العراقيون الاصلاء كان البعض منهم حانقين ومستائين من قرارات وفتاوى وتحركات بعض رجال الدين في مطلع القرن العشرين لاسيما ذوي الاصول غير العراقية منهم والمرتبطين بمصالح بلدانهم الخارجية , وازداد هذا الحنق والاستياء والنقد يوما بعد يوم ؛ بل وحملوهم مسؤولية اقصاء الاغلبية والامة العراقية واستحواذ الفئة الهجينة على الحكم في العراق عام 1921 , واستمر رجال الدين بالمضي قدما في هذه السياسة المنكوسة التي كانوا يرون فيها صلاح الامة , فقد دعموا الاتراك الطائفيين الظالمين وعرضوا ابناء الاغلبية للموت المحقق الزؤام من خلال التصدي للقوات البريطانية القوية وذات التسليح الحديث وقتذاك , ثم حرم البعض منهم الانتخابات , وحرم البعض الاخر منهم التعيين في دوائر الدولة او الالتحاق بالمدارس ( الفرنجية او الانكليزية الكافرة ..!! ) بينما حرم البعض الثالث اقامة اية علاقة مع الانكليز وغيرهم , بل وصل الامر الى تحريم استخدام الكثير من منتجات الحضارة الغريبة المعاصرة , اذ افتى بعضهم بحرمة سماع الراديو او مشاهدة التلفزيون … ؛ وبغض النظر عن دوافع واهداف تلك الخطوات ولو سلمنا جدلا بصدق النوايا الا انها كلها باءت بالفشل الذريع ولا اجد مثلا ينطبق على تلك الحالة كالمثل الشعبي القائل : (( اجه يكحلها عماها )) فهم كمن اراد تصحيح الخطأ بما هو افدح منه , فالكل يعرف ان الحل والعقد والامر بيد الانكليز آنذاك وليس بيد مرتزقتهم العملاء الاذلاء … , وليس من المعقول ان يترك المرء الاصيل ويذهب الى الوكيل … , والعجيب ان هنالك فئة من رجال الدين من ذوي الاصول الاجنبية والجذور غير العراقية عقدوا اتفاقيات سرية مع الانكليز , تم بموجبها حماية هؤلاء وتقديم الدعم المادي لهم ولعوائلهم وفتح ابواب لندن امامهم متى شاءوا الذهاب اليها , الا انهم اغفلوا موضوع حقوق شيعة العراق تماما , ولم يعيروه اية اهمية تذكر , وكأنهم من كوكب اخر ؛ وفي المقابل تهافت رجال الدين السنة من وعاظ السلاطين والولاة العثمانيين و كذلك ضباط الجيش العثماني على الانكليز وقدموا لهم فروض الطاعة والولاء , وسرقوا من العراقيين الاصلاء الوطن المليء بالثروات والخيرات والامتيازات طيلة 83 عاما , وتركوا لهم الوطنية المضرجة بالدماء الحمراء والتي ترتدي ثياب الفقر والعوز والفاقة البالية السوداء والمتوجة بأشواك السجون والمعتقلات … ؛ علما ان سياق الاستبداد الحكومي في وطننا الجريح لا يختلف كثيرًا عن سياق الاحتلال الاجنبي ، فكلاهما ينتهكان حقوق الانسان , ويصادران الحريات وينهبان الثروات والخيرات , ويستفردان بالقرار السياسي بمعزل عن ارادة الجماهير ورأي الشعب , بل ان الحكومات المحلية احيانا تكون اشد بطشا وفتكا بالأمة والاغلبية العراقية من المحتلين الغزاة وفي تجربة حكم الطغمة الغاشمة التكريتية الصدامية خير شاهد ودليل .
مات المتشدقون وهلك المتفيقهون وتوارى عن الانظار المتشددون , واختفى من الساحة المتعصبون , ولم يبق منهم الا من هو جليس الدار , او المعتكف في السرداب , او المنشغل بدراسة وتدريس الكفاية والمكاسب وغيرهما من الكتب الدينية والنحوية العتيقة , ودارت الايام دورتها , وما سنه الاولون اصبح نهجا متبعا لا من الحكومات الطائفية العنصرية فحسب بل من اغلب رجال الدين المحسوبين على الاغلبية العراقية ؛ علما ان اكثر هؤلاء لا يفقهون لهجة الاغلبية العراقية الاصيلة ولا يمتون لأبنائها بصلة , بل ان البعض منهم ينظر لأبناء الاغلبية نظرة ازدراء واحتقار وعنصرية … الخ .
بالإضافة الى العامل الديني ؛ الأيدولوجيات الفكرية والسياسية ايضا لعبت دورا سلبيا وتامريا ضد الاغلبية الاصيلة ؛ فمن أكثر الامور التي أضرَّت بالأغلبية العراقية الشعارات والدعوات القومية والاممية وحركات واحزاب الاسلام السياسي والتي لا تمت بأية صلة للواقع العراقي والهوية الوطنية الاصيلة وهموم ابناء الأغلبية وقتذاك ؛ اذ ارتهن مصير العراق والامة والاغلبية العراقية طيلة عقود طويلة للخارج وتأثر بالمعارك والتجاذبات الدولية والإقليمية والتي لا ناقة لنا فيها ولا جمل … .
حتى الاصوات الدينية المختلفة و التي تنطلق من رجال الدين العراقيين اولا ومن رجال الدين من ذوي الاصول غير العراقية ثانيا -احيانا – للمطالبة بحقوق الاغلبية في العهد الملكي والجمهوري – وسط الاتفاق غير المعلن والعرف السياسي الذي يدعو لإقصاء وتهميش الاغلبية وحرمانها من كل اشكال السلطة الفعلية – كانت شبه مغيبة وتعتبر من شواذ القاعدة , وهشة وخجولة , و كانت تطالب الحكومات الطائفية والعنصرية والدكتاتورية بحقوق بسيطة جدا , يتمتع بها اغلب المواطنين في دول العالم , واما المطالبة بحكم البلاد فعليا واصلاح احوال العباد جذريا فهذه القضية كانت من المحرمات الدينية والممنوعات القانونية بل من سابع المستحيلات السياسية …!!
وقد دفعت الاغلبية جراء هذا الغباء السياسي , والانفعال العاطفي , والتآمر الدولي , والحقد الطائفي والعنصري , والاهمال الحكومي , والصمت الاعلامي , وتخاذل المؤسسة الدينية المنكوسة ؛ ثمنا باهضا اذ هلك مئات الالاف بل الملايين من العراقيين الاصلاء بسبب الامراض والاهمال الصحي وسوء التغذية طوال 83 عاما من البؤس والقحط والعذاب , ومات مئات الالاف تحت سياط التعذيب في المعتقلات , ودفن مئات الالاف في المقابر الجماعية بلا غسل او كفن , وتوفى مئات الالاف بل الملايين في حروب الوكالة والعمالة ومعارك النيابة عن الاخرين , واستشهد مئات الالاف في المواجهات المسلحة مع الأنظمة القمعية وفي الثورات والانتفاضات والمظاهرات المستمرة ؛ فضلا عن السنوات العجاف وعقود القحط والبؤس والعوز والجوع وايام الحصار الرهيب الذي اكل اللحم ودق العظم , وراح ضحيته مئات الالاف من الاطفال والرضع , ناهيك عن الاذلال والاقصاء والتهميش ومحاربة العراقي الاصيل في كل شيء بل وعده مواطن من الدرجة العاشرة وتفضيل الاجانب والغرباء واللقطاء والدخلاء عليه , حتى وصل الامر الى مرحلة التطهير الطائفي والاستئصال العرقي العلنية كما حدث في قمع الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 … الخ .
وبعد كل هذه الدماء الزكية وقوافل الضحايا الحسينية والآهات الجنوبية والحسرات والالام والمحن العراقية ودموع الامهات والارامل واليتامى , وتوسلات الشيوخ ومناجاة الصالحين ودعاء المظلومين ؛ استجاب القدر وحانت ساعة الصفر , وجاء الاعصار الالهي مسرعا لاجتثاث الشجرة التكريتية الخبيثة من جذورها و اصبح عالي العوجة سافلها , ودمدم الله على البعثية فأخذهم اخذ عزيز مقتدر , ولم يبق منهم الا صبابة كصبابة الناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ؛ وجعلهم يشربون كؤوس الذل والمنون على ايدي اسيادهم الاجانب فضلا عن العراقيين الاصلاء طلاب الثأر والحق واباة الضيم , وشتت الله شملهم وصيرهم طرائق قددا , وهربوا من بلاد الرافدين وانتشروا في الدول الخارجية كما الطاعون , ومن بقى منهم امسى في العراق خائفا يترقب , كسيده جرذ الحفرة القومية … ؛ فقد فاحت الرائحة النتنة لإرهاب البعث واجرام صدام , وسارت بقصص جرائمه ومجازره الركبان , واضحى حديث الساعة , مما شكل ضغطا نخبويا وشعبيا وسياسيا واعلاميا على الحكومات الغربية التي جاءت بنظام البعث وساندته و وقفت معه ؛ لاسيما وان المعارضة الوطنية والجاليات العراقية والشخصيات السياسية في الخارج ؛ فضحت النظام ونشرت بين الناس مثالبه ومساوئه وحقيقته الدموية ... ؛ وبعد كل تلك المقدمات عقدت الولايات المتحدة والدول الغربية العزم على ازالة النظام البعثي الاجرامي الخطير والمتهم بشتى جرائم الحرب والابادة والتطهير العرقي والطائفي ؛ فضلا عن سجله الاسود والحافل بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان ؛ وقد تعلمت بعض الشخصيات الشيعية ونخبة الاغلبية العراقية من الدرس البريطاني القاسي عام 1920 , وغيروا السيرة وصححوا المسيرة بما يزهق الباطل ويحق الحق ولو كره المنكوسون و المجرمون البعثيون و الارهابيون الطائفيون , واشرقت شمس الحرية والديمقراطية عام 2003 , وفرحت الاغلبية بل الامة العراقية برمتها باستثناء الفئة الهجينة الغاشمة والطغمة الطائفية الحاقدة … الخ .
وعادت ريمه الى عادتها القديمة , فقد ارتكب الحمقى والجهلة والمنكوسون والمرتزقة اخطاء كتلك التي اقترفها اسلافنا مع الانكليز عام 1920 , وارادوا ان ترجع الكرة , من حيث يعلمون او من حيث لا يعلمون – ان احسنا الظن بهم – , اذ اقدموا على قتل عناصر الشرطة والجيش وموظفي الحكومة بحجة التعاون مع الامريكان او بذريعة دعم الحكومة التي جاءت مع المحتل ؛ علما ان هذه الدعوات انطلقت من ايتام النظام البائد وازلام البعث ومرتزقة التنظيمات الارهابية والعصابات الطائفية الاجرامية , بل ثبت وبالدليل ان بعض المحسوبين على الاغلبية قد نسقوا مع هؤلاء وغيرهم من الاعداء ؛ للقيام بتلك الجرائم والعمليات التخريبية التي استهدفت الحكومة والتجربة الديمقراطية والعملية السياسية وابناء الاغلبية العراقية , وعملوا على مقاطعة الانتخابات الا ان الاغلبية هذه المرة , كشفت اللعبة وعرفت خيوط المؤامرة ولم تركض خلف هذه الدعوات الغبية والمنكوسة والمشبوهة , وباءت اعمال أولئك بالفشل , وسارت العملية السياسية بخطى ثابتة وتصاعدية الى ان وصلت الى ما هي عليه الان … الخ .
والمفارقة ان هؤلاء المحسوبون على الاغلبية العراقية وبعد ان سفكوا دماء العراقيين الاصلاء وقتلوا الموظفين الشيعة الابرياء من العاملين في الخضراء وغيرها وقتذاك ؛ صاروا يتقاتلون فيما بعد على الدخول الى الخضراء , والتعيين في الجيش والشرطة وباقي الوظائف الحكومية …!!