"تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك."
يقول الشراح أن الرسول عدد مقاصد الناس في الزواج، ثم حث على الزواج بذات الدين.

أما نحن فما زلنا على جاهليتنا نخالف قول المبعوث. وإليك مقاصد الزواج عندنا مرتبة من الأهم:

أول ما ننظر فيه عند الزواج هو النسب (وهذا هو الحسب). فإذا كان الزوج من نسب يكافئ نسبنا، ننظر في المقاصد الأخرى. أما إذا كان لا يكافئ نسبنا، فإن الزواج قد بطل! وهذه جاهلية لم نتخلص منها بعد، فنحن لم نصل في درب الحضارة إلى ما وصلت إليه المجتمعات الأخرى في هذا الجانب. وإني أظن أن هذا المقصد في أفول.
ولا يقولن أحد منكم أن شرف النسب هنا يقصد به شرف أفعال أهل الزوج؛ إذ إن هذا ليس ما نراه عند الناس. فالنسب عندهم تصنيف للبشر لا أكثر، وجدواه غير معلوم عندهم، فإنك لو سألت أحدًا منهم وقلت له: لماذا هؤلاء من درجة أقل؟ تجده يقول: هذا ما وجدنا عليه آباءنا! وإن تحاذق ورد عليك بقوله أنهم كانوا صناعًا، فاسأله ولماذا الصناع أقل درجة؟ وعندها سيحار في جوابك. وبعد هذا كله تجده يعمل في الصناعة! فتغدو متعجبًا...

ثم لماذا كان الناس ينشدون النسب الشريف عند الزواج؟
كما بينت سابقًا، جدوى النسب غير معلومة في زماننا هذا. أما قديمًا، فجدواه كانت واضحة. النسب العالي هو النسب إلى جماعة منيعة عزيزة، فلذلك أعلى الناس نسبًا هم الملوك والأمراء. وجدواه، أنك بمناسبتك إياهم تدخل فيهم، فلا يجورون عليك، ويقومون معك إذا ما جار أحد عليك.

المقصد الثاني من حيث الأهمية هو الجمال. وتقريبًا هذا كل ما يشغل الناس عند البحث عن الزوج. فالأم ببحثها وسؤالها، والخطابة، والرؤية الشرعية كلها لأجل تحقيق مقصد الجمال في الزوج. وإني أخشى على الأمهات يومًا تكشف فيه النساء عن وجوههن.

ثم المقصد الثالث وهو المال. وهذا ما لبثنا أن تجاوزناه حتى رجعنا إليه. فمعيب الآن أن يصرح رجل بأن يقول تزوجت زوجي طمعًا بمالها. ولكن رجعنا إليه عندما كثر اشتراط أن تكون الزوجة موظفة. وهذا الشرط لن يتراجع قريبًا. وهو جهالة جهلاء، حري بنا أن نذلل الطريق لتجاوزها. وينبغي أن نتجاوز هذا الشرط في الزوجين، لا في المرأة فقط.

ثم المقصد الرابع وهو الدين. وهذا الشرط أسهل الشروط تحقيقًا، فلتحقيقه علينا أن نسأل سؤالًا واحدًا وهو: هل ظهر من المرأة أمر خالفت به الجماعة من حولها؟ والغالب أن الجواب لا. أما شرط الدين في الرجل فهو أشد تحقيقًا عندنا، وهذا مفهوم؛ لأن الولاية في يده.

ثم بعد هذا،
إني أرى طريقة التزويج عندنا تحتضر وحان وقت قبرها. فالدين أهم ما يجب أن ننظر فيه، والدين هو الأخلاق والأخلاق لا تعرف إلا بالمعاشرة. سواء كانت معاشرة مباشرة أو غير مباشرة(بالنقل). ولكن من منا يثق بحكم الآخر ووصفه؟!
مناسبة هذه الفضفضة أن أمي سألتني عن "المواصفات" التي أريدها، فقلت لها: الجمال أنت تعرفينه، ولي الرؤية الشرعية، ما أريده هو زوجة مؤدبة، لا تكذب، ولا تكثر اللغو، متعلمة لا تهتم بالمظاهر. فقالت لي: كيف لي أن أعرف هذا؟! ما عليّ إلا ما تراه عيني وما طلبت لا يُعرف إلا بالمعاشرة.