لن أتطرق إلى حكم الصورة، وسأعدها أمرًا حلالًا، ولن أتطرق إلى حكم التمثيل، وسأعده حلالًا أيضًا. لن أتطرق إلى أنها من مظاهر التغريب الظاهري، وأقصد بالتغريب الظاهري التغريب الشكلي، أي أنها أسلوب وآلة غربية لا يعرفها المسلمون. وليتضح الفرق بينه وبين التغريب الباطني، فالتغريب الظاهري هو نحو تحريم الروايات والمسرحيات، لأنها أساليب أعجمية وفيها تشبه، ومن هذا أيضًا تحريم الدراجة، والمذياع، وغيرهما.

إذن، أنا أفرق بين هاذين النوعين؛ إذ إنني لا أرى بأسًا من التغريب الظاهري إذا كان فيه صلاح، وثبتت فائدته، وهذا من باب الحكمة ضالة المؤمن. أما التغريب الباطني، فهو التغريب المفاهيمي، وهذا يكون في الأفكار. وأنا لست ضد الاستفادة من أفكار الآخرين، ولكن ضد أن تعرض على العامة مباشرة! وبين هاذين النوعين من التغريب تداخل.

إذن، باعتبار أن التصوير والتمثيل جائزان، وأن التغريب الظاهري لا إشكال فيه، تبقى مشكلة وحيدة وهي أنها تغرب المجتمع ثقافيًا، فيصبح مفهوم الحب هو ما يفعله جورج كلوني، ومفهوم الجمال هو ما تقرره هوليود، وبر الوالدين هو ما يصوغه كاتب فلم ما، ومفهوم الحشمة، ومفهوم...

لا يجوز أن نسلم هاته الأداة شديدة التأثير لمن لا نأمنهم، بل نخالفهم فلسفيًا وأخلاقيًا في أمور كثيرة جدًا! يتبين من هذا أن المشكلة تكمن في أن المنتج المعروض يأتينا من الغرب ولو كان منتجًا يأتي من إطار أمتنا؛ لزال هذا الإشكال.

قد يقول قائل أن الشق أكبر من الرقعة، وأن هاته الأفلام موجودة في كل مكان، في المنازل والأسواق، فالناس يبتاعونها ويشاهدونها. نعم، لقد صدق :( فالعولمة تغلغلت في العالم كله.

إذن لماذا المنع؟

المنع في السعودية الآن هو لمنعها من أن تكون ظاهرة في المجال العام، فتُقضى في المجال الخاص فقط، خلف الأسوار. وللأسف هذا يبين ضعف ثقافتنا، ويؤصل للنفاق والرياء في مجتمعنا، وهاذان مرضان أفتكان.

ما الحل؟

يقول المؤيدون لفتح المفالم أنه لا يمكن أن يكون هناك أفلام محلية الصنع قبل أن تكون هناك أماكن لعرضها. وفي كلامهم هذا صحة. ولكن الذي يغفلونه هو أن فتح هاته المفالم لا يضمن نشوء صناعة فلمية عندنا، ودول الخليج خير مثال.

أرى أنه ينبغي أن نفتتح هاته المفالم؛ لأسباب كثيرة، منها أنها مطلب شعبي جائز؛ ومنها لنقاء السريرة، فلا يتكتم الناس في بيوتهم عند فعل ذلك؛ ومنها أنها أداة تأثير عظيمة يجب علينا أن نستغلها؛ وأخيرًا، أنها فن جميل.

ولكن لافتتاحها يجب أن نراعي أمورًا ثلاثة. أولًا: يجب أن يكون هناك برنامج مدروس لتطوير الإنتاج الفلمي عندنا. ثانيًا: أن لا يُكثر من فتح هاته المفالم على الأقل في السنوات الأولى؛ حتى لا يتسابق ملاكها على عرض الغث من إنتاج الغرب. ثالثًا: أن يحرص على اختيار الأفلام، فهناك أفلام جميلة ومناسبة، وكذلك أن يركز على إنتاج الدول الإسلامية كتركيا، وإيران، وأندونيسيا، والدول العربية، وغيرها. وأن ينوع في العرض أيضًا فلا يكون كل المعروض غربيًا، بل تعرض الأفلام الهندية، والصينية، والروسية، والأفريقية، واللاتينية، وغيرها. وبهذا تزيد المادة المعروضة الجيدة، والأهم أن تزال مركزية الثقافة الغربية، فعندما يتلقى المشاهد ثقافات متعددة تصل لحد التناقض، سيصبح أكثر فطنة عند تلقيها، أما إذا كان يتلقى من ثقافة واحدة يومًا بعد آخر، فهذا سيؤدي إلى تغلغل مفاهيمها فيه دون وعي منه.


* أترجم «دار السينما» إلى «مَفْلَم» على اسم المكان مَفْعَل ويجمع: مَفَالِم، مثل قولنا: مجلس مجالس، ومهبط مهابط، ومنزل منازل. ونقول: «مَفْلَمَة» على وزن موقعة ومعركة، للمكان الذي ينتج فيه الأفلام، كمكان بُني لذلك، أو الاستديوهات الخاصة بالأفلام، فنقول: مفلمة هوليود. وتجمع: مَفلَمات. و«فِلْم» هو اسم المنتج المعروض ويجمع: أفلام. وجذرها ف-ل-م غير مستعمل، فيمكن استخدامه لاشتقاق أفعال وأسماء أخرى، مثل ما فعل الناس عندما ولدوا الفعل المزيد "فلّم" ومعناه أن يأتي شخص بفعل لا يكون إلا في الأفلام.