقية , الكل صمت وكأن على رؤوسهم الطير , واطفالنا تحت الانقاض ؛ اعتبروهم اخوة ريان ايها المنكوسون الجبناء الانذال وتفاعلوا معهم , فالبعض من العراقيين او من المحسوبين على الهوية العراقية زورا وادعاءا ؛ ينطبق عليها المثل الجنوبي العراقي ( شفجه على الغير , غمه على اهلها ... أي انها تحن على الغرباء وتقسو على اهلها ) ؛ اذ لم نرى مثل هذا التضامن والوقفات الإعلامية والدعوات الانسانية والدعاء والابتهالات الدينية مع اطفال وضحايا حادثة القطارة في محافظة كربلاء المقدسة ... ؛ و كأن الأمر لا يعنيهم ؛ فتحولوا بقدرة قادر الى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم لا يتكلمون ) ... ؛ ، فلم نرى مثل هذا التعاطف الانساني و التهويل الإعلامي العراقي تجاه قضيتنا العراقية واطفالنا الابرياء ؛ بل ولم تسلط اضواء الاعلام العالمي والاسلامي والعربي على الحادثة ؛ والشريف فيهم مر عليها مرور الكرام او عرضها بصورة سلبية كالمعتاد , ولم نحصل على العطف والتضامن العربي ... ( يعني بالعامية محد بحالك ولا واحد يهتم لك ) ... وخرسوا ( النواشيط ) النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي , وتغافلت فضائيات الفئة الهجينة والبعثية والقومية والحاقدة والمنكوسة عن الكارثة ولم تعرج عليها كثيرا ... .
ولم يذكروا اسم الطفل العراقي الجنوبي العراقي البطل الغيور – في قنواتهم المنكوسة - , وهو عالق تحت الانقاض وبين الركام ؛ صدع بأعلى صوته قائلا : ((اخاف اموت وابوي ما عنده بس اني )) وهو يعالج سكرات الموت الذي قد ينقض عليه بأي لحظة لا يفكر بنفسه بل بأبيه ؛ يخاف ان يترك اباه وحيدا في هذه الحياة من دون سند ؛ ولو كان هنالك انصاف و وجدان لكتبت تلك الكلمات التي تفوه بهذا الطفل العراقي الاصيل بماء الذهب ؛ لأنها تجسد ملحمة عراقية قديمة ؛ فالعراق دائما يحتاج الى دماء ابناءه , وكذلك العراقي يحتاج لإخوته وابناءه ويعبر عنهم بالعامية ( حزام الظهر ) و ( ال خلف ما مات ) فهم درعه في المعارك وسنده في الخطوب ... ؛ وعندما تسمع كلمات هذا الطفل الاصيل تتداعى الصور والاحداث امام ناظريك ؛ فكم من ثكلى توسلت بالجلاد التكريتي ان يترك اخاها الوحيد , وكم من اب توسل بالسلطات البعثية ان يعفوا ابنه الوحيد من الخدمة العسكرية في حروب صدام العبثية , وكم من أم قدمت تظلم لرجال الفئة الهجينة المجرمين من اجل اصدار عفو خاص يخلص ابنها الوحيد من حبل المشنقة , وقد توسل الحاج ياسين بمجرمي الحرس الجمهوري عام 1991 والذي مر منهم وبمعية ولده الوحيد والذي رزق به بعد انجاب 7 بنات , والبالغ من العمر 13 عاما وقتذاك ؛ اذ اخذوا الصبي منه بالقوة في سيطرة بين الحلة وكربلاء , وذهب صادق ابن الحاج ياسين مع الوحوش ولم يعد ... ؛ وكم قيل قديما : اذا عرف السبب بطل العجب ؛ فهل يتوقع العراقي الاصيل ان يتعاطف معه المجرم الدخيل الذي كان يقتل ويعذب اطفال وابناء الاغلبية العراقية بدم بارد او الذي اهلكهم بلا رحمة ولا شفقة من خلال مئات العمليات الارهابية والانتحارية والتفجيرات الدموية بعد عام 2003 ... , واما الاعلام العربي فلم ولن يتفاعل مع اي حدث شيعي او ضحايا من الاغلبية العراقية ؛ فما حن دخيل على اصيل قط , وما رحم غريب ابناء الوطن الاصلاء ... .
..............................................................................................
1-المصدر : المصدر : دور الرجاء في صناعة المزارات الوهميّة / نصير عواد .
2-المصدر (حلم الليل يتحوّل إلى مرقد في الصباح.. الذكور لـ"الكاظم" والإناث لـ"الحسن" /محمد المحمودي)(2)
3-المصدر (الحطام العراقي المقدّس.. المزارات الوهمية أنموذجًا / رعد أطياف ) / بتصرف.
4-دور الرجاء في صناعة المزارات الوهميّة / نصير عواد / بتصرف / قد ذكرت هذه المعلومة في هذه المقالة ايضا .
5-المصدر (حلم الليل يتحوّل إلى مرقد في الصباح.. الذكور لـ"الكاظم" والإناث لـ"الحسن" /محمد المحمودي)
6-الفضائل لشاذان: 104.
7-المغانم المطابة في المعالم طابة : 318 .