الشريعة تتغرب في كل يوم نبتعد فيه عن زمن النبي. الشريعة تتغرب في كل يوم نخطوا في مسيرتنا نحو الحداثة خطوة.

اليوم نظرت في أمر ذبح الحيوانات، وكان الذي دعاني إلى ذلك أنني كنت أقرأ في السيخية فوجدتهم يحرمون المذبوح حلالًا(بالطريقة الإسلامية) وعلتهم أن هذه الطريقة ليست أرأف طريقة، بل ضرب الحيوان بالسيف أو الفأس على رقبته أسرع في انتزاع الروح. لا أظن أن هذا كان هو السبب الرئيس في تحريم المذبوح بالطريقة الإسلامية، إنما أرادوا أن يخالفوا المسلمين.

شروط الذبح الحلال في الشريعة:

  1.  أهلية الذابح؛ أن يكون مسلمًا أو من أهل الكتاب.
  2.  ذكر الله {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}.
  3.  قطع الحلقوم والمريء والودجين من جهة الحلقوم بآلة حادة.

يقول كثير من أصحابنا أن الذبح بالسكين بهذه الطريقة شرعه بارينا لأنه أرأف طريقة ممكنة. لا خلاف في أن ربنا أمرنا بالرفق بالحيوان، ولكن هذا الادعاء لا دليل عليه. نقر بأن هذا الذبح أرأف من طرق كثيرة غيره، ولكن لا نقر بإطلاقه. فقد يتساءل سائل ويقول: "هل صيد حيوان البحر بخنقه(إخراجه من الماء) تعذيب له والأولى ذبحه وهو في البحر(كأن نصيده بالسهام أو الطلقات النارية) وإن كان الخنق أرأف فلماذا لا نخنق حيوان البر قياسًا".

وقد يأتي آخر ويقول: "إن القتل بالتخدير أرأف من الذبح". ونحن بالملاحظة سنوافقه، فإن تخدير الحيوان لينام نومة لا يقوم بعدها أبدًا أرأف من ذبحه. فإننا عند ذبحه نرى الخوف في عينيه، وألم الجرح نعرفه، ورئتيه تشرق بدمه(وهذا اختناق)، وتقلبه بينما روحه تنزع ظاهر أمامنا. أما التخدير فلا شك أنه أقل عذابًا. ألا ترى الواحد منا يدخل غرفة العمليات مخدرًا فلا يتألم من وخز إبرة أو شق مشرط، وهذا وهو مستيقظ، إذ إنه خدر تخديرًا موضعيًا، فما بالك لو كان في سبات.

لهذا، تعليل الذبح بالسكين هكذا يفضي إلى كلام يرفضه العاقل الأريب. نقول: إن الله شرع للناس في ذلك الوقت أرأف طريقة كانت موجودة في زمانهم. والله يريد اليسر لا العسر فلم يوجب ذبح حيوان البحر؛ لصعوبة الأمر، فأجاز أكله مختنقًا.

قد يقول آخر: "إنما علة الذبح بالسكين هي إخراج الدم النجس من الحيوان". وهنا سنجد المتسائلين يتساؤلون عن حيوان البحر، فندور في نفس الجدل.

وقد يقول آخر: "إنما علة الذبح بالسكين هي استشعار الفرد عظم الفعل، فإنه عندما يرى عذاب الحيوان سيتأثر أكثر. ألا ترى أن قتل المئات بالصواريخ والقنابل عند الإنسان أسهل من قتل فرد واحد بالسكين". وقد يرد عليه آخر ويقول: "ألا ترى أن اعتياد الإنسان للقتل بالسكين قد يميت قلبه مع الزمن فيصبح الأمر عنده هين، وفي هذا بلاء عظيم".

إن الخوض في طريقة الذبح، لن ينتهي، فلكل رأي وجه.

اعلم أن المقصد الأسمى من شعائر الذبح في معظم الأديان ومنها الإسلام، هي استشعار حرمة الروح. ولهذا على كل امرئ أن يذكر اسم الله عند الذبح، ويستحضر جلل هذا الأمر وأن الله وحده هو الذي شرع للإنسان إزهاق عبد من عباده(الحيوان)، ولا لأحد غيره الحق بأن يشرع هذا.

قد تتساءل الآن وتقول: ما دخل الحداثة في كل هذا؟!

أولًا، إن أتى قوم ودعوا إلى الذبح بالتخدير(وهذا من منتجات الحداثة)، فإنهم سيتغربون عن طريقة السلف بالذبح، وإن كانوا أقرب إلى روح الدين، إن سلمنا جدلًا بأن التخدير أرأف.

الأمر الثاني وهو الأعظم، أننا في زمن قل من يذبح فيه. بل إن كثيرًا من البشر يغادر الدنيا ولم يذبح حيوانًا قط، وبعضهم لم ير حيوانًا يُذبح في حياته كلها. فاللحوم نجدها معلبة في الأسواق فنشتريها كما نشتري أي سلعة أخرى، ونستهلكها من دون استشعار للفرق بينها وبين غيرها من الطعام، فكلها سواسية. ومع الزمن نسينا مقصد شعائر الذبح. ومن عوارض هذا خوضنا في الطريقة أكثر من خوضنا في حرمة الروح، وهذا تغرب مركب.

لهذا نجد مجموعة متكاثرة من المسلمين يستنكرون(أو قل لا يستوعبون) حرمة أكل اللحم غير المذكور اسم الله عليه إذا كان مذبوحًا بطريقة رحيمة. على المجدد أن يجد لنا طريقة تجعل الفرد منا يستشعر حرمة الروح في اللحوم المعلبة. أما أقل طرق الذبح ألمًا، فقد تشابهت علينا ولا أظن أن أحدًا سيفصل في هذا إلا العلم الطبيعي.