التحقوا وهم بعمر الزهور الى مكان عملهم الاول , اذ لم يسبق لهم من قبل ان عملوا في وزارة الدفاع او الداخلية او غيرهما من دوائر الدولة , وقد بدا  لهم المكان موحشا كئيبا , الا انهم بددوا غيوم الكآبة والوحشة والغربة بروحهم الرافدينية  العريقة وطيبتهم الجنوبية الاصيلة , ومضت الايام سريعا , وكأنها لم تكن , واذا بالقاعدة الجوية ( سبايكر ) تضطرب وتعمها الفوضى , ويسود القلق والخوف من المجهول الاجواء , ويعم الهرج والمرج , بعد انتشار الانباء و وصول الاخبار التي تؤكد سقوط الموصل بيد العصابات الاجرامية والتنظيمات الارهابية والوحوش الداعشية , وتضاربت الآراء واحتدم النقاش  بين طلبة القاعدة الجوية والمنتسبين الجدد وبين من تبقى من القلة القليلة من الضباط والمراتب , ثم أوحى احد الشياطين المشبوهين من المحسوبين على ضباط القوات الامنية الى هذه  المجاميع الشبابية   بالانصراف الى ديارهم والرجوع الى اهاليهم , بعد اخذ الاسلحة منهم , وانتشر هذا الامر بينهم انتشار النار في الهشيم , وسار الشباب العزل يحدوهم الامل بالعودة الى ديار الاحبة وزيارة كربلاء وسقاية الزوار واطعامهم , سارت تلك الجموع  الغفيرة والمنايا تحيط بهم من كل حدب وصوب , والضباع والذئاب التكريتية تحدق بوجوه الضحايا بإمعان ؛ لأنها كانت عطشى لشرب الدماء , بينما كان المنتسبون عطشى للماء … ؛ المسير كان باتجاه كربلاء , فهم لم يفكروا قط بالاستراحة في دار الظالمين والجلادين ومن قاموا بقصف ضريح الحسين وقتلوا الملايين من اتباع أمير المؤمنين , الا ان الطبع غلاب كما يقولون , فقد حدث ما لم يكن بالحسبان , اذ ظهر فجأة وعلى حين غرة شيوخ وكهول يرتدون الزي العربي بمعية الشباب ؛ واقسموا لهم باغلظ الايمان واعطوهم الوعود والعهود  وحلفوا لهم بالحماية والامان , واغروهم بحسن الضيافة وحفاوة الاستقبال , ولطيبة قلوبهم وسذاجة شخصياتهم و( فطاريتهم المعهودة ) ولصغر سنهم وانعدام خبرتهم انقادوا للكلام المعسول الذي تفوه به ابناء تكريت من قرية البو عجيل والبو ناصر ومن لف لفهم  , وصدقوا بهم وقبلوا ضيافتهم , علهم يحسنون وفادتهم , ثم قام اللؤماء المهجنين والاراذل المجرمين بتقسيمهم الى مجموعات صغيرة بحجة ان كل عشيرة تستضيف مجموعة منهم , وانطلى الامر على العراقيين , فقد كانت تلك خطة محكمة للسيطرة عليهم واضعافهم , ولا ينبئك مثل خبير , فهؤلاء خبروا الخداع والنفاق والخسة والدناءة والغدر والفتك بالعزل والبطش  بالأبرياء فضلا عن معرفتهم بطرق الاغتيال والقتل والتعذيب , فقد حكموا العراق والعراقيين بالحديد والنار طوال 40 عام تقريبا … ؛ وقد ذكر مشعان الجبوري في احدى شهاداته الموثقة ؛ ان مجرمي تكريت وزبانية العوجة ؛ كانوا يعلمون اولادهم الصغار على القنص والرمي الحي ؛ وذلك من خلال اخراج السجناء العراقيين الاحرار والمعتقلين المظلومين العزل من المعتقلات الصدامية والسجون البعثية وامرهم بالركض في اماكن مكشوفة كالبراري وغيرها ؛ ثم يقوم الاطفال والصبيان والمراهقين والشباب باصطيادهم كما يصطاد الصياد الحيوانات …!!

 وصدق من قال :  لم يخنك الامين انما ائتمنت الخائن , وهذه السذاجة طالما اطاحت بالعراقيين الاصلاء  , اذ ان بين الطيبة والسذاجة خيط رفيع ؛ فهؤلاء العراقيون الاصلاء الطيبون لا يتصورن ان هنالك عراقي او شخص يسكن فيه ويشرب من ماءه ويأكل من خيراته يحمل كل هذا الكم الهائل من الاجرام والحقد والضغينة على ابناء الوطن , فالطيب يرى الناس على شاكلته , وهذا خطأ فادح … , فاتباع الخط المنكوس  وابناء الفئة الهجينة مجرمون بالفطرة ويكرهون العراقيين الأصلاء كرها منقطع النظير , وان ادعوا حب العراق , فهذه مجرد ادعاءات كاذبة وشعارات مزيفة للتمويه على حقيقتهم البشعة واصولهم الاجنبية وجذورهم الغريبة ,فالذي يحب الوطن لابد له من حب المواطن , والذي يعشق العراق لابد له من عشق العراقي … .

 انطلقت بهم مركبات الحمل والاليات ( كالقلابات) وكدسوا فيها كما الحيوانات , وبدأت الشكوك تساورهم والقلق والتوتر يسيطر عليهم , ولات حين مندم , فقد سبق السيف العذل , وسلموا امرهم للواحد الاحد , ثم انزلوهم من السيارات بالضرب بأعقاب البنادق  والسياط وبواسطة الأيدي والركلات ؛ وكان هذا أول الغيث التكريتي الهجين الذي يقطر سما ودما وقيحا وحميما , ثم وضعوهم في اماكن الاحتجاز , وبدأت هوايتهم المفضلة في تعذيب العراقيين الاصلاء , فقد حرموا بعد سقوط الصنم الهجين عام 2003 من شرب الدماء , وقد اخذ العطش منهم مأخذه , وها هم يسترجعون ايامهم الحمراء الخوالي من خلال اراقة دماء هؤلاء الشباب الابرياء لتروي ظمأهم الشديد وتطفى نيران قلوبهم المريضة الحاقدة .

 بينما اشتد الظمأ وبلغ العطش مبلغه , اذ لم يشرب الشباب قطرة من الماء ولم يأكلوا لقمة من الطعام , فقد ذهبت وعود الاوغاد بإقرائهم واطعامهم ادراج الرياح , وصار الشباب يتلوون من العطش والعذاب , وكلما طلب احد منهم الماء , انهالوا عليه بالضرب المبرح ومارسوا بحقه شتى صنوف التعذيب , حتى يأس الشباب من الماء , وقضوا ساعاتهم وايامهم  العصيبة عطاشى وهلكى من الجوع , واذا بالمنادي يصرخ بهم ان قوموا الى منيتكم واذهبوا الى قبوركم واستعدوا للنحر والذبح , وتهيئوا للغوص في مياه دجلة فأنتم عطشى … ؛ وارتوا انذال تكريت من الدماء بينما ذهب ابناءنا الاصلاء عطشى , و ما عشت اراك الدهر عجبا , اذ لأول مرة يرتوي صاحب الدار من دماء الضيوف بينما يحرم ضيوفه من الماء وهم في لحظات الوداع الاخير …؟!