احتل العراق مركز الصدارة في العقود الاخيرة من القرن المنصرم في تلاشي العدالة وغياب القانون وانتهاك حقوق الانسان وممارسة ابشع وسائل التعذيب بحق مواطنيه العزل ؛ اذ صار يشار اليه بالبنان في مجال قمع الحريات العامة وانزال اقسى العقوبات بحق السجناء والمعتقلين حتى الابرياء منهم .
فقد سلك النظام العارفي الاول والبعثي ؛ بدءا من الحرس القومي , والمجرم صدام واشقائه اولاد (الزكلبي ) وأبناؤه واقاربه واتباعه ولقطاء تكريت و( شقاوات )بغداد المشبوهين ووزرائه وقادة جيشه ورجالات البعث وزمره الهجينة والغريبة والاجنبية الاجرامية ومرتزقته من شذاذ الافاق ... سلوكاً همجيا وحشيا قاسيا بعيداً عن آليات المؤسسات في الحكم ، وهو ما أنعكس على أساليب وسياسات الدولة ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بل والعامة ، والتي مارست انتهاكات دموية رهيبة بحق العراقيين الاصلاء لعقود من الزمن.
و استخدم نظام صدام بن ابيه بقضه وقضيضه التعذيب بصورة منهجية ورسمية لإنهاء كل انشقاق أو معارضة ضد الحكومة الباغية او ابداء رأي او معتقد قد يتعارض مع اخلاقيات وافكار الفئة الهجينة او يتقاطع مع اراء سفلة البعث واراذل تكريت ؛ اذ قامت قوات الفئة الهجينة الحاقدة وقوات صدام الأمنية والعسكرية بتعذيب السجناء و المعتقلين لانتزاع المعلومات و ((اعترافات)) منهم ، او لمعاقبتهم وترهيبهم واذلالهم وتدميرهم فحسب ، كما وأسست لأساليب مرعبة من التعذيب وابتكرت عدة طرق وفنون رهيبة من اصناف العذاب ، مع يقينها التام بأنها محصنة ومفلتة من العقاب العادل دائماً ومدعومة من الخارج ايضا ؛ ولعل من اكبر الادلة الدامغة على ذلك هروب كافة مجرمي الفئة الهجينة خارج العراق بعد سقوط الصنم عام 2003 دون ان يصيبهم أذى او يتعرضوا لمكروه او يحاسبوا بل ان بعض المجرمين منهم بقوا في العراق وانخرطوا في الدوائر الحكومية وعملوا في مجالي الصحافة والاعلام وحقوق الانسان وما عشت اراك الدهر عجبا .
نعم لقت القلة القليلة منهم حتفها على ايدي احرار الامة العراقية بعد سقوط صنمهم الاحقر .
وحديثنا اليوم عن باستيل اخر من سجون صدام الرهيبة ومعتقل معروف من معتقلات الفئة الهجينة الارهابية الا وهو معتقل الرضوانية سيء الصيت والسمعة .
اذ يعد معتقل " الرضوانية "، واحدٌ من المعتقلات البعثية التكريتية الصدامية التي كانت معدّة للمواطنين العراقيين على تعدّد أعراقهم وأعمارهم وتوجهاتهم ، وهو كسائر معتقلات الفئة الهجينة الارهابية ؛ يُلقى فيه البشر طبقًا عن طبق ، ينتظرون أن يختطفهم الموت الذي يحومُ حول كل منهم، وقد يتمنّونه ولا ينالونه احيانا .
و موقع الرضوانية يقع الى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد قريبا من مطار بغداد الدولي او ما كان يسمى (( بمطار صدام )) ، وهذه الاراضي الشاسعة تضم معسكر الرضوانية الذي بنته شركة يابانية عام 1980 وقيل عام 1985 ؛ كمعسكر للجيش : والمعسكر عبارة عن ((جملونات)) اربعة استخدمها النظام لتخزين الاسلحة الكيماوية ... ؛ وتم افتتاح معسكر ضبط الرضوانية فيما بعد , التابع مباشرة للحرس الخاص وقوات الحرس الجمهوري باقتراح واشراف مباشر من قبل المجرم حسين كامل عندما كان مسؤولا عن الحرس الخاص .
وكان معسكر ضبط الرضوانية مخصصا لمعاقبة عناصر الحرس الخاص وطواقم الحماية الرئاسية ومن ثم للعاملين في هيئة التصنيع العسكري وغيرهم من موظفي البلاط ومقربيه من ابناء الفئة الهجينة وغيرهم ؛ وقد ذكر المدعو سعد الاوسي – صاحب قناة العراق الان- في احدى مقالاته المنكوسة انه كان معتقلا في معسكر ضبط الرضوانية عام 1987 , ومما قاله : (( ... كنت سجينا في احدى زنزانات معسكر الرضوانية، حينها بدأنا نسمع اناشيد واغاني وطنية॥ نصغي لها بدقة والتي رافقتها البيانات العسكرية التي كانت تصدر من القيادة العامة للقوات المسلحة، كان معي في السجن مصور صدام حسين (طه) و(وائل سعدون حمادي)! وغيرهم من افراد سرايا الحماية الخاصة والحرس الخاص ومهندسين يعملون في القصر الجمهوري واعلاميين ورياضيين من نادي الرشيد الرياضي كانوا يقضون معي فترة العقوبة في سجون الرضوانية ... )) ؛ ومن المعروف ان نظام صدام والطغمة الهجينة قد اصدر الاوامر عام 1987باعتقال 500 شخص كل يوم من بغداد وبصورة عشوائية وذلك لإرهاب الناس حتى لا يتكلموا بالسياسة او يشجبوا الحرب وسميت تلك الحملة الارهابية ب ( اسبوع الضبط ) في معتقل الرضوانية وقد ادلى احد المعتقلين بشهادته قائلا : (( ان الجلاوزة لفقوا تهم كيدية ضدنا فيما بعد ؛ علما انهم اعتقلونا من الشوارع والاماكن العامة وبلا جرم ... )) (1) .
وبعد الانتفاضة الخالدة للأغلبية العراقية الاصيلة وبعض مكونات الامة العراقية عام 1991 - و بسبب غدر المجتمع الدولي والاعراب وادعياء العروبة ودول الجوار بالعراقيين الاصلاء تم القضاء على الثورة الشعبية العراقية العظيمة - ؛ تم تحويل ( الجملونات او القاعات) الى معتقلات ، اذ كان يشرف عليها المجرم صدام كامل ، شقيق المجرم حسين كامل التكريتي ؛ وكان يودع فيها كل من يلقى القبض عليه اثناء الانتفاضة العراقية من جميع المحافظات ، حتى بلغ العدد اكثر من 50 الف معتقل بل قيل اكثر من 150 الف ... ؛ وبعد انشقاق المجرم حسين كامل واخوته المجرمين عن طاغية العراق ابن صبحة عام 1995 ؛ تغيرت ادارة المعتقل , علما ان هذا السجن يضم خمسة اقسام، بينها واحد يعرف باسم «السجن الخاص» و الذي يشرف عليه المجرم قصي صدام - ( رئيس جهاز الامن الخاص والمشرف على الحرس الجمهوري) - ، وهو خاص بالأسرى الكويتيين ، مع قاعة خاصة بالضباط والقادة والمسؤولين ... وقد اشرف المجرم قصي على المعتقل بكل اقسامه فيما بعد بمساعدة بعض مجرمي تكريت , بالإضافة الى «قسم الحيوانات !!»: وهو الاسم الذي يطلقه مرتزقة السلطة الهجينة واوغاد ولقطاء تكريت على ( الجملونات ) التي يعتقل فيها المعادون للسلطة وابناء الاغلبية العراقية ؛ و يوجد في الرضوانية «معسكر الضبط» : وهو معسكر خاص يتم فيه معاقبة من يرسله صدام حسين او احد افراد عائلته او جلاوزته المقربين ، فيتم «تأديبه او تعذيبه » وفقا لما حددته الجهة التي ارسلته... , ويوجد قسم خاص ايضا يسمى «الحجز الخاص» وهذا معد لمعتقلين يرسلون من قبل رجال الطغمة الصدامي لـ«تأديبهم او تعذيبهم » وهنالك اقسام اخرى للاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية ؛ والى جانب هذه السجون والمعتقلات يوجد ايضا:
ـ مقر كتيبة دبابات تسمى «كتيبة دبابات عدنان» ومهمتها حماية بغداد في حال حدوث اضطرابات فيها بالإضافة الى مقر مدفعية الحرس كما قيل .
ـ نقطة توزيع الارزاق للحرس الخاص والعاملين في المعسكر، وكذلك «الفوج الخامس» وهو فوج خاص بالحماية.
وفي هذه الارض اللعينة يوجد ايضا المجمع الرئاسي ؛ اذ يقع فيها أحد أفخم القصور الرئاسية في العراق ( قصر الرضوانية ) ، و الذي يعرف أيضاً باسم "قصر الراية"، ، وتبلغ مساحة القصر 6.9 أميال مربعة، ويضمّ نحو 200 غرفة وأكثر من 30 قاعة اجتماعات وبحيرة تحيط به من كل جانب، فضلا عن مسجد وقاعات رياضية ... بالإضافة الى إن فيها بيتا كبيرا يطل على النهر يعود إلى المجرمة ساجدة خيرالله ، زوجة رئيس النظام صدام ... ، كان بمثابة منتجع رئاسي للديكتاتور المجرم صدام ، وقد تم تزيينه بالرخام والأثاث الفاخر والآثار المخصصة لصدام .
ويقع قصر الرضوانية في غرب بغداد ، وكان الموقع الرئاسي الرئيسي لصدام وكان موقعًا رئاسيًا نموذجيًا ؛ يحدها من الشمال قصر تل محل وشارع الأردن و في الجنوب أحياء متفرقة نائية ؛ و شرقا بضواحي العامرية وحي الفرات وعلى الغرب مطار بغداد الدولي , و تحيط بالمنتجع السابق أسوار عالية , و تساهم أبراج المراقبة المتعددة في الحفاظ على المراقبة والأمن للموقع الاجرامي .
بالإضافة إلى وجود تلين من صنع الإنسان والعديد من البحيرات الاصطناعية ، فإنه يضم قصرين رئاسيين ؛ عادةً ما يطلق على الجزء الشمالي الاسم الأكثر شيوعًا ، قصر الفاو ؛ و يُعرف الجنوب باسم قصر النصر على إيران.
بدأ المنتجع كقصر واسع لسكن صدام وعائلته عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية المجرم البكر قبل ان يضم اليه الاراضي الشاسعة المحيطة به واغلقت المنطقة تماما ومن جميع جهاتها بعد ان انشأ فيها بحيرات صناعية وشقت اليها السواقي.
وبما ان المجرم الوغد والمأبون الشاذ صدام بن صبحة لا تكتمل سعادته ولا تتم فرحته الا من خلال سماع صراخ المعتقلين وانين المواطنين العراقيين ؛ قرر انشاء معتقلات تعذيب ومراكز ضبط وسجون تصفيات جسدية في منطقة الرضوانية اللعينة بالقرب من قصوره ... ؛ واليك شهادة بعض الشهود : ان المجرم صدام كان يشرف شخصيا على بعض حفلات التعذيب في الرضوانية وفي احدى المرات امر احدى عاهرات ومومسات القصر بالرقص على جثث القتلى المغدورين من احرار العراق والقفز عليها .
وقد شهد احد المعتقلين الناجين من الموت بأعجوبة : ان الجلاوزة والجلادين نقلوهم – المعتقلين والسجناء – من مكان الى اخر عندما جاءت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة في عقد التسعينات من القرن المنصرم , وفي احدى المرات وضعوهم في احدى حدائق منتجع الرضوانية – بصورة مؤقتة - حيث المياه والورود وزقزقة العصافير و قهقهت النساء العاهرات ... .
هذه القصور الصدامية اللعينة كانت جنة للجلاوزة المجرمين والعملاء الجلادين وجحيما للعراق والعراقيين ؛ اذ تشير التقديرات المتوفرة إلى نحو 80 مجمعا رئاسيا شيدها المجرم الوغد صدام في عموم مناطق العراق بتصاميم مختلفة وخبرات اجنبية ، وقد كلفت ميزانية العراق وخزينة الدولة عشرات المليارات ؛ فقد قدر البعض تكلفتها الاجمالية ب 80 مليار دولار ...!!
هذه الاوكار اللعينة سماها مرتزقة الفئة الهجينة ولقطاء تكريت ب (( قصور الشعب )) .
والحق انها اوكار العملاء المتآمرين على الشعب العراقي العظيم , واماكن المرتزقة الجلادين والقتلة المأجورين ومعتقلات لأحرار وابناء العراق المظلومين .
طالما لفتت هذه القصور الرئاسية انتباه كل من يشاهدها من بعيد ، ويعتري الفضول كل من نظر لأسوارها العالية وأبوابها المؤصدة ، من يسكن بها ؟ ما طبيعة حياتهم ؟ ماذا يجري بها ؟
هذه القصور اللعينة كانت قلاع رعب ؛ فالويل لمن يقترب منها ولو بطريق الخطأ , والويل لمن تعطل سيارته بالقرب منها , والموت لمن اشار اليها بيديه ... انها محرمة على الشعب وكانت تسمى قصور الشعب !!
وصدق من قال ان شر البلية ما يضحك ؛ نعم انها قصور الفئة الهجينة والطغمة الصدامية الباغية , انها قصور العملاء والماسونيين ورجال الاستعمار وخدام قوى الاستكبار العالمي ,انها قصور اعداء الامة العراقية المنكوسين ......؛ كان المجرم صدام يستضيف في منتجع الرضوانية أصدقاءه ونظرائه – في العمالة - واسياده للقيام برحلات صيد وقنص ودعوات عشاء وحفلات شواء , وكان المجرم صدام يصطاد في بحيرة المنتجع الاسماك ليتم شواؤها على طريقة «المسقوف» البغدادية ؛ ويتذكر عدد من الرؤساء والملوك العرب الحاقدين المنكوسين الذين استقبلهم صدام هذا المنتجع جيدا لجماله ولاحتوائه على عدد من الحيوانات المستوردة من افريقيا.
وخلال الاحتفالات بعيد ميلاد المجرم صدام في 28 أبريل (نيسان) عام 1996 كان المجرم صدام قد دعا اليميني الروسي فلاديمير جيرونوفسكي ، الذي عرف بعمق صداقته مع صدام المشنوق ، الى منتجع الرضوانية والذي خرج فيما بعد بتصريح صحفي قال فيه : «أخذني صديقي الرئيس الى منتجع جميل حيث احتسينا الجعة معا واكلنا السمك المشوي الذي صاده صدام بنفسه احتفالا بعيد ميلاده » .
كان صدام مولعا ببناء قصور فخمة وكثيرة بعد عام 1991 ؛ وذلك كردة فعل لإذلاله واهانته وسجنه بموجب قرارات مجلس الامن الخاصة بالحصار والتي بموجبها منع شخصيا من زيارة اي بلد ومنع كافة افراد حكومته من السفر الى الخارج الا عن طريق الاردن حصريا واخذ يشعر بالمهانة امام دول الخليج فاراد ان يعبر عن غلواءه وكبرياءه بهذه القصور الخيالية التي انهكت خزينة الدولة - ( لان اكثر معداتها الكهربائية والصحية كانت تستورد من ارقى الشركات الغربية وبأسعار باهظة جدا مقابل العملة العراقية المنهارة ) بينما كان الفقر ينهك الطبقة الفقيرة والمتوسطة واصبح الشاب العراقي يسافر الى الاردن او اليمن او ليبيا من اجل الحصول على لقمة العيش له ولعائلته وهكذا شدد هذا المستهتر الارعن من وطأة الحصار على الشعب لان اموال القصور لو كانت توزع بشكل عادل على الشعب لغيرت من واقعه المؤلم بشكل جذري..., وهنالك خطوة خبيثة قام بها للتغطية على فساده وسوء نواياه وهي رفضه لمشروع الامم المتحدة في توزيع الحصة الغذائية واصر لمدة خمسة سنوات ؛ لكي يجعل توزيعها عن طريق الدولة وتذرع بشتى الذرائع الكاذبة للتغطية على هذه الفضيحة لان الامم المتحدة قد قررت توزيع ما يقرب من ثلاثين مادة غذائية من افضل المناشئ ؛ وهذا لو تم فانه يمثل سقوط ذريع له ولحزبه الذين لم يجد الشعب على ايديهم الا الفقر والذل والانحطاط ..., وبعد خمسة سنوات من التدمير اي في عام 1995 حصل على الموافقة واخذ يوزع الطحين المملوء بالنخال والتراب ثم اقتطع نصف الحصة وباع الرز عن طريق حسين كامل على التجار ... .
ومما صرح به المدعو مشعان الجبوري في هذا الصدد : (( انه التقى بالمجرم صدام كامل في الاردن – اثناء هروبه - وقد اصيب بمرض في عينيه وقال له المجرم صدام كامل : انها حوبة الناس الابرياء الذين قتلناهم بالجملة ابان الانتفاضة عام 1991 , واستطرد قائلا : انه بعد ما تعب من استخدام الرشاش لحصد نفوس المئات من المعتقلين ؛ جاء بنوع ثقيل من الرشاشات تستخدم من خلال الحمل على السيارات والاليات العسكرية وتعمل من خلال الضغط عليها بواسطة القدمين وتطلق اطلاقات كثيرة جدا وفتاكة في نفس الوقت واستعملها ضد المعتقلين في الرضوانية ... )) ؛ اذ سقط المئات تلو المئات وقتلوا وحدانا وزرافات .
وقال الجبوري في موضع اخر انهم كانوا يعلموا اطفالهم على صيد الحيوانات وطالما اخرجوا معتقلين من السجون كالرضوانية وغيرها ... ويأمروا المعتقلين بالركض والجري وهم يبدأوا بالقنص والصيد كما الحيوانات ويتساقط احرار العراق كتساقط ورق الخريف .
واخيرا تحققت العدالة الالهية عندما وضع المجرم الوغد صدام بن صبحة في قصور الرضوانية سجينا ذليلا منبوذا عندما القي القبض عليه مختبئا كالجرذ في حفرة قذرة كقذارة شخصه واصله وتاريخه .
وقد انطبق المثل الشعبي العراقي على قصور صدام : ((مال الخسيس يروح فطيس )) اذ اضحت تلك القصور اللعينة القذرة ملاذا لقوات الاحتلال اذ تحول المجمع الى ما يطلق عليه اسم «معسكر النصر» ، وهو قاعدة أميركية مترامية الاطراف أقام فيها كبار جنرالات الجيش الأميركي مقار قيادتهم ؛ وعلى مقربة منه يوجد «معسكر الحصاد» وهو معتقل الرضوانية ... بينما اصبحت قصور تكريت اللعينة مقرا للدواعش للإرهابيين والقتلة الذباحين ولعل مجزرة سبايكر اكبر شاهد على ذلك ... بعد كل هذه الحقائق الدامغة لا زالت الفئة الهجينة تتدعي انها كانت قصورا للشعب ؛ والحقيقة ان هذه القصور بناها العميل الذليل ابن صبحة لأسياده ؛ فقد اتقن هذا العميل الرخيص الدور واجاد التمثيل وصدق الدوري عندما قال : (( الان انتهت اللعبة )) ابان سقوط النظام الهجين ... .
تعال معي عزيزي القارئ الان لمعرفة الوجه الاخر للرضوانية اللعينة ؛ ففي عام 1991 عجت ارض الرضوانية بعمليات الإبادة الجماعية البطيئة الممنهَجة التي كان يمارسها الدخلاء المجرمون والقتلة الصداميون ضدّ المعتقلين العزل العراقيين ؛ فالمعتقل قد يبقى حيا طالما ظلّ جسدُه صامدًا منيعًا ضد الأمراض والحر والبرد القارس والجوع والعطش والجنون والإرهاق والسهر والتعذيب ... ، وطالما ظل سامعًا مطيعًا ذليلًا لجلادي الرضوانية وإلا فمصيره الانضمام لكومة الجثث الملقاة على الارض في كل مكان او الى زمرة المرضى والمعاقين في ركن أحد المعتقلات ينتظرون دورهم في طابور الموتى ... , أو قد يُلقى من مكان مرتفع او من طائرات الهليكوبتر من اجل لهو الطغمة لا غير او قد يلقى عليه (التيزاب ) وهو عاريًا ليتحوّل إلى كتلة محترقة مشوهة وقد يستمر بالصراخ الى ان يلفظ آخر أنفاسه ، أو يتمّ جرّه ببساطة إلى غرفة أحد الضباط او الحراس ليتم اغتصابه أو تعذيبه حتى الموت أو يملّ منه الضابط السكران فيخرق رأسه برصاصة طائشة او يجر على الاسفلت من خلال ربطه بالسيارات .
كان الضحايا من ابناء الاغلبية العراقية من الجنوب والوسط يحملون بواسطة سيارات الحمل ( اللوري القلاب ) مكدسين بعضهم فوق بعض - كما شاهدتم ضحايا سبايكر- ؛ اطفال ونساء وشيوخ ورجال وصبيان وشباب عزل ؛ ليتم رميهم في حفر بواسطة ( اللوري القلاب ) ويدفنوا وهم احياء في ارض الرضوانية اللعينة ؛ وقد نقل احدى الشهود العيان وهو المدعو ملا ابراهيم المصلاوي من اهالي الموصل انه رأى اكثر من ( لوري قلاب ) فيه عراقيين من اهالي الجنوب تم بتر ايديهم وارجلهم واغلبهم ماتوا الا انه رأى بعضهم احياء يأنون من شدة الالم على الرغم من النزف , اذ كان ( اللوري القلاب ) يقطر دما عبيطا ؛ وقد رموا تلك الجثث في حفر اعدت مسبقا لذلك في الرضوانية .
وينقل السجين الشيخ رحيم صحن الازيرجاوي انه رأى في معتقل الرضوانية مشاهد رهيبة لا تصدق ؛ فالبعض معلقين من اقدامهم المربوطة في حلقة خشبية تتدلى من عامود حديدي تحت اشعة الشمس اللاهبة .. كانوا يبدون مذهولين عن الدنيا تماما.
وقد جاء الجلادين ببعض الضباط المحسوبين على الاغلبية العراقية – اثناء الانتفاضة عام 1991 - وقاموا بتعريتهم وتشريح ظهورهم بالحراب الحادة ثم وضع الملح والفلفل الحار على تلك الجروح .
بينما تم حصر مجموعة كبيرة من المعتقلين في زاوية محاطة بالأسلاك الشائكة وهم عراة وقام الجلادون بضربهم ضربا قاسيا مبرحا على كافة مناطق الجسم وبلا استثناء وبالهراوات الخشبية والحديدية والبلاستيكية وقد يسقط بين الفينة والاخرى معتقلا مضرجا بالدماء ؛ اذ يلفظ انفاسه الاخيرة تحت وقع الهراوات المؤلمة .
بينما كان يتم عصب عيون المعتقلين وكان يتم تجريدهم من ملابسهم وتعليقهم من أرسغتهم في أوضاع قاسية ملتوية لعدة ساعات في كل مرة ؛ وكانوا يتعرضون للصعق الكهربائي في أعضائهم التناسلية وآذانهم وألسنتهم وأصابعهم ؛ وللضرب على باطني القدمين (الفلقة) ، والجلد والضرب بعصى الخيزران والخراطيم والقضبان المعدنية ؛ وللحرق بالسجائر، أو ثقب أيديهم بالحفار الكهربائي ، أو نزع أظافر أقدامهم أو أيديهم”.
واكمل الشيخ رحيم صحن شهادته قائلا : كلما قال زبانية الرضوانية ان الواجب قد جاء – ويقصدون به المجرم صدام – يشتد العذاب وترتفع وتيرة التعذيب وبلا هوادة ؛ اذ كان المجرم صدام - وكذلك المجرم عدي وقصي - يزور المعتقل ويشاهد سير عمليات التعذيب بنفسه احيانا ... .
كان التعذيب مستمرًا وممنهجا لعدة سنوات متصلة لا من أجل انتزاع معلومات أو معرفة اعترافات جديدة حيث من الممكن منطقيا أن يكون حينها مسوغًا للتعذيب ، ولكن من أجل إحداث أكبر أثر من الإذلال النفسي بهدف تدمير الشخص العراقي الاصيل داخليا تماما ؛ فلا يستطيع أن يتعامل مع المجتمع فضلا عن أن يؤثر فيه ... انها اوامر اسياده الذين امروه بتدمير العراق وسحق كرامة العراقيين واخضاعهم .
ومن الواضح ان منطقة الرضوانية مليئة بالمقابر الجماعية , فقد ابتلعت هذه الارض اللعينة الاف الابرياء من الرضع والاطفال والصبيان والشباب والرجال والشيوخ والبنات والنساء والعجائز من العراقيين الاصلاء .
ونقلاً عن ناجين من هذا المعتقل فان الآلاف قد تم اعدامهم في معتقل الرضوانية اثر احتجازهم في أحداث عام 1991 من مختلف انحاء العراق ونقلهم الي هذا السجن الرهيب المعروف بين العراقيين، حيث يرادف الموت عند العراقيين، ولم يخرج من بين معتقلي الرضوانية سالماً غير عدد قليل من السجناء الذين يتعرضون عادة الى تعذيب بشع .
ولا يعرف احد لا من العراقيين الاصلاء ولا من ذوي المعتقلين عدد السجون والمعتقلات الموجودة في العراق وأماكنها بصورة تفصيلية و واضحة او عدد المقابر الجماعية ومواقعها ، حيث يعتبر ذلك سراً من أسرار الحكومة العميلة الاجرامية والفئة الهجينة الارهابية ؛ اذ كان من غير المسموح لأسر السجناء القيام بزيارات منتظمة الي السجون لزيارة السجناء خلافا للقوانين الدولية التي تكفل حق السجين بزيارة أسرته له خلال فترات محددة ؛ لذلك ضاعت الكثير من الحقائق المؤلمة مع الضحايا المغدورين والصرعى المظلومين .
وكان يتم دفن المغدورين داخل المعسكر او خارج سياجه في مقابر جماعية او فردية ، او تنقل جثثهم بطائرات هليكوبتر ويرمى بها في الصحراء قرب الحدود العراقية السورية كما قيل لتأكلها وحوش الفلاة .
و حراس الرضوانية و زبانية المعتقل كانوا يقهقهون ويضحكون كلما مات معتقل ويعلقوا على ذلك بقولهم : (( يموت جلب ويجي جلب بمكانه ( اي كلما مات كلب يأتي كلب ليحل محله وهكذا تستمر دوامة العنف والقتل والعذاب ..!!) ..)) .
تصور ان المجرم الضابط جمال التكريتي ابو مصطفى – من اهالي العلم – امسك بقدم طفل رضيع في احدى غرف تحقيق او تعذيب الرضوانية و ضرب رأس الطفل بالحائط وتهشم رأسه امام والديه المكبلين بالأصفاد والسياط تلسع جسدهما .
ومن مجرمي الرضوانية محمد بدي التكريتي اخو المخرج حسين التكريتي ... ؛ فقد قام هذا المجرم بحرق عائلة جنوبية علوية بمادة ( البنزين) وامام انظار المعتقلين وذهولهم .
واليك هذه القصة المؤلمة والتي يرويها لنا السجين الحر الدكتور حميد الطرفي : ((اتذكر عندما كنا في سجن ابي غريب وبعد أن أمضى بعضنا عشراً وبعضنا ثمان سنين عجاف طحنتنا تعذيباً والماً وفراقاً وجوعاً وعطشاً ، وبالتحديد بعد انتفاضة شعبان عام 1991 صال الحرس الرئاسي والأمن الخاص والأمن العام على سجننا أيضاً ليأخذ مجموعة من السجناء الى معتقل الرضوانية الرهيب فكان من بين من تم اقتياده الى هناك احد خطباء المنبر الحسيني المرحوم هادي الشوكي ، فحدثنا بعد عودته واعدام عدد من إخوانه ، أنه ذات ليلة تم استدعاؤه إلى غرفة التحقيق ليجد هناك صدام كامل صهر الديكتاتور صدام حسين وشقيق حسين كامل صهره الثاني وكان معه عدد من ضباط التحقيق يقهقهون ويضحكون في حفلة تعذيب واعدامات لهوية للمعتقلين ، فسأل صدام كامل السيد هادي الشوكي ماذا كنت تعمل عندما كنت خارج السجن ؟ فأجابه خطيب منبر وطالب دين فأخذ يناقشني في قضية الحسين عليه السلام وسبب خروجه وأنا استمع فقط ، ثم قهقه بصوت عال وقهقه معه الحاضرون من الجلاوزة ، ثم قال صدام كامل يلوك كلامه وهو أشبه بالثمل من تناول الخمرة : إذن فصوتك جميل وتجيد الغناء ، أنا سأقرأ لك تعزية وانت ردد كل ما أقول وهذا المسدس بيدي وبشرف الرئيس القائد صدام سأطلق عليك النار ان لم تردد ما أقول ، ثم أخرجه من الغرفة ومعه الجلاوزة ومسدسه بيده فاطلق طلقةً فوق رأسه تحذيراً وإنذاراً وأخذ يردد بما يشبه اللحن ( طب حسين بالكوفة … يدور سمجة مسكوفه ) ويطلب من السيد الشوكي ترديد هذه النكتة المقرفة ...)) (2)
وليت جرائم الطغمة الهجينة والمجرم صدام كامل تقف عند هذا الحد بل تجاوزت كل الحدود والمعايير ؛ فهذه قصة مأساوية اخرى ؛ بطلها او بالأحرى عارها الوغد صدام كامل ؛ اذ نقل احد الشهود العيان ما يلي : (( اهل السماوة يعرفون جواد گحن وشلون الله ختم حياته بخاتمه يمكن حتى مرجع الدين والمتفقه بالأحكام الشرعية ما يحصل مثل شرف تلك الخاتمة لا ما ندر مع العلم ان الشهيد جواد ما كان صاحب وعي ديني بل كان انسان كادح ولهو الشباب يطغى على تصرفاته وسلوكه ومع ذلك كان قريب على قلوب المجتمع السماوي...,جواد اعتقل من قبل ما يسمى قوات القدس الحرس الجمهوري الصدامي اثناء قمع انتفاضة شعبان آبان دخولها لمدينة السماوة اواخر شهر اذار لعام ١٩٩١ وبعد مصادمات مسلحة تم القاء القبض عليه ولما اخذو لمعتقل الرضوانية في بغداد مع اعداد غفيره من جمهور محافظات الوسط والجنوب المنتفضة ... يسولف صديق من اهل الشامية الله كتبله الحياة وطلع بأعجوبة من سجن الرضوانية وكان شاهد على الحادثة... , يگول والحديث لابن الشامية: لما دخل المقبور (صدام كامل) حماية صدام الملعون بذاك الوكت... ؛ يگول وگف بنص المعتقلين شاهر مسدسه واحنه بحدود اربع آلاف معتقل وصار يغلط على اخواتنا وامهاتنا ويسب الشيعة ويگول تردون الحكم يصير الكم ومن هالكلام الطائفي واحنه لاحول ولا قوة النه ... وبهل الاثناء صاح اليحب الحسين يصير على صفحة اليمين والما يحب الحسين يصير على صفحة اليسار والمسدس بيده وقبل هذا الكلام رمى اربع طلقات وقتل اربعه من المعتقلين بصورة عشوائية ... يگول كل احنه صرنا بصفحة اليسار ؛ باعتبار ما نحب الحسين حتى نخلص ارواحنه ... وبقى بس جواد الگحن على صفحة اليمين وسط ذهول الجميع وتعجب قوات النظام الصدامي ... التفت صدام كامل لجواد ؛ گاله : يعني انته تحب الحسين مو !!!
(عجل يابه) اليوم اسويك عبره واخلي الما يشتري يتفرج ... ؛ رد جواد بصوت عالي وصاح شتسوي سوي وشغلة اعوف الحسين وانكر محبته هاي سالفه؟؟؟
صاح صدام كامل جيبولي تاير مال لوري – اطار سيارة حمل كبير جدا - ؛ وربطو جواد وخلو وسط التاير ودارو بانزين على التاير وجواد مربوط بنص التاير والنار تلوح بي شويه شويه لما التهب التاير وبعد ما نشوف جواد لان النار علت والدخان اخذ مساحه المكان بس نسمع جواد يصيح يا ابا عبد الله يا حسين يا حسين لما صار الصوت يضعف ويضعف و يضعف وتالي سكت الصوت وعرفنا جواد مات واخر كلماته يصيح يا حسين يا حسين ... ؛ ولما تيقن المقبور صدام كامل ان جواد مات سأل المعتقلين و گال : هذا جواد من اي ولاية؟؟؟
گالو : من اهل السماوة
تالي دار وجهه وطلع ...!!
كل المعتقلين تندموا على موقفهم المخزي وبقوا يلومون بأرواحهم ليش ما سوينه مثل جواد مع العلم احنه اول وتالي معدومين ...))
وقد حقق المجرم صدام كامل مع عدد كبير من رجال الدين وعرض بعضهم للتعذيب ومنهم : مجموعة من رجال بيت الحكيم الذين كانوا معتقلين في سجن ابو غريب ؛ اذ قال المجرم صدام كامل التكريتي لجلاوزته :
- من منكم ينتزع إعترافا من محمد سعيد الحكيم ... و له جائزة ؟
- فقال أحد الجلاوزة : أنا ..
و كان ضخم الجثة عريض المنكبين ..و أخذ يعذب السيد محمد سعيد الحكيم عذابا ً شديدا ً
بالضرب ،و اللكم ، و الدفع بالرجل و و و كل أنواع التعذيب الأخرى ، مثل التعليق بالمروحة و يداه معلقتان إلى الخلف ....)) (3)
وتم اعتقال السيد محمد محمد صادق الصدر وبعض اولاده معه في الرضوانية وايضا تعرضوا للإهانة والضرب ... واعتقل السيد السيستاني بعد الانتفاضة مع العديد من رجال الدين مثل الشيخ الشهيد مرتضى البروجوردي ، إذ تعرضوا للضرب والتعذيب في فندق السلام ومعتقل الرضوانية ، ليفرج عنهم في وقت لاحق ؛ وكذلك السيد الخلخالي والقزويني وابراهيم الخوئي وعزالدين بحر العلوم والشيخ علي الرحيماوي وهؤلاء تم القضاء عليهم واخفاء جثثهم وغيرهم كثير ... فمن المهازل بل الجرائم الصدامية العجيبة ان الحكومة الهجينة الباغية اتهمت السجناء في سجن ( ابو غريب الرهيب المحصن ) بتحريك الانتفاضة عام 1991 من داخل السجن، وأعيد التحقيق معهم من جديد واعتقل عدد من داخل السجن ونقلوا إلى معتقل الرضوانية وأعدم من اعدم ، وغيب من غيب في المقابر الجماعية ... .
وقد ادلى الشاعر عبد السادة البصري بذكرياته عن ذلك السجن المخيف الذي اثار الرعب في نفوس كل من سمع به ... ؛ واصفا النظام الفاشي الصدامي الذي ضيق الخناق على الاصوات الحرة التي طالبت بالحرية والعدالة الاجتماعية و التي سجلت سفرا خالدا بالتضحيات الجسام ؛ اذ قال : (( في عام 1992 القي القبض علينا في مدينة البصرة حيث قاموا بتسفيرنا معصوبي الاعين وموثوقي الايدي الى بغداد تحت ضربات ازلام السلطة الفاشية والشتائم القذرة التي كانوا يتفوهون بها ونحن لانعرف ماهي تهمتنا ،وهناك جرى التحقيق معنا تحت التعذيب بشتى صنوف التعذيب وكان يشرف على ذلك المعتقل المقبور صدام كامل )) .
وقال الشاعر نصير غدير عن ذكريات الرعب والسجن الذي عاش به اياما عصيبة في ذلك المكان هو ومن كان معه : (( ان سجن الرضوانية اسس في عام 1991 حيث قامت قوات الحرس الجمهوري باجتياح المدن المنتفضة ضد نظام صدام الفاشي ، وكانت تأتي جموع المعتقلين في سيارات قادمة من مدن الجنوب والفرات الاوسط ،وكانت هذه الارتال تأتي ويشرف على توزيعها المقبور حسين كامل او صدام كامل او ارشد ياسين او الاخرين من القتلة المعروفين آنذاك وكانت السيارات تذهب بالاتجاهات التي نجهل مصيرها ولكن تبين بعد ذلك ان الاتجاهات كانت تقود الى مكانات للموت والدفن الجماعي ، او تذهب الى مكانات الحياة البائسة وهي سجون الموت المؤجل .. )) .
ومما ذكره السيد حيدر العلاق احد منتسبي الحرس الجمهوري – التحق بالحرس اثناء فترة التجنيد الالزامي في عقد التسعينات - ؛ ان امر الوحدة امرهم بكنس فناء مقر الوحدة , وقد فعلوا ما امرهم به , واثناء الكنس تبادل الجنود الشباب البسطاء النكت فيما بينهم وضحكوا ؛ وقد ابصرهم امر الوحدة وهم يضحكون فأمر بمعاقبتهم في الرضوانية لمدة يومين ؛ واخذوهم الى هناك , واستقبلوهم بالركلات و ( الدفرات ) والسياط , وبعدها امروهم ببعض التمارين القاسية – ( ممارسة الشناو 150 مرة او تمرين الضغط )- ثم امروهم بالاستلقاء على وجوهم , و على الارض وهم عراة الا من الملابس الداخلية – التي تستر العورة فقط- ثم ضربوهم بالسياط حتى تناثر لحم الظهر ... ثم امروهم بالوقوف على صفيح ( التانكي او خزان الماء ) وهم حفاة وتحت اشعة شمس تموز اللاهبة , وكادت ان تحترق اقدامهم من شدة الحر ؛ وقد شاهدوا إن عدداً من المعتقلين السابقين والمعارضين اخرجوا الى احدى ساحات المعتقل وقام الجلاوزة والحرس بأحراق بعضهم بالحامض – ( الاسيد او التيزاب ) - والاعتداء والإذلال الجنسي، وانتزاع الأظافر، والإعدام الوهمي حيث يعصبوا اعين المعتقلين و يشدوا وثاقهم الى اعمدة حديدية مثبتة للتعذيب ويتلوا قرار الاعدام عليهم ثم يقوموا بأطلاق النار في الهواء او قريبا منهم ؛ مما يصيب المعتقلين بالهلع والرعب ... والجلاوزة يقهقهون بأعلى اصواتهم ..!!
او يأمرون البعض بتمثيل دور العريس والعروس وممارسة الجماع فيما بينهم بما يشبه حالة العريس والعروس ويجبروا المعتقلين على التصفيق والزغاريد واظهار الفرح و الرقص على وقع السياط وانين واهات المعذبين ... ؛ واحيانا يجبروا المعتقل على الضحك والرقص ساعة ثم بعدها البكاء واللطم ساعة ثم بعدها تقليد اصوات الحيوانات ساعة ... وهكذا حتى يصاب المعتقل بالإعياء والهلوسة ... .
وذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالعراق ماكس فان دير شتول أن الحكومة العراقية قامت في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 1997 بإعدام ما يربو على 1500 من المعتقلين السياسيين في سجني أبو غريب والرضوانية، في إطار "حملة تطهير السجون" التي بدأت في أعقاب الزيارة التي قام بها إليهما ابن رئيس الجمهورية قُصيّ صدام حسين. وورد أن جميع السجناء المحكوم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين 15 سنة و20 سنة، أُعدموا إعداماً فورياً؛ وقيل إن بعض الجثث التي أُعيدت إلى ذوي السجناء كانت تحمل آثار التعذيب .
و لعل من افظع الشهادات في هذا الصدد ما نطق به الكاتب البصري قاسم البريسم حول تجربته المريرة في معتقل الرضوانية قائلا : ((غطس سجن البصرة المركزي ، بأعداده الهائلة في فوضى ، وبدأت تشيع الوساطات والعلاقات بين الضباط ، بعد أن شاعت بين الشرطة في بداية الأمر . وبدأنا نرى منفذا للخلاص من الموت ، او تخفيف العقوبات ، عبر تغيير الإفادات والاعترافات . وفعلا غير المئات افاداتهم ، وانقذوا انفسهم من الموت ، والبعض الأخر فلت من السجن تماما .
تحمل الأمن والمخابرات مسؤولية التحقيق في البصرة ، وترشيح وغربلة قضايا الآلاف من المنتفضين ، وتحديد نشاطاتهم في الانتفاضة ، قبل ان يرسل اصحاب القضايا المهمة ، او الشائكة الى سجن الرضوانية في بغداد . وقد حشر مع من رحل إلى الرضوانية المئات من الأبرياء ، ساقتهم قوائم التحقيق الى هناك ومات الكثير منهم ، ولا يزال الكثير في السجون . كما اطلق المئات ممن دخلوا سجن البصرة ، عبر تحقيقات الأمن والمخابرات في البصرة بعد أن منّ الله ( والاقدار ) عليهم بالخلاص من العذاب .
حملت معي الى الرضوانية اعترافات ، حملني إياها أقرب الناس إليّ في الوقت الذي مات آخرون تحت السياط دون كلمة اعتراف ، فقد اعترف عليّ دون ان تكون هناك ضرورات لاعترافه ونفض كل ما عنده ، من أول ضربة ( راشدي ) امام التحقيق الذي كان مناطا لمسؤولي الحزب والطوارئ . ولم يعتد الأمن والمخابرات بهذا التحقيق في اثناء وجودنا في سجن البصرة ، لكي يغير افادته ، عندما يستدعي من قبل الأمن ، الا انه خذلني مرة ثانية ، امام تحقيق الأمن ، وبرأ ساحته بدمي ، ووضعني في طريق الرضوانية المميت ، بحجة ( يموت واحد منا ) فوقعت قرعة الموت عليّ ، وصادق جبنه على حياتي .
لم يبق امامي ، بعد أن دفعني الى حفرة الموت ، الا ان اقاتل انيابه الشرسة ، بوسائل عديدة ، بالذكاء مرة ، وبالصمود تحت التعذيب مرة ثانية . وفي الوقت الذي كنت قادرا أن آتي به الى العذاب الذي وضعني فيه ، بعد ان حملني حتى نشاطاته واعماله في اثناء الانتفاضة قررت أن اموت وحدي ، وأتحمل العذاب ، دون ان احشر احداً معي في العذاب ،من أجل الموقف الذي يبقي معي ابدا . في الاسبوع الأخير من نيسان ( ابريل ) عام 1991 ، بدأت قوافل المنتفضين من سجن البصرة المركزي تنتقل الى سجن الرضوانية كان اسمي ضمن الوجبة الثانية التي غادرت البصرة ، الساعة الثالثة فجر يوم 26 نيسان ( ابريل ) عام 1991 .
كانت الحافلة الخاصة التي أقلتنا الى الرضوانية ( حفرة الموت ) في بغداد ، تحمل رائحة الموت ، الذي ترسب في عيوننا المعصبة بقوة ، وعلى مقاعدنا . كانت الساعة الثالثة ليلا ، عندما انطلقت السيارة ، وهي تحمل أجسادا أعدت كي تكون سمادا انسانيا في أرض صدام الزراعية . ودع كل منا بصمت تراث ذكرياته ، وقاموسه العاطفي ، وجدران العشار ، وساحة أم البروم وشط العرب ، وأطلق القلب كلمة الوداع الاخيرة في فضاء البصرة المفتوح على كل شيء .
كان الفجر قد بدأ يرسل خيوطه الفضية في الأفق ، ويتسلل بعنف عبر ستائر الحافلة . كنت أسرق نظرة بين الحين والآخر ، قبل أن أرفع عصابة عيني ، كي أري نفسي بوضوح بين حطام الالم والوجع . فالمعصوب يهاجمه الخوف بشراسة ، ويزرع الظنون في نفسه . فلماذا العصابة على عيني ولماذا الخوف إذا ؟ ما دمت راحلا إلى مثواي الأخير . كانت رعشة الموت وخفقة الحياة تقفزان في ذاكرتي بين لحظة واخرى ، ولا أستطيع مقاومتها . لذة الحياة في حضرة الموت ، شعور غريب لا يمكن وصفه بدقة . حتى في أبعد حالات اليأس ، وتخوف الاستسلام للموت ، تبقى الحياة هى الأقوى في الصراع ، وتبقى سرا حقيقيا ، تغلف الانسان وتشده إلى الأرض بقوة ، وتبقى الحياة تبحث عن ذلك الامل الضعيف كي تتنفس لحين . فمن الطبيعي اننا لم نجرب الموت كي نصفه فالموت حالة غياب ، والالم حالة الحضور فيه ، ولكني جربت شفراته وتنفست رائحته المرعبة ، قبل هذا في البصرة وبالذات في دائرة ناقلات النفط حقل الدفن الجماعي والاعدام إبان فترة الانتفاضة الشعبية .قادني تيار التداعي أكثر نحو تخوم الفلسفة ، وارتسم في ذاكرتي السؤال الكبير ماذا يشكل موت انسان في خارطة العالم ، وفي قاموس الطغاة ؟ وماذا لو كنت واحدا من أولئك الشجعان الذين افترستهم الكلاب في شوارع البصرة ، والمحافظات الأخرى ؟ إرتعدت خوفا ، انتابني شعور مخيف ، وأنا استحضر المشاهد المأساوية ، التي كانت الكلاب الضالة في الشوارع تنهش أجساد المنتفضين ، الذين تركت أجسادهم عمدا ، بعد سقوط البصرة بأيدي النظام .
حاولت زرع العزيمة في نفسي ، والتغلب على نقطة الضعف من تلك المشاهد التي عكست بشاعة النظام العراقي ، وسقوط الانسان من عليائه في سجله الدموي ، قلت لنفسي ليس هناك كلاب تأكلنا بعد الموت ، ولكن هناك كلاب بشرية ، تذكرت احواض التيزاب ، التي سمعت عنها مرارا ، احتميت بيأسي ، كي أطرد هذه الفكرة ، قلت نحن ألاف لا تتسع حتى الانهار لنا . قطعت فكرة شجاعة هذه التداعيات ، الموت واحد ، هي لحظة انفجار ، تعقبها لحظة صمت أبدية وينتهي كل شيء ، فمن الأفضل ، أن أموت أنسانا ، يرفض الظلم ، ويؤمن بالإنسان وحريته . قاطعتني ذكريات جميلة ، وزحزحت سلسلة أفكاري المتداعية ، حاولت أن أسد نوافذ هذا الباب ، لكن الذكريات على ما يبدو أقوى تسترسل دون موافقة . أنقذتني صيحة الحرس ( إنزلوا ) همس واحد منا ، هذه الرضوانية ، ارتجفت أوصالنا ، واقشعرت أبداننا ، ونحن ندخل عالمها الدموي ، ونستحضر مآسي الانسان العراقي فيها .
وقفت الحافلة قبالة قاعة كبيرة ، أمامها ساحة واسعة ، عند باب السيارة عشرات الكلاب الجائعة ، للحم البشري ، ومتعطشة للأذى ، كانوا يحملون العصي الغليظة والبولتين والرشاشات . اقتديت القطعان البشرية ( بمصطلحاتهم ) . واندفعنا بسرعة كي نتحاشى الهراوات ، وعند باب القاعة كان خزنتها ينتظرون القدوم السعيد . الدخول هنا لا يقبل المساومة ، وليس مجانيا وليس فيه رشوة كتلك التي إعتاد عليها أقطاب النظام ، دون استقبال حافل ، كما كانوا يسمونه ، ودفع كل واحد منا دون استثناء بطاقة الدخول إلى حفرة الموت ضربة على رأسه ، او في وجهه ، او كسر ضلع من اضلاعه ، كانت حصتي ضربة بين الرأس والاذن ( أحمد الله عليها ) بقيت أئن منها ، والعق جراحها أسابيع . تزاحمنا داخل القاعة ، بعد أن وجدنا وجبة كبيرة من أهل البصرة والجنوب فيها ، كانت جراحهم لم تجف بعد . وبعد ان اكتمل دخولنا السعيد ، دخل علينا عدد كبير من الحرس ، بهراواتهم وأسواطهم القاسية ، وفر الجميع داخل القفص مذعورين ، الى زاوية من زوايا القاعة ( الكمين ) ، وانهالوا علينا ضربا ، بكل ما لديهم من قوة ، ودون تمييز بين عين ، ووجه ورأس وضلع ، حتى أعياهم الضرب ، وانسحبوا منتصرين فاتحين جراحنا ، وأنين ضلوعنا المكسرة . وبعد ساعة او أقل ، جاء كبيرهم ( ضابط ) وأعلن بدء رحلتنا بعبارته التي لا تنسى ( هل استقبلتموهم ) كان المقصود الاستقبال المؤقت . لملمنا جراحنا ، وضمدنا نزيفنا بآلامنا ، بانتظار رحلتنا القاسية . واعتقدنا أنها نهاية هذا اليوم ، إلا أن فرحنا لم يدم طويلا ، فسرعان ما دخل علينا ( جلادو المهنة ) هكذا يسمون أنفسهم بفخر ، بعد أن استحدث النظام العراقي وظيفة جديدة لهم ، درسوا فيها فنون القتل والتعذيب في مدرسة غسل العقول BRAIN WASHING وفيها مسخت عقولهم ، وتشوهت عواطفهم الانسانية ، وتحللت داخل تيزاب العذاب والقسوة التي مارسوها ، فباتت لا تعرف شيئا اسمه الانسان ، ولا شيئا اسمه الرحمة ، غادر الضمير من أجسادهم البشرية ، ورحل الله من أفكارهم . كنت أراهم بشرا آليين ، ضغُط زر ( عذّب ) في نفوسهم ، فاندفعوا بلذة التعذيب ، ونشوة المادة التي أعمت بصائرهم ، وأغرقهم فيها النظام .
ضحية الاستقبال
افترش كل واحد منا أرض القاعة الكونكريتي ، وراح يضمد جراحه التي فتحها ما يسميه خزنة الرضوانية ( الاستقبال ) . كان استقبال بعضنا قاسيا ، وخاصة من كانت جراحهم في الرأس او الضلوع . كان الجو حارا ، زاده ما استعر في نفوسنا من غضب وحرارة انفعال ، لم نشرب ماء منذ ان غادرنا البصرة ، ولم نأكل ، فقد عافنا الأكل والشرب ، وعفناه .
تركنا الحرس بعد ساعة من الاستقبال ، وسط أنين الجراح ، نداوي انفسنا بأنفسنا ، قبل ان يعطونا دروس التعايش مع الموت ، والتكيف مع الجثث داخل القاعات . كان هذا الدرس الاول الذي تعلمناه من قاموس الرضوانية الدموي ، عندما صاح بنا الحرس ، وامرنا ان نقف صفوفا . شعرنا ، انه استقبال ثان ، او تمرين من تمارينهم القاسية .
ولم تمض الا دقائق حتى دخل علينا خمسة من الحرس ، وهم يحملون الهراوات الخشبية الغليظة ، وبيد احدهم صنبور الماء ( صوندة الماء ) . شهقت رغباتنا ، وبرق الفرح في نفوسنا ، ونحن نرى الماء يتدفق ، ولكن أي حزن ، وألم انساني يحمله هذا الماء ؟ وكما هو مألوف في قانون الرضوانية ، فأن الماء لا يمنح في أرضها بالمجان ، فلا بد ان تدفع ضريبة له ، الاهانة ، والضربة ، وربما الموت . وهو في قاموس الرضوانية ، يخضع كما تخضع الاشياء الاخرى الى قواعد واصول ، لا توجد في كتب الكرة الارضية ، ونواميسها انها دائما مبتكرات العقل المريض ، والاضطهاد الفريد في نظام صدام حسين الدموي .
أعلن الحرس بعد دقائق ، قواعد شرب الماء في قاعات الرضوانية ، وهي أن تُفتح الافواه ، ويجب ان تبقي مفتوحة ، حتى يصل الحارس ، ويقطر من الماء ما يشاء بفم السجين . ، ومن قواعد شرب الماء ، ان لا تسد فمك ، ومن لمحه الحرس سادا فمه ، فاته حقه ( تخصيصه ) من الماء ، ولن يحصل على قطراته . وليس هذا هو حدود القانون ، بل أضيف له شرط آخر ، وهو أن تبقي مستمرا ، بلا حركة وبالطبع فاتحا فاك بانتظار الماء ( الحياة ) . ومن خالف قواعد الرضوانية في شرب الماء وسقي القطعان البشرية ( كما يسمونها ) لعنته ( تيامات الماء ) ( آلهة الماء ) في الاساطير البابلية ، وادخلته بحارها المالحة ، وصحراء الموت والعذاب والضرب . وأياك أن تسد فمك بعد تعب ، او تمسك الصوندة للمزيد تحت وطأة عذاب العطش او تتململ او حتى تبدو عليك ملامح عدم الرضا ، فحرس الرضوانية ، تدربوا على فنون قراءة النفوس الغاضبة ، وشم رائحة الغضب والتمرد وعدم الرضا ، شأنهم شأن الكلاب البوليسية .
استسلمنا لقواعد هذا التمرين ، وبدأ الماء يقطر في افواهنا ، واحدا واحدا ، ومع قطرات الماء ( الهبة والمكرمة ) سيل من السب والشتم . جملة اعتراضية ، للحرس الذي يمسك صوندة الماء ، حق منح الماء ووقفه عن السجين ، اذا ما تفرس في وجه السجين وغاظه وجهه ، وملامح شكله . فكل شيء في الرضوانية يخضع لمزاج الحرس وساديتهم ، وكثيرا ما يتحول توزيع الماء بالقطرات الى لعبة تسلية واستهزاء علينا .
استمر الماء يقطر في الافواه ، بعضنا يحصل على قطرات ، وبعضنا يتدفق في فمه الماء بعطاء ليس كرما ، بل وفقا لأسلوب الاستهزاء والتهكم والمزاج . وصلني الدور ، كنت كغيري فاتحا فمي للسماء ، واستجمع في ذاكرتي حق الماء ، وهبة النهرين العظيمين ( دجلة والفرات ) ، وهذه القطرات .
كنت ملتزما بقواعد أرض الرضوانية ( لسقي الأفواه ) فلم احرك يدا ولم امسك صنبور الماء ، ولا . . ولا . . وقف الحرس امامي متفرسا وجهي الحزين ، ونداء العطش الصامت في نفسي ، لم يقل شيئا ، حصلت على قطرات ثم فجأة رفع صنبور الماء من فمي ، وتركها تتدفق على أرض القاعة بسخاء، ربما أراد استفزازي، وتحريك مشاعري .
ازدادت قسوة الحرس علينا ، وبدأ عبثهم بالسجناء ، والتهكم عليهم ، ووضع صوندة الماء في آذانهم ، وخلف رؤوسهم او في عيونهم . . كان البعض ينتظر الماء بلهف ، ويعكس التزاما كبيراً ، للحصول عليه ، الا ان الحرس على ما يبدو كان يسلك معنا هذا السلوك وفق وسائل تعذيب نفسية خاصة ، عرفناها فيما بعد .
وقف الحرس امام شاب لم يتجاوز العشرين ، من مدينة الهارثة كان شديد العطش ، وكان مريضا ، وورث آلاما ونزيفا في كليتيه من جراء التعذيب في آمن البصرة . وضع الحرس الصوندة في فمه ، تحسس الماء وهو يروي العروق ، سحب الحرس الصوندة فجأة ، الا ان الشاب أمسك بالصوندة ، لا شعوريا لشدة عطشه ، سحب الحرس الصوندة بقوة ، الا أن الشاب تشبث بها للمزيد من الماء . انهالت الهراوات بسرعة البرق على رأسه ، التحق ثلاثة من الحرس للمشهد ، وكأنهم وجدوا ضالتهم ، وضحيتهم ، وفرصتهم لتعليمنا دروسا عن وسائل الموت في سجون الرضوانية ،والتكيف معها . سقط الشاب المثقل بالجراح والتعذيب في البصرة ، على الأرض . ( بالتأكيد ليس هنا في أرض الرضوانية ، مساعدة أو نصرة أو أخوة ، او حتى ابداء الحسرة والعطف فهي ممنوعة ، ومحذوفة من قانونها ) ، أنت متفرج على موت الأخرين وموتك ايضاً ، يتركونك تشاهد موت الآخرين ، في انتظار مشهد موتك الدرامي . لم يتوقف الضرب ، لم يكن تأديبيا اذا ؟ فقد خلناه فورة غضب من الحرس ، وانه سينتهي ، استمر بقوة وبقسوة الهراوات الغليظة ، والرفس المؤذي على الكلي والوجه انه مدفوع بالغضب ، ومليء بالحقد والكراهية اللامحدودة .
كنا نراقب دون حراك ، كان المشهد يذبحنا ألما ، ولكن ماذا نفعل وأمل النجاة الضئيل يشدنا الى الحياة ، ويصادر ما تبقي من شجاعتنا . ومهما يكن ، فلا قيمة للشجاعة في أرض الرضوانية ولا مجال للاحتجاج ، او الرفض ، ما دام قانون الرضوانية يبيح القتل والموت بنسبة 100 في صفوف المنتفضين .
ماذا يفعل المظلوم تجاه سيف الظالم ، والمقيد بالأصفاد ، تجاه الجلاد انها ليست مواجهة عادلة ، او متكافئة ، وليست حرة . وحينما كانت حرة ، شهدت بطولات لهؤلاء الذين يموتون دون حراك .
كان الشاب يستسلم للموت ، ويسبل يديه له ، عندما وضع الحرس صوندة الماء في فمه ، انتقاما ، وحين سقطت دفعها مرة ثانية بقوة الى عمق فمه ، امسك الحرس الصوندة كي يمتلئ جوف صاحبنا الميت الحي بالماء ، استمر الحرس ماسكا صوندة الماء ، والماء يتدفق في جوفه حتى بدأ يفيض من انفه وفمه ، كنا نراقب ذلك الحزن البشري ، والفزع الانساني ، ونموت وجعا ، في الوقت الذي كان الحرس يضحك على مشهده ، ويسب ويشتم . وبين ضحكات الحراس واستهزائهم ، وبين صمتنا الحزين الدامي ، غادرت روح صاحبنا القاعة والحياة . كان أول ضحية ندفعها سمادا انسانيا الى أرض الرضوانية ومزارعها ، وأول درس لنا في رؤية مشهد التطبيق الحي على موت الانسان ( صفر القيمة في قاموس النظام العراقي ) .
ظل صاحبنا ممددا ، لا أحد يجرأ على تحريكه ، او حتى الاقتراب منه فقانون الرضوانية لا يحترم الميت او حتى التعاطف معه . التعاطف مع السجين ( الغوغائي ) او ( المجرم والخائن ) كما يسمونه جريمة ، تضاف الى تهمتك . وتهمة قد تؤدي الى الموت والاعدام . انه مجرم في دفاتر سجن الرضوانية ، وذبحه حلال ، وقربان في محراب حكومة العشيرة ، ونذر من نذور ادامة حياتها .
طال بقاؤه معنا حتى ادركنا الليل ، لم نعرف ان هذا كان من دروس ثقافة الرضوانية ، وقوانين نظام صدام الدموي ، لم نعرف أن ضحايانا يجب ان تنام هنا طول الليل ، ونسهر معها ، ونفكر بها ، وحين نغط في نوم بعد تعب ، نحلم بها ، وبرعبها . نام صاحبنا هادئا ، ونمنا نحتضن القلق والخوف ، والموت البشع ، وحين افاقت القاعة في الصباح ، سحلوه سحلا الى باب القاعة ، مع من مات في القاعة لاحقا جراء تعذيب البصرة ، في انتظار سيارة ( النفايات ) التي تأتي في الصباح المتأخر ، كي تجمع حصاد القاعات من موتى الابرياء ...)) . (4)
وقد جاء في الفصل الثالث من رواية " من ذاكرة المعتقلات "..17 / ابريل / 1992...الاخوين : سعيّد وعبد الله ؛ بقلم / فاضل الغانمي : ((كثيرة هي الذكريات التي تبقى عالقة في الذهن ، وتأبى ان تغادره ، وحينما نقف لنتأمل احدثها ، تعجب لأنك تراها وكأنها حدثت للتو فحين تعود لتذكرها تتراقص امام ذاكرتك حتى التفاصيل الصغيرة، رغم المسافات الزمنية الشاسعة التي وضعت بينك وبينها ، وكثيرة هي الاحداث ايضا التي تغادر الذاكرة ، ولا تعلق فيها رغم انك قد عشتها اوقات متقاربة ، ليس بينها من الفواصل الزمنية الكبيرة ، التي تساعد على نسيانها او طمرها في الذاكرة ، وهنا ما بين الامرين ، يقف الانسان في حيرة كبيرة ، حيرة التذكر الصارخ للأحداث ، والنسيان الطاغي لها ، البعض يقول ان تذكر بعض الاحداث بهذه الدقة يعود الى تعلق الانسان بها ، كونها حفرت في ذاكرته اخاديد كبيرة لا يمكن للأيام والاشهر والسنوات ان تمحوها بسهولة ، والبعض الآخر يقول : ان الانسان لا يتذكر الاّ الاحداث التي احبها وعاش لحظاتها الفرحة فأثرت به ، او الاحداث التي عاش جزئيات احزانها فأثرت به ايضا بصورة تامّة .. 17 / ابريل يوم الجمعة من عام 1992 كان شاهدا آخر على الجرائم التي ترتكب بحق الانسانية ، فنحن مازلنا في محاجر معتقل الرضوانية حيث الظلام الدامس الذي يضفي على حياة الانسان مسحة من الحزن تضاف الى احزانه تجاه التهديد والوعيد الذي يتلقاه من الجلادين وزبانيتهم ، هذه المرة فُتح باب السجن الانفرادي المهيمن على المحاجر الثمانية المتقابلة وجها لوجه ، وبين الصراخ والزعيق المتواصل من قبل حراس المحاجر ، والكلمات النابية التي تطلق من افواههم القذرة ، وحركة اياديهم المجنونة بالضرب بعصيهم و " كابلاتهم " وهم يقودون الاخوين " سعيّد وعبد الله " ليدخلونهم الى احد المحاجر المكتظة بالمعتقلين ، فما كان منهم الاّ ان وضعوا " سعيّد " الاخ الاصغر في محجر ووضعوا " عبد الله " الاخ الاكبر في محجر آخر ،ان حياة الاخوين " سعيّد وعبد الله " العامة تختلف عن حياة المعتقلين الآخرين ، لأنها تمتاز بالطابع البدوي المحمّل بالطيبة والبساطة والبراءة ، في حياة البداوة الهانئة والمتنقلة في المساحات الشاسعة برفقة بيوت الشعر البسيطة التي يتخذونها مأوى لهم في حلهم وترحالهم ، كما ان ما يميز حياتهم ان طفولتهم وصباهم وشبابهم قد قضوها في البراري والصحاري الواسعة التي لا تحدها حدود المدينة المعقدة بكل تفاصيلها ، وحينما ادخلوهم الى غرف المحاجر الضيقة كان حالهم اشبه بالعصفور الذي يضعونه في القفص ، فأخذوا يندبون حظهم العاثر بلهجتهم البدوية الرائعة ، بعد ساعات من وضعهم في المحاجر ، اخذ " سعيّد " يندب حظه بلغته المحببه :
ـ ليه .. يا ربي .. ليه ، الحين سباهي ورويهي في البراري وانا هان مع المجرمين .
فصاح به جواد حمدان الذي كان معه في نفس المحجر :
ـ ولك يا هم المجرمين .. احنا .
فأجابه سعّيد :
ـ لا يخوي ماني عليك انه كصدي الحرس ، هُمّه المجرمين .
فرد عليه جواد على الفور بلهجة بدوية مداعبة مشابهة للهجته :
ـ ان جان هيج كصدت زين يخوي .
مرّت الساعات ثقيلة على سعيّد الاخ الاصغر ، الذي يتضح انه كان المدلل في العائلة ، فهو لا يطيق الظلام المطبق الذي لا ترى فيه راحة اليد ، وبعد ان علت نفسه الاحزان وتذكره " للبريّة " علا صوته في البكاء والنحيب ، بعد ان احاطت به الاحزان من كل مكان ، حيثما تذكر الصحراء الواسعة ، واصدقاء الطفولة والصبا ، ومواشيه التي كان يرعاها ، أضافة الى الضرب والاهانة التي اخذ منها قسطا كبيرا من قبل الجلادين والسجانين ، واستهزائهم الكبير ببدويته ، ومحاولة جعله اضحوكة بينهم ، لبنيته الصغيرة وسمات وجهه البدوي بكل ما يحمل هذا الوصف من معنى ، كل هذه الامور جعلت من سدود صبره تنهار أمام هذا الطوفان العملاق من الاحزان ، فأخذ يبكي بحرقة رافعا صوته في النشيج والبكاء المر ، حتى اصبح صوته يسمع من معتقلي المحاجر المجاورة ، فما كان من عبد الله اخوه الاكبر وبعد ان سمع صوته ، فأخذ ينادي عليه بصوت عال يسمعه جل المحاجر :
ـ سعيّييد ، ويمدّ حرف الياء في مفردة سعيّد ، لكي يشعره بالاهتمام ، فيواصل حديثه معه للتخفيف عنه بالتمني تارة وبالخروج من السجن تارة اخرى .
ـ سعيّد ، علامك تبجي يخوي علامك ، لاتبجي .. لاتبجي ، الحين بنطلع واشتريلك كيك وجاي (شاي) .
واكمل تمنيه لسعيّد :
ـ عندي فلوس ، يخوي لاتبجي .
لقد كان عبد الله يعتقد ، ان حال خروجنا من الانفرادي للغسل وشرب الماء ، وقضاء الحاجة ، سوف يجد هناك حانوتا وسيشتري منه ما لذ وطاب ، ولا ادري من الذي اقنعه بهذه الفكرة .
مرت الايام ثقيلة على سعيّد وعبد الله ، بعدما ذاقا اصناف العذاب من قبل الجلادين في التحقيق ، ومن الجوع والالم ومرارة السجن ، وضيق النفس التي غادرت البرية الرحبة وربما الى غير رجعة ، كل هذه الافكار وبساطتهم المعهودة وعدم معرفتهم بواقع المدينة وانسانها جعلت منهم يعيشون الأمرّين في آن واحد . من خلال رؤيتنا لهم في النصف ساعة التي تمنح لنا للخروج ، لغسل وجوهنا وقضاء حوائجنا ، وتناول الطعام بصورة سريعة جدا ، وعلى العد من الواحد الى العشرة الذي يقوم به حرس المحاجر بناء على توصيات من مسؤوليهم ، كانت هذه اللحظات المرعبة والحرجة والقصيرة تجمعنا بهؤلاء الاخوين ، لنتجاذب اطراف الحديث ، لتتكون بيننا صداقة وعلاقة معهم ، بقيت عالقة في الذهن الى هذه اللحظة .
بعد ان اخرجونا من المحجر انا وزملائي في القضية ، بقي الاخوين في المحجر ، لينالا قسطا آخر من العذاب على فراقنا وابتعادنا عنهم ، حتى مرّت ايام طويلة على بقائهم هناك ، يحلمون برؤية ضوء الشمس ، وتنفس الهواء النقي ، والمشي لخطوات تعيد اليهم توازنهم الحقيقي بعدما اصبحت اقدامهم ثقيلة جدا وكليلة عن الحركة .. مرت الايام وتعاقبت الليالي على هذا الحال ، حتى جاء اليوم الذي اخرجوا فيه " سعيّد وعبد الله " من السجن الانفرادي ليكونوا بين احضان اخوتهم المعتقلين في قاعات السجن المركزي الذي هو عبارة عن ثلاث قاعات كبيرة بطول 12 متر وعرض اربعة امتار مفتوحة على بعضها البعض ، لها بابين الاول يطل على ممر الساحة الخارجية للمعتقل ، والثاني يطل على ساحة صغيرة مسيجة من كل الجهات بإحكام كامل تطل عليها من جهة السقف نقطة للحرس لا يفارقونها لحظة واحدة رغم ان الساحة كانت مسقفة بالأسلاك الشائكة التي تمنع خروج اي شيء ، وتنتهي هذه الساحة الصغيرة بمرحاضين صغيرين والى حمام بائس مليء بكل الاوساخ والقذارات ، اما الجهة المقابلة للمرحاضين من الساحة الصغيرة فكانت تنتهي بمخزن صغير مهجور تجمعت فيه اكداس كثيرة من الصمون المتعفن ، كان معظم السجناء يقضون وقتهم في هذه الساحة الصغيرة التي تسعفهم في رؤية الشمس والتزود بضوئها الوهاج ، تجد احدهم يقلب ملابسة ليخيط ما تهرأ منها بطريقة بدائية ، طريقة العظم الناعم الذي عمل منه " كاظم بريكط " ابرة خياطة بطريقة فنيه حينما ثقبه ثقبا صغيرا بعظم ادق منه في الحجم وحصل على ما يريده بعد عناء شديد ، أما مسألة الحصول على الخيط لاستخدامه في الخياطة فكان الحصول عليه سهلا من " البطانيات " الموجودة لدينا ، ان عملية ادخال الخيط في خرم العظم الرقيق لبدء عملية الخياطة ، كان أمرا في منتهى الصعوبة ، ولكنه أمر مشوق لريافة الملابس وخياطة الجاكيت الذي يقوم بفصاله " ناصر باقر تقي " بدقة الخياط الماهر الذي نقل خبرته العتيدة الى السجن ليسعف اخوته السجناء بما يقيهم من برد الشتاء وحر الصيف ، أما القسم الآخر من السجناء فكان يقضي وقته في تنظيف جسمه وملابسه من القمل والقرّاد الذي كان يعج به سجن الرضوانية ، لقد كان الخلاص من القمل أمر في غاية البساطة من خلال " فلي " الملابس وتفتيشها جيدا ، أما الخلاص من حشرة القراد الدقيقة فكان أمرا في غاية الصعوبة ، مما حدى ببعض السجناء الى حلاقة كل شعر اجسامهم باستثناء الحاجبين .
بعد ان خرجا الاخوين "سعيّد وعبد الله " وزميليهما الآخرين الذين لم الحظهما سابقا لاني لم اراهما في المحجر ويبدو انهما قد اتوا بهم بعد خروجنا من المحجر ، حلّوا في اول يوم خروجهم ضيوفا على المعتقلين القدامى ، وكان استقبالهم من قبل معتقلي السجن المركزي ـ كما يطلقون عليه ـ له صدى كبيرا لعدة اسباب الاول لانهم من اهل البدو البسطاء والامر الاخر لان من عادة معتقلي المركزي ان يستقبلوا كل قادم اليهم من المحجر بحفاوة ، فقد قام المعتقلين بإخلاء الحمام لهم وحدهم دون مضايقة من الآخرين ، لينظفوا اجسادهم ويستعيدوا نشاطهم ، ثم يستضيفهم احد المعتقلين او احد الحضائر ليشاركوهم الطعام البسيط حتى تنسيبهم على حضيرة مستقلة ليكون لهم نصيبهم من الطعام والشراب الذي لا يتعدى في اغلب الاحيان نصف صمونة وقدح من شراب اسود يطلق عليه الشاي بعد ان تم تخفيفه بكميات كبيرة من الماء اضافها حراس السجن بخبث كبير ، اما الغداء فلا يتعدى في اكثر الاحيان خمسة او سبعة ملاعق من الرز وحساء احمر شبيه بالمرق ولكنه في الواقع ماء اصفر فاتح اللون اضيفت اليه حبات من الفاصوليا.
رغم بداوة " سعيّد وعبد الله " البسيطة والظريفة ، كانت سلطات البعث ، تتميز بالغلظة والشدة ، التي جعلت من هؤلاء البسطاء في تفكيرهم وتصرفهم رموزا قادرين على قلب النظام والسيطرة على الحكم ، ان الجبن والخوف الذي كانت تتميز به سلطة البعث ، يبدو واضحا على محياهم ، حينما يتوجسون الخوف المفرط من أناس قضوا حياتهم في نظام حياتي بسيط لا يرقى الى التفكير ، بما يفعله النظام في سياسته اليومية فضلا عن التفكير في تغييره او عداءه ، ان الاخوين سعيّد وعبد الله كانوا نموذجا للانسان البسيط جدا جدا وفي المقابل فان النظام كان يحسب لهم الف حساب ويتهمهم بتأسيس ترسانة من الاسلحة التي يهربونها من السعودية او الدول المجاورة ويمدون بها الثائرين بعد الانتفاضة الشعبانية .))
وادلى الشاعر محمد العيساوي بشهادته قائلا : (( الرضوانية اسم سيئ الصيت ذلك المعتقل الذي استخدمه الطاغية صدام لقتل الشيعة والكرد بعد الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 , كنت حينها عسكري وهارب من الخدمة وعند دخول الجيش الى مدينتي بعد دكها بالمدفعية الثقيلة والطائرات اعتقل الناس جميعا ولم يفرقوا بين كبير وصغير او امرآه وكأن الناس سبايا ومن ثم بدأ الجيش بنقل الناس بالشاحنات الكبيرة وانا من ضمن تلك الناس وكان عدد الشاحنات يتجاوز (20) شاحنه وانطلقوا بنا باتجاه بغداد مروراً بالخط الاستراتيجي في صحراء النجف حيث تم موارات العديد من الناس قبل وصولنا والتحقيق معنا ؟ وعند وصولنا الى بغداد وتحديداً مخازن ( جملونات ) لقطع الغيار للطائرات حيث كان المتواجدون فيها هـــــــم : الفوج السابع والفوج الحادي عشر لجهاز الامن الخاص فأقفلوا علينا الابواب لمدة ثلاثة ايام متوالية بدون اكلً وشرب ؛ ومن بعد ذلك تم ترحيلنا الى اللجان المشتركة في الرضوانية وهنا الكارثة الكبرى. فالأكل عبارة عن ربع عجينة ( صمونة) كل24 ساعة ولسوء الحظ كان اسمي مشابه لأسم احد المطلوبين وقد نالني ما نالني من تعذيب لمدة سبعة ايام معلق في ( سوباط ) العنب مع الاكراد , والله ان ما جرى وشاهدته في الرضوانية كيوم القيامة ...!!
وقد عشت برحمة الله سبحانه وتعالى هذه السبعة ايام حتى اتذكر اثنان من اصدقائي
كانوا يجلسون عند رأسي و يقرؤون سورة الفاتحة لأنهم كانوا يعتقدون ان قد فارقت الحياة وبعد ان انهيت التحقيق اعادوني مع العسكريين الهاربين قبل الانسحاب وفي كل يوم بل في كل ساعة نموت الف موته فكل ما خرجوا الينا المشخصين الملثمين لم يبقى بنا اي قابلية للحركة او امل للعيش...))
وقد ادلى الشاعر كريم جخيور بشهادته حول معتقل الرضوانية والقصور الرئاسية قائلا : (( ... الى أين؟
الى القصر الجمهوري
هذا ما نسمعه من كلامهم
شيء لا يصدق ابدا.
وضعونا في حديقة ... سمعنا صوت نسائي
الله .. الله صوت رقيق وعذب ونحن شعراء
شيء لا يصدقه الآخرون..
منحونا ماء
وبعد لحظات بدا التحقيق.
*****
مذكرات معتقل /٥
كنا نجلس متعبين وخائفين في الحديقة.. حديقة القصور الرئاسية ، حركة هنا..حركة هناك .. اصوات نسائية ناعمة ..ضحكات متقطة...
هجم علينا الديك الرومي ..أخذت حصتي من هجومه القاسي
هم يضحكون علينا ونحن خائفون..خائفون ونترقب ما هو قادم.
لم أعرف التحقيق من قبل وكل ما أعرفه هو ما قرأته في القصص والروايات مع انها طارت..تبخرت من عقلي .
الساعة الخامسة والعشرون وحدها أتذكرها .. قرأتها مرتين
ولكن التحقيق في القصص والروايات مجرد كلام هنا
وتمثيل هناك.
اذن كيف يكون التحقيق؟
لا أعرف .
صاح الحرس ..كريم جخيور
قلت نعم
فنهضت واخذني الى الغرفة..مغمض العينين ويداي مربوطتان
سلمت عليه.
وامرني بالجلوس.
شعرت ان الضابط كان منشغلا بالطعام
بعد خمسة دقائق
سألني ..
منو أنت وماذا تعمل
فقلت له نعم سيدي أنا كريم جخيور
واعمل بائع كيك في سوق البصرة .. شاعر
متزوج ولدي اربعة أطفال.
فقال اعرف اعرف وانت طيب وخوش ولد ولا تبيع الوطن
صحيح انهم حاولوا أستدراجك الى ألاعيبهم
ومنحوك فلوس وأخذوك الى أيران.
فقلت له
لا سيدي والله العظيم .. بالعباس
لم يعطوني فلوس ولم أذهب الى إيران
وانا لا أصلي ولا أصوم
فضحك وقال
أعرف انت عراقي بطل ولكنهم حاولوا والأنسان يضعف أحيانا وخاصة اذا كان فقيرا
أنت وافقتهم وفي الأخير رفضت
هذا كلام راح وانتهى لا نريد ان نعيده
والآن قل لي
من فاتحك بالأنضمام
ومن هم جماعتك
متى عبرت الى إيران وكم بقيت هناك
و كم أعطوك فلوس.
لا أريد منك غير هذا الأعتراف
فأنت عراقي وطني ..طيب وخوش ولد
بعدها توقع على اعترافك
حتى أطلق سراحك من هنا وتروح الى زوجتك واطفالك.
سكت لحظة
ثم قال أنت أبو من
فقلت له ابو عمر
فضحك وقال
هذا أسمك الحركي
فقلت له لا إبني اسمه عمر
فقال أنت سني
فقلت له لا أنا شيعي
فسكت لحظة وأخذ يشرب شاي وهو يقول لي
سوف أقوم واخليك تعترف بالقوة
فقلت والله بالعباس ..بشرفي ما عندي شيء
فقال
انعل ابوك لابو حتى شرفك
حقير قواد
ونهض من مكتبه
شعرت به يقترب
وبدا الضرب
على ظهري وأكتافي ورجلي
وانا ابكي واصرخ اصرخ .اصرخ
ثم صاح على الحرس
علقه من يديه بالمقلوب
وبأخف من ريشة علقني الحرس
وانأ ابكي واصرخ
******
مذكرات معتقل/٦
علقني الحرس من يدي بسقف الغرفة
وبدأ يسحب رجلي الى اسفل وانا اصرخ... اصرخ.
صرخ بي المحقق
أعترف
أعترف
وهو يضربني بالعصا على ظهري
فقلت بصوت متقطع
والله والله انا ما عندي شي
لم انتم لهم
فقال تنتمي لمن ؟
ليش هم عندهم حزب
وأنت تعرف
أذا اعترف
وضربني بقوة
اعترف
فقلت له والله لست منهم
فقال انا أعرف لست منهم
قلت لك فقط أعترف عليهم
والآن سوف انزلك وترتاح وبعدها تعترف حتى تروح الى
بيتكم.
انزلوني جثة هامدة
بقيت ممددا على الكاشي.
وبعد دقائق أمر بأخراجي
ساعدني الحرس على الخروج الى الحديقة
الى المكان الذي اتيت منه.
جسلت قليلا
نظرت الى أصدقائي
......
بعدها أخذونا الى جهة مجهولة لم نعرف ما اسمها
سمعت منهم الساعة الآن ٣ وربع صباحا
وصلنا قال لنا الحرس
ناموا حتى ناتي لنأخذكم صباحا.
ودون ان نتكلم نمنا .
جاؤوا صباحا
ربطونا وأخذونا ٣ جلسنا معهم ووضعوا ٢ في الصندوق
صندوق السيارة.
وحين وصلنا
بدأ التحقيق.
قال لي اعترف
ان صاحبك أعترف عليك
فقلت له
ليعترف أمامي
فقال للحرس
صيحوا الى عبد السادة
فقلت في نفسي سبحان الله
هل فعلها عبد السادة
وحين دخل عبد السادة
قال له اعترف: أليس كريم في حزب الدعوة؟
فقال له : نعم كريم جخيور صديقي وليس في حزب الدعوة
فظل الضابط ساكت .
ثم أمر عبد السادة بالخروج.
بعدها ... بعد كثير من التحقيق أمرني بالخروج.
عبد السادة البصري
كاظم حسن سعيد
حمدي حداد
عبد الغفار العطوي
أسامة جاسم
الساعة الآن الواحدة والنصف ليلا
وصلنا الى السجن ....
ونمنا ...))
وقد جاء في مذكرات محمد السعدي ( نزيل في الشعبة الخامسة) ما يلي : (( ... أعود الى تلك الليلة ( الرضوانية ) في دائرة الانضباط العسكري في العاصمة بغداد و لليلة واحدة في ذلك الجملون الأسن قد يختصر لهم المسافات في تحقيق مأربهم من قتلك أو انتزاع الاعترافات .رأيت بشرا ممددا , هناك من يلفظ أنفاسه الاخيرة وهناك من يستغيث ويئن بتوسل لمن يمد له يد العون , لكن لا أحد يجروء على النظر اليه . ربما أنا الوحيد لانه كنت الجديد وأخر نزيل في ذلك الجملون المحشور بلحم البشر ولم أفطن في الوهلات الاولى الى العواقب الوخيمة التي ستلحق بمن ينظر الى الاخر فكيف سيكون مصير من يجروء على التحدث مع الاخر حتى لو كانت تلك النظرات في الساعات الاولى من غروب تلك الليلة . ولقساوة التعذيب وبشاعته شعرت ان كفي اليمنى قد توقفت عن الحركة ولازلت أعاني من أثارها وفقدت الاحساس بأذني من كثرة وشدة الصفعات التي وجهت لي من كل حدب وصوب . لليالي تهاجمني أصوات صفير ورنين . التعذيب استمر معي حتى بزوغ الفجر داخل الجملون , لكن الذي عرفته لاحقا في الصباح , كان هناك قرار قيادي بنقلي سريعا وسريا الى بناية الشعبة الخامسة في الاستخبارات العسكرية في مدينة الكاظمية لذلك لم يفوتوا الفرصة من الانتقام مني في تلك الليلة الوحيدة التي قضيتها حتى الصباح معهم .كنت مقاوما بارادتي , سهروا معي في تلك الليلة رغم معرفتهم الاكيدة بأني سأذهب في الصباح الباكر الى المصير المجهول فارادوا بذلك ان ينتقموا هم ايضا . بهذا الحد والمستوى من التعذيب والاعتداء لم يتم استجوابي بكلمة واحدة ولا حتى محاولة فتح ملف تحقيق معي وهذا ما ألمني وعانيت منه لاحقا بحق . كانت اساليب التحقيق والمناورة فيها تعرضك احيانا الى الموت . تصوروا في تلك الليلة الرضوانية لم يتم السؤال حتى عن أسمي . وما زلت أنتحل الاسم الموجود في الهوية والتي وقعت بيدهم . كنت أحملها منذ عامين مضت بأسم عبود خلف , طالب اكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح , طبعت على ضوء مواصفات هويتي الجامعية كلية الاداب – جامعة بغداد , في الفصيل المستقل منطقة زيوه قاطع بهدينان . بعد ليلة دموية من عام 1987 كنت مدمى والاورام تغطي وجهي ورأسي منتفخ . كبلوني مع معتقل أخر ورمونا في سيارة تاكسي بعد ان وضعوا نظارات سوداء على عيوننا . رافقنا أثنان مع السائق, يبدو لي ان السيارة والسائق كما اتضح لاحقا هم جزء من فريق العمل وتابعة الى أجهزتهم الامنية . حجبوا الضوء عنا كي تحجب رؤية محيطنا وطريق أتجاهنا ,لكن عرفت شخصيا من خلال وعيدهم لي بان هذا الذي اتعرض له سيكون مشواري الاخير وصولا الى القضاء على حياتي. في ذلك الرمز المرعب في روح العراقيين .. الشعبة الخامسة في الكاظمية التابعة للاستخبارات العسكرية ...))
وقد افاد بعض الشهود ان خمسة من المعتقلين في الرضوانية هربوا من المعتقل بطريقة ما وقد تم القاء القبض عليهم - سريعا - وقد اعدموا امام المعتقلين .
ومما ذكره المنكوس الهجين المجرم لطيف يحيى - شبيه المجرم عدي صدام - في هذا المجال ؛ قائلا : (( قد تحرشت بي احدى صديقات عدي وقد زجرتها بشهادة البعض ومنهم شخص من حماية عدي ؛ الا انها قد نقلت ل عدي كلاما مغايرا عني , مما دفع عدي بإرسال حمايته الى بيتي في الثالثة مساءا وقد اخذوني وانا في ملابس النوم , ومثلت امامه وقد وبخني قائلا : يا ول انت شبيك وي فلانة البارحة ؛ يا ول انت ما تتربى ) ؛ فأمر الحماية نمير بأخذي الى الجماعة ويقصد زبانية الرضوانية ؛ وعندما خرجت بصقت في وجه الشخص الحماية الذي كان معي اثناء مجيء العاهرة ولم يشهد لبراءتي ؛ فقال لي : دروح يا معود قابل هم الحكك واطب للرضوانية ما صار لي شهرين من طلعت منها ما بي حيل ... , وعندما وصلنا الرضوانية بملابس النوم , كان الجلادون واقفين وبأيديهم ( كيبلات سود طول الكيبل متر) ومنهم : ابو( ذيبة ) و ابو درع وعبدالحسين – وكلها القاب وليست اسماء حقيقية لهم - وكانت اشكالهم اجرامية , وسال ابو (ذيبه ) نمير: ها قال له مفتوحة لان العقوبات اما ان تحدد بسقف زمني محدد كأسبوع او شهر او مفتوحة – اي غير محددة بوقت - ... ؛ ف استقبلوني , فأمروني بنزع الملابس مع البدء بالضرب والبسوني بنطال عسكري وانا حافي القدمين واثناء ضربي كنت اسمع صراخ واهات المعتقلين ( بالجملونات ... ) وامروني بالافتتاحية وقالوا لي لازم تتعلم لغتنا هنا , قال له ابو ( ذيبة ) اخذ وضع ( شناو ) الى قطع النفس ثم بدوا بضربي الى تشقق ضهري - وكلما صرخ المعتقل كلما زاد تعذيبه فقانون الرضوانية يجب ان يسكت المعتقل وهو يعذب ولا ينبس ببنت شفة - , ثم وضعوا الملح على جروحي ... , ثم بعد هذه الجولة ادخلوني في نكرة او حفرة مجاري فيها الغائط والبول والقطط والكلاب والجرذان الميتة يسموه دوش ؛ قالوا لي : اخذ حمامك وبعد اخراجي من الحفرة نظفت نفسي ببوري مكسور ماء وبي صوندة ونشفت نفسي عل صبه وبعدها اتى مضمد لعلاجي وانتهى العذاب الساعة السادسة وهذه فترة استراحة من السادسة مساءا حتى الرابعة فجرا وادخلوني قاعة فيها ضباط جهاز الامن الخاص وحمايات القصر والشخصيات الصدامية و مقربين ومصور صدام الخاص ووو ؛ وكلهم تسيل الدماء منهم وشاهدت شخص نائم وعلى راسه ( خاولي ) وهو صباح ميرزا الا انه لم يعذب مجرد معتقل محتجز فحسب ؛ وقال لي صباح ميرزا : وليدي شورط ك وياهم ... والضوء يطفوه ويشعلوه بين ساعة واخرى .. ويعطوك شوربه وصمونه فقط ...بالرابعة صباحا يبدا الجلاوزة بطرق الابواب والازعاج ومن السادسة صباح يبدا العذاب من خلال الهرولة والضرب بالهراوات والتعذيب ووو ... وبعد اسبوع انتهيت ( اصطكت ) ظهري انتهى ... وبعد 25 يوم انتهيت فعلا لا اكاد استطيع التنفس واتصلوا بعدي صدام و قالوا له اذا ما يطلع اليوم يموت ؛ وجاء عدي وقال لي : ها يا ول تأدبت فقام بحلق حواجبي وشاربي وشعري .... قال لي يله يا ول تعال ... وقال عدي لي يله هسه عرفت الحقيقة بس ميخالف احن اتحملنه اتحملنه وهو يبتسم ويضحك ... واستطرد قائلا : انه شاهد ( جملونات ) مكتظة بالمعتقلين اثناء الانتفاضة وهم يتعرضون لتعذيب بشع لا يطاق حتى هو نفسه وعلى الرغم من طائفيته وعنصريته واجرامه استنكر هذا التعذيب وقال انه تعذيب مهول حيث اغلب المعتقلين عراة وبعضهم يرتدي الملابس الداخلية فقط التي تستر العورة وكان يسقط اكثرهم موتى وصرعى من شدة التعذيب وفيهم اطفال وهو يعترف بان نصفهم ابرياء وقال انهم يخرجون الموتى الذين يسقطون يوميا بسبب التعذيب الرهيب من القاعات وتأتي سيارات تأخذهم الى مكان مجهول وقال ان اهالي الجنوب قد جاءوا بهم ب ( اللوريات و القلاب والشاحنات ) (5) الى المعتقل ليلقوا مصيرهم الاسود هناك ...!!
ومن ابرز مجرمي الرضوانية غالب – من اهالي ديالى – والمعروف ب ( غلوبي ) ؛ وقد ذكره الصحفي هادي جلو مرعي بمقالته : ( حكايات غلوبي ) قائلا : ((مرعي "إبن القندرة" ألم أقل لك لا تندق بهم ؟ ما باليد حيلة يا خال ، أرجوك خلصني لقد عشت أياما صعبة في معتقل الرضوانية تحت رحمة "غلوبي" وكفيه الخشنين كأنهما جناحا طائرة نفاثة. أوكي سأتدخل لنقلك الى وحدة عسكرية بعيدة عن عيون السلطة، ولا تكرر هذا ثانية ودعك من فوج الحماية الخاص المعني بحماية الرئيس القائد. كان الشاب قضى أياما صعبة في الرضوانية، ولولا لطف الله لكان انتهى بواحدة من طرق التعذيب التي يجيدها "غلوبي" المكلف من قبل "قصي صدام حسين" بعمليات تعذيب تطال حمايات صدام وعناصر الأفواج الخاصة المخالفين، ولاعبي كرة القدم والصحفيين والمثقفين والمقربين من السلطة والعاملين في الاتحادات الفنية والرياضية واللجنة الأولمبية التي كان يتزعمها "عدي صدام حسين" وقد انتهت الى ركام مقابل نصب الشهيد بشارع فلسطين بجانب الرصافة من بغداد. كان صديقي يطارد صديقته التي تعمل في ملهى من ملاه بغداد، ولأن شقيقتها كانت على علاقة خاصة بأحد عناصر الحماية المهمين فقد هددته بأن تعرضه لعقاب مذل في حال ظل يلاحقها بطريقته السيئة تلك، لكنه نسي تحت تأثير المسكر كل تلك المخاوف، وذهب ليطلق النار على شقتها ويهرب، وظل مطاردا حتى تدخل "أرشد ياسين" زوج شقيقة صدام الذي نبذه فيما بعد، وكان هناك نوع من التجسس على عناصر الحماية المخالفين خاصة الذين تعودوا السهر والسكر في ملاهي العاصمة، لجأ صديقي الى أرشد الذي طلب إليه مرافقته الى الملهى، ووجدوا عنصر الحماية المهم جدا وهو تحت تأثير الخمر، وقد وضع مسدسه على الطاولة فقبض عليه وأرسله الى " غلوبي" الذي ل ايتردد في تعذيب أي شخصية مهما كانت المنزلة التي عليها فهو مأمور من قصي شخصيا. لم يكن النظام يتهاون مع عناصر حماية كبار المسؤولين حين يخالفون... مايزال يتذكر تلك اللحظات حين كان في معتقل الرضوانية حيث أدخل عدد من المواطنين مكبلين، وتظهر عليهم علامات الذل على "غلوبي" الذي وضعهم في مكان وأطلق عليهم كلابا جائعة، وهو يصيح، هؤلاء يريدون أن يسقطوا النظام، وبرغم إنه لم يتناول الطعام منذ ثلاثة أيام إلا إنه فوجئ بكم القيئ الذي تداعى من فهمه على الأرض وهو يرى الكلاب تنهش في لحوم المعذبين، وحتى إستحق من خاله أن يقول، إبن القندرة ألم أقل لك أن لا تندق بهؤلاء. أحدهم قيد من قبل "غلوبي" وأوقف تحت صنبور ماء تنزل منه قطرات على الرأس فتحدث في الدماغ ما يتسبب مع الوقت بانهيار عصبي وخدر ونوع من الخبال وقد ينتهي بالموت، لكن أخطر من ذلك هو القتل بالتيزاب الذي ينزل من أعلى على الرأس والجسد فيذيبه فلا يبقى سوى العظام! ما ذكرني بغلوبي ، هو حديث صديق معي عن ذكريات مرة عاشها في تلك الفترة، ولا أعلم أين ذهب غلوبي الذي لم يسلم من شروره لاعبو كرة القدم، وبقية الرياضيين والصحفيين والفنانين والأدباء طيلة تسعينيات القرن الماضي. لا تظلم فنهاية الظلم سيئة، ولا أعرف لماذا يستمر البعض في الظلم حتى مع كم العبر التي نعيشها ونتجرع مراراتها كل يوم؟ لا أعرف. )) (6)
وقد ادلى بعض الشهود امام محكمة محاكمة ازلام النظام البائد : (( بأن المجرم عبد حمود سكرتير المجرم صدام قد شارك بنفسه في تعذيب سجناء الرضوانية من محافظتي ميسان والبصرة ..)) الا ان المجرم عبد حمود وكعادة ابناء الفئة الهجينة والطغمة الصدامية ؛ انكر ذلك وادعى ب أنه لم يزر أبدا معتقل الرضوانية الواقع غربي بغداد والذي كان يضم المعتقلين في تلك الأحداث ... علما ان هؤلاء الانذال والاوغاد الاشرار كانوا يسارعون الى الحضور في هذه الاماكن الجهنمية لممارسة التعذيب والتحقيق بحق المعتقلين وذلك لاظهار واثبات ولائهم للمجرم صدام بالإضافة الى معرفة ما يجري في هذا المعتقل او ذاك لضمان امن النظام .
ومن المعروف عن المجرم عدي صدام ان هويته المفضلة التعذيب وارسال الاشخاص الى الرضوانية ؛ اذ طالما ارسل الرياضيون الى الرضوانية وعذبهم هناك ومنهم اللاعب الدولي حبيب جعفر ؛ وكان يتولى مهمة تعذيب الرياضيين الجلاد – ( جلاد معتقل الرضوانية ) - المدعو أبو ذيبة ؛ فقد اختار عدي هذا المعتقل ؛ لزج الرياضيين والفنانين والاعلاميين والمثقفين فيه عندما يقرر ذلك وفقا لمزاجه المتقلب .
ويحدثنا اللاعب السيد احمد محمد حسن عبد الأمير الفلوجي الحلي عن تجربته مع المجرم عدي تلك الحادثة، قائلاً: (( حدثت الحادثة المشؤومة وذلك عندما شاهد المقبور عدي صدام حسين لإحدى المباراة المنقولة تلفزيونياً مباشرةً، وكنا نلعب حينها ضمن نادي النفط، وأثناء المباراة حصلت مشادة كلامية بيني وبين حكم المباراة، وعندما شاهد المقبور عدي الموقف عبر التلفاز، اتصل هاتفيا بالملعب وأمر باستدعائي وسجني، وقد أخذوني واعتقلوني في سجن الرضوانية السيء الصيت ، وأمر المقبور بفصلي من الجامعة، كما أمر بتعذيبي ، وكان هو يشرف على تعذيبي من خلال الهاتف، وعلى اثر ذلك فقد تعرضت في السجن لأبشع انواع التعذيب والاذلال، وكان اخره حلق شعري ولحيتي وشاربي وحتى حاجبي.))
ثم خرج السيد احمد الفلوجي من المعتقل، ولكنه خرج بأية حالة، خصوصاً وانه تعرض لأقسى صنوف التعذيب، حتى بلغ به الامر اثناء التعذيب أنه أصيب بضربة وقعت على احدى ركبتيه، كانت تلك الضربة هي سبباً لامتناعه وتوقفه عن اللعب بعد ذلك التاريخ.
ان السيد احمد الفلوجي (حماده) قد حُرِم من الملاعب وهو في ريعان شبابه، وأوج قوته، واصبح الفلوجي ينظر الى أقرانه وهم يتدرجون ـ بمستوياتهم الكروية حتى أصبحوا من الرعيل الاول في مجال كرة القدم، وأقرانه كانوا وما زالوا ينشطون في مجالهم، واللاعبون هم من أمثال : ( ليث حسين، معد ابراهيم، راضي شنيشل، احمد راضي، وسعد قيس، واخيراً يونس محمود، ونور صبري وآخرون) وأصبح الفلوجي كلما ينظر او يشاهد مباراة للمنتخب العراقي ، تأتيه الحسرة لذلك الحرمان الذي تسبب به النظام البائد.(7)
وقد صرح اللاعب الدولي سعد قيس – بخصوص معتقل الرضوانية - بما يلي : (( ... جل اللاعبين زاروا هذا المعتقل وأنا قضيت فيه شهرا كاملا مع اللاعب محمود مجيد أذاقونا خلاله شر التعذيب ، بينما نال الكابتن حبيب جعفر حصة الأسد من العقوبات فيه... ؛ في العام 1998 أثناء مشاركة نادي الشرطة في بطولة كاس الكؤوس الآسيوية وضمن الدور ربع النهائي للبطولة التقى فريقنا مع كوبتداج التركمنستاني في عشق آباد وخسرنا المباراة بأربعة أهداف نظيفة ، وبعد عودة الفريق إلى بغداد تعرضت أنا وزميلي محمود مجيد إلى الاعتقال والتعذيب لمدة شهر في معتقل الرضوانية على غرار السياسة التي كان يتبعها المقبور مع الرياضيين الذين يخفقون في تحقيق النتائج التي ينتظرها...
ما اكثر الذين كانوا يطعمون وجبات طازجة من اشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي في المئات من سجون ومعتقلات الفئة الهجينة والطغمة الصدامية ؟ ؛ وما اكثر الذين قضوا تحت سياط التعذيب ؟ ، ولكن ، ولسوء حظهم ، من دون أن يسمع أحد صراخهم وعويلهم أثناء وجبات التعذيب ، أو يصغي إلى أنينهم الهادئ المتسرب من حناجرهم المتعبة بعد الانتهاء من تلك الوجبات القاسية ، التي يموت تحت طائلها الكثير ممن لا تسعفهم أجسادهم النحيفة تحمل آلام العذاب والتعذيب .
وفي الأثناء كذلك ، تتعرض آلاف النساء الطاهرات العفيفات الشريفات ، لاعتداءات جنسية على يد وحوش وأزلام الفئة الهجينة والطغمة الصدامية ، التي هبت جميعها ، هبة رجل واحد ، لتقضي على الاغلبية العراقية قضاء مبرما وتذيقها سوء العذاب ... .
إن هذه الجرائم الرهيبة تعتبر وصمة عار في جبين الفئة الهجينة و شذاذ ولقطاء ومجرمي تكريت على وجه التحديد ، كل الاحرار في العالم اهتزوا لتلك الجرائم وتأثروا بتلك المجازر الا رجال الفئة الهجينة الذين يتشدقون الان بحقوق الانسان وكرامته والمطالبة بتحقيق العدالة ...!! .
ولكن هل سمعنا يوما ، أن مواطنا دخيلا او هجينا عميلا او تكريتيا حقيرا إرتجف له جفن ، بسبب تعرض مواطن عراقي اصيل للمعاملة السيئة على يد خزنة سجون الفئة الهجينة والطغمة الصدامية ؟
وهل سمعنا يوما ، أن مسؤولا هجينا او بعثيا او صداميا إهتز له شارب ، بسبب حالة انتهاك شرف تعرضت لها مواطنة شريفة على يد جلاد في إحدى الزنزانات الرهيبة التي امتلأت بها البلاد ؟
وهل سمعنا يوما ، أن مسؤولا او ضابطا او مجرما بعثيا او صداميا إعتذر للعراقيين بسبب معاملة سيئة تعرض لها سجناء عزل ؟
وهل سمعنا يوما ، بأن مسؤولا بعثيا وعد مواطنيه بتوبيخ جلاد ، ارتكب جريمة ضد سجين عن طريق (الخطأ) مثلا ؟
أم سمعنا بحملات تنظيف السجون ، ليس من الأوساخ قطعا ، وإنما من نزلائها كلما امتلأت بهم ، كما كان يفعل ابن الطاغية المجرم قصي الذي كان يصدر أوامره بقتل من في السجن من المعتقلين ، كلما زار سجنا ورآه ممتلئا ، فكان عدد ضحاياه في كل وجبة إعدامات جماعية ، يصل في بعض الأحيان ، إلى أكثر من ألفين معتقل وسجين ؟
أف لهذه الازدواجية التي ترى القذى في عيون العراقيين الاصلاء ولا ترى الجذع في عيونها ؟ وترى الدينار المسروق في بطن مواطن عراقي اصيل جائع سلبت ثرواته وسرقت خيراته ؛ ولا ترى الملايين بل المليارات المسروقة في بطون الحكام وعوائلهم وزبانيتهم واقربائهم واصدقاءهم وجواسيسهم من الفئة الهجينة طوال 83 عام من حكمهم الاسود ؟!
انها الفئة الهجينة اللعينة العوراء التي يجب على كل عراقي اصيل اصلاحها او استئصالها من هذه الارض الطاهرة .
وبعد كل هذه الحقائق الدامغة والاف الشهادات التي نؤكد حقيقة هؤلاء العملاء الاوغاد ؛ تأتي الاقلام المنكوسة لتقلب الحقائق والوقائع راسا على عقب ولا تخجل من ملايين الضحايا من العراقيين الاصلاء ؛ لكي تجمل حقيقة الفئة الهجينة والطغمة الصدامية ؛ واليك هذا المثال للمدعو سعد الاوسي والذي كتب مقالا تافها بعنوان : :(يظل عالي العراق اوعالية اسواره.. وبحدوده الزلم عالتفك نطارة) تكلم فيه عن تجربته الخرافية الطوباوية في سجن الرضوانية ولعل افتراءاته هذه و اكاذيبه السمجة مستوحاة من الفلم المصري السياسي ( احن بتوع الاوتبيس ) ؛ واليك نص هذه الاكاذيب السمجة والافتراءات الباطلة : ((أنشدها المعتقل والسجان :(يظل عالي العراق اوعالية اسواره.. وبحدوده الزلم عالتفك نطارة) - رواية من سجون الرضوانية في ذكرى يوم الهجوم على الفاو-/ بقلم: سعد الأوسي ::
في شهر نيسان من عام 1987 واثناء الهجوم على مدينة الفداء والبطولة البصرة الصامدة من خلال محور مدينة الفاو، كنت سجينا في احدى زنزانات معسكر الرضوانية، حينها بدأنا نسمع اناشيد واغاني وطنية॥ نصغي لها بدقة والتي رافقتها البيانات العسكرية التي كانت تصدر من القيادة العامة للقوات المسلحة، كان معي في السجن مصور صدام حسين (طه) و(وائل سعدون حمادي)!وغيرهم من افراد سرايا الحماية الخاصة والحرس الخاص ومهندسين يعملون في القصر الجمهوري واعلاميين ورياضيين من نادي الرشيد الرياضي كانوا يقضون معي فترة العقوبة في سجون الرضوانية عرفنا انذاك من خلال الاذاعة الداخلية للمعسكر الذي كنا معتقلين فيه ان ايران بدأت هجومها على مدينة الفاو الحبيبة! واخذت مشاعر جميع السجناء تتوحد شيئا فشيئا حتى وصلت ذروتها عندما لاحت في اسماعنا انشودة (هاه خوتي النشامة॥ عليهم يالنشامة)! فوقف شعر رؤوس السجناء واقشعرت الابدان وجميعنا بدأ ينشد باعلى صوته (يا كاع اترابج كافوري.. عالساتر هلهل شاجوري)!فقد تصورنا ان ثرى العراق الطاهر يناشدنا لنلبي الدعوة لحماية الوطن من العدوان الايراني، فحدثت ضجة كبرى داخل المعتقل بسجنه العام وزنزاناته الانفرادية وظل الجميع يكبر باسم الله وينادي (الله اكبر يا عراق)! الى ان حضر السجانون الينا فطلبنا منهم حضور آمر السجن وما ان حضر حتى اكدنا له رغبتنا واصرارنا بأن حدود العراق اولى بنا من قضبانه ونحن نطالب بارسالنا الى جبهات القتال للمشاركة في المعركة.. فاستمع الرجل الينا واكد انه سيسعى بنقل طلبنا الى مراجعه العليا! ولم تمر سوى 48 ساعة فقط حتى جاء امر الرئيس باطلاق سراح جميع سجناء معسكر الرضوانية لموقفهم الوطني।الامر كان مفاجأة لنا جميعا حيث لم يخطر ببالنا اطلاق سراحنا بل كنا نتوقع بالفعل ارسالنا الى جبهات القتال! لأن الوضع كان عصيبا للغاية! فخرجنا نرقص جميعا الى ساحة المعسكر (العرضات) الذي كان فيه المعتقل (بالهوسات)! ونردد الاغاني الوطنية الحماسية اتذكر منها على سبيل المثال (يظل عالي العراق اوعالية اسواره.. وبحدوده الزلم عالتفك نطارة)! ودموعنا امتزجت مع دموع السجانين الذين ودعونا باعتزاز مؤكدين لنا ان المشاكل والعقوبات تذوب عندما تتوحد المشاعر والاواصر وعندما يتصاعد نداء الوطن داعيا ابناءه البررة للدفاع عنه.. اليوم ونحن نرى العراق يذبح من الوريد الى الوريد ودخول النكرات ممن كان يتمنى دخول البلاد بات اليوم يدنس تراب حدوده واصبحت له اقدام ومكاتب واغطية ومؤسسات وقام بشتى الاعمال القذرة تجاه الشعب العراقي ويسفك الدماء منذ خمس سنوات ويزهق ارواح ابنائه دون وجه حق ودون رد او عقوبة! فهل هناك من يلبي نداءات واستغاثات الوطن ويضمد جراحاته وآهاته التي اثخنها هؤلاء الاعداء الذين يغرسون خناجرهم في عراقنا الحبيب بعد ان ترجل الرجال الرجال عن صهوات جيادهم تاركين الوطن لمن هب ودب يبيعون به حيثما يشاؤون !ومن اليوم يعيد صولات ابناء الوطن لطرد كل غاصبيه والداخلين اليه من غير الشرفاء ليعود العراق معافى عصيا على كل العملاء والخونة؟! وعندما نجد هؤلاء الرجال سنصرخ حينها ونقول (هاه خوتي النشامه.. عليهم يالنشامة) )) (8) ...!!
ان هذه المقالة التافهة والكذبة السمجة التي حولت جلادي الرضوانية الى ملائكة رحمة وضباع المعتقل الى حمائم سلام ليست الا كذبة واحدة بسيطة من بحر اكاذيب الفئة الهجينة والبعثية والطغمة الصدامية واصحاب الاقلام المنكوسة ؛ ومن أشنع أكاذيب هؤلاء الاوغاد ، ادعاؤهم نظافة اليد واللسان والضمير والتاريخ .. وبعضهم يزيد فوقها : الإيمان بالديمقراطية وحرية الرأي الآخر والعدالة والمساواة ... و خدمة العراق والعراقيين على حد سواء ... ان كتاب واعلاميي الخط المنكوس تعلموا الكذب من سياسيي الفئة الهجينة .
يقول فلاسفة التاريخ : الهدف من دراسة التاريخ ليس اجترار الآلام والبكاء على الاطلال ، ونبش الماضي بروائحه المتعفنة واسترجاع الصـور المبكيـة والدامية ، وإنما هو أخذ العبرة من الماضي ، الماضي الذي كلف بلاد الرافدين الملايين من الضحايا بالإضافة الى عشرات الآلاف من خيرة أبنائها ، كي لا يضيع الماضي سـدى ، فنستفيد منه في الحاضر ، وعندما أتحدث عن المذابح الجماعية والمجازر الصدامية التي مارسها نظام الفئة الهجينة والطغمة البعثية التكريتية في العراق ، أو أنواع التعذيب وأساليبه الوحشية ؛ لا أقصد منها سوى أن نعتبر من الماضي المؤلم ، وأن نتخذ كافة الاجراءات والاحتياطات كي لا يعود هذا الماضي ، ونجتث الأسباب المؤدية لهذا الماضي المروع من جذورها ، وأهم تلك الجذور الحكم الفردي الديكتاتوري وتسلط لقطاء ومجرمي وشذاذ الفئة الهجينة واتباع الخط المنكوس ، اذ طالما استخدمت انظمة الفئة الهجينة الجيش العراقي - ( جيش الشعب والامة العربية ) كما قالوا عنه- ؛ ضد الشعب العراقي الاصيل ؛ استخدموا جيش الشعب ليقتل الشعب بدلاً من أن يحميه ؛ والشرطة والاجهزة الامنية لم تكن في خدمة الشعب يوما بل كانت للعراقيين الاصلاء بالمرصاد تنهب اموالهم وتصادر ممتلكاتهم وتعتقل ابناءهم وتهلك حرثهم ... .
................................................................................................
- 1-أنشدها المعتقل والسجان :(يظل عالي العراق اوعالية اسواره.. وبحدوده الزلم عالتفك نطارة) - رواية من سجون الرضوانية في ذكرى يوم الهجوم على الفاو/ بقلم سعد الاوسي .
- 2-قرأت وتذكرت / الدكتور حميد الطرفي .
- 3-جاء ذلك في الصفحات : 2447 – 2449 من الجزء الثالث 3 من ( موسوعة عن قتل و اضطهاد مراجع الدين و علماء و طلاب الحوزة الدينية لشيعة بلد المقابر الجماعية " العراق" )
- 4-طريق الموت رحلة المنتفضين إلى سجون الرضوانية / قاسم البريسم .
- 5-قناة يحيى لطيف على موقع اليوتيوب عنوان الحلقة : عـدي صــــــدام بسببه تركت العراق .
- 6-حكايات غلوبي / بقلم :هادي جلو مرعي .
- 7-اللاعب المظلوم احمد الفلوجي / حيدر الفلوجي .
- 8-أنشدها المعتقل والسجان :(يظل عالي العراق اوعالية اسواره.. وبحدوده الزلم عالتفك نطارة) - رواية من سجون الرضوانية في ذكرى يوم الهجوم على الفاو/ بقلم سعد الاوسي .