إن أي مواطن عراقي مهما كان على درجة عالية من الفطنة والذكاء ، وأي محقق أو باحث أيا كانت منزلته في عالم التحري ودراسة التاريخ ، لن يقتنعا بأن فئة هجينة حاقدة صادرت الحكم في العراق من أصحابه الشرعيين وابناءه الاصلاء ؛ بالبطش وقوة السلاح والمكر والعمالة والخيانة وفي ليلة ظلماء ، فهدمت الحياة الدستورية والمدنية من القواعد ، وأغرقت الوطن في كل أصقاعه بالدماء والمجازر والمقابر الجماعية والحروب العبثية ؛ وقمعت الانتفاضات الوطنية والثورات والاحتجاجات الشعبية ، وباعت البلاد بثمن بخس أو بدون ثمن لأشد الناس عداوة للعراق والاغلبية والامة العراقية ، ليضمنوا دعمه في بقائهم في السلطة عقودًا طويلة ؛ فقد بذلوا الغالي والنفيس من أجل التشبث بالكرسي والبقاء في الحكم وقدموا مختلف التنازلات المهينة الا ان ورقتهم احترقت عند اسيادهم الكبار ، ومزقوا وحدة بلاد الرافدين , ودمروا الجيش ، وجردوه من كل أسباب القوة المادية والمعنوية والسلاح ، ليسلموه عن وعي وقصد لهزيمة مخزية ونكراء في الحرب الاخيرة عام 3003 ، ونهبوا المال والثروة ومقدرات البلاد ، ليودعوا المليارات في بيوت المال الأوروبية والأمريكية ، ويتركوا الأكثرية من المواطنين في فقر مدقع وتحت خط الفقر ، وأقاموا مع القوى الكبرى هدنة وسلامًا دائمًا وشهر عسل , استمر لأكثر من 40 سنة ، وبعد انتهاء اللعبة , سلموا مدنهم وقراهم ومناطقهم دونما حرب أو دفاع ؛ كالجبناء المستخنثين والعملاء المتواطئين ... الخ ؛ أقول : لا يمكن لأحد أن يصدق ذلك إلا إذا أمعن النظر في دراسة بداية نشوء الدولة العراقية الحديثة على يد الانكليز البريطانيين ورعاياهم من الغرباء القوميين والدخلاء العثمانيين والاجانب ؛ وماذا اراد الانكليز من تلك الحكومات الهجينة والغريبة والعنصرية والطائفية , وكيف انهم كتبوا كل فصول المسرحية السياسية المنكوسة في بلاد الرافدين , بما تحتويها من وثائق وحقائق مذلة ومؤامرات مدمرة ... ؛ عندها يدرك أن كارثة العراقيين الذين عاشوا في ظل الحكومات الهجينة الحاقدة ولاسيما في ظل النظام البعثي التكريتي الهجين ؛ أكبر مما يخطه قلم ، أو يحيط به دارس أو باحث ؛ ولهذه الاسباب طغت الاقلية الهجينة في الارض وتمادت في سفك الدماء الزكية , وتبديد الثروات الوطنية .
على الرغم من بساطة المستوى الثقافي , وانعدام المهارات والكفاءات لأغلب رجال الزمرة الطائفية والطغمة التكريتية ؛ بل ان الكثير منهم كانت مستويات الذكاء لديهم متدنية او متوسطة , بالإضافة الى ان اغلبهم كان عي اللسان وضعيف البيان , فلا يوجد فيهم خطيب مفوه , او متكلم بارع , او محاور موسوعي ... ؛ كانوا يشعرون بالغطرسة والعنجهية والتكبر والاهمية والنرجسية ؛ رغم اعترافاتهم ومعرفتهم بحقيقة اسلافهم واجدادهم الذين عانوا من الشتات والفقر والعوز والتبعية للعثمانيين الذين جاءوا بهم من مختلف البقاع والاصقاع , فهم لا يربطهم رابط مشترك ولا يجمعهم نسب واحد ؛ سوى الشتات والتشرذم والولاء للأجنبي كالعثماني والبريطاني ؛ والذي انصهر بقالب المناطقية ثم ادعاء العشائرية والتشبث - زورا - بأذيال الهوية العراقية والنسب العربي فيما بعد .
ومما لا شك فيه ؛ إن الشعور بالاستعلاء والاستكبار على جميع العراقيين الاصلاء الذي اتصفت به هذه الزمر المريضة والفلول الغريبة في عهود السلطات الطائفية والعنصرية المقيتة - 1921 / 2003 - ؛ بسبب ما تمتلكه تلك الجماعات من نفوذ سلطوي وعسكري و بعناوين مختلفة ؛ والذي انعكس ايجابا على الحالة الاجتماعية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والصحية ؛ وغير من واقع تلك الشراذم الطائفية والعنصرية المنكوسة نحو الافضل , اما فيما يخص اهالي تكريت فبالإضافة الى ما سبق ؛ اعتقد ان البعض منهم ولأصوله اليهودية , اصيب بهذا الداء العضال والمرض المزمن ؛ فاليهود كانوا ولا زالوا يعتبرون انفسهم شعب الله المختار , وان الله ميزهم وفضلهم على العالمين ... ؛ وانبنى على ذلك احتقارهم للطوائف والاعراق العراقية ولاسيما ابناء الاغلبية الاصيلة ؛ وتسميتها بألفاظ الاستصغار والتحقير واطلاق كلمات السباب والشتائم بحقهم , من خلال وسائل الاعلام والجو الحكومي والسلطوي العام حتى وصل الامر بصنم الفئة الهجينة ومجهول الاصل والاب والهوية المجرم صدام ان يكتب بيراعه الاصفر او يأمر احد زبانيته مجموعة من المقالات التي تنتقص من العراقيين الاصلاء والجنوبيين النبلاء ؛ ثم تمادوا في ادعائهم بأنهم هم اهل العراق الاصلاء , وابناء العشائر العربية العريقة ؛ بل انتسبوا الى سرجون الاكدي وحمورابي البابلي ؛ وبالغوا بالادعاءات الفارغة واعتبروا انفسهم فرسان العراق والامة العربية وحماة البوابة الشرقية ؛ على الرغم من انهم تنازلوا عن الاراضي العراقية الشاسعة لصالح دول الجوار , وعلى الرغم من ان العراق قد تعرض لدخول القوات الاجنبية اكثر من مرة في حكمهم الاغبر ؛ حتى وصل بهم الامر الى تقديم العراق على طبق من ذهب للأمريكان ؛ اذ فتحوا مدنهم بلا قتال وسلموا قراهم بلا نزال ؛ وكأن وظيفتهم كانت ابادة الاغلبية والامة العراقية لا غير .
وقد استفادت تلك الجماعات الغريبة والشراذم الدخيلة والزمر الطائفية والعنصرية ؛ من الظروف الدولية التي اعقبت قيام الجمهورية الاسلامية في ايران ؛ اذ سخرت كل مقدرات العراق والمساعدات الدولية والاقليمية , ومواقف الانظمة العربية الداعمة فضلا عن دعم واسناد القوى الدولية الكبرى ودوائر المخابرات الخارجية الخطيرة ؛ في بسط نفوذها وتقوية مكوناتها الاجتماعية ؛ على حساب العراق والامة والاغلبية العراقية ؛ وسيطرت على كل المرافق العامة ومراكز القرار والنفوذ ومقدرات البلاد الاقتصادية ؛ بصورة أقوى و أوسع وأكبر من أي وقت مضى وعززت قوتها في الجنوب والشمال ؛ وعندما جاءها الضوء الاخضر من قوى الشر والظلام والاستكبار و انظمة الحكم العربية الطائفية ؛ فتكت بالأغلبية والامة العراقية بدون رحمة ولا شفقة ؛ اذ قتلت الملايين منهم بشتى الذرائع والحيل ؛ بدءا بالحروب العبثية ومعارك الوكالة والنيابة الخاسرة , مرورا بالاعتقالات والاعدامات والتصفيات الجسدية , وصولا الى التطهير العرقي والطائفي واستخدام الاسلحة الكيماوية والمقابر الجماعية , وانتهاءا بالأمراض والمجاعات وسوء الخدمات ؛ وهتكت الحرمات والمقدسات , ونهبت الاموال والثروات , واستباحت البلاد طولا وعرضا , ولم يسلم منها شيء قط ؛ حتى الاشجار والاهوار لم تسلم , وعمّ فساد الأخلاق، وضعفت العلاقات الاجتماعية، وتفكّك كيان الأسرة ... ؛ ولم يبقى حجر على حجر , فقد تحول العراق الى كومة من الخرائب والزرائب ... ؛ وقد ولدت تلك الاحداث المأساوية والجرائم الدموية والانتهاكات الطويلة لدى هؤلاء الاوباش ؛ شعورا بالقوة والعظمة والاستهتار ؛ وقد ظل هذا الشعور ملازم لهم حتى بعد سقوط الصنم ؛ وما الجرائم الارهابية والعمليات الانتحارية ومجزرة سبايكر وسجن بادوش والصقلاوية وغيرها الكثير ؛ الا دليل واضح على هذا المرض المزمن والداء العضال الذي اصيب به القوم ؛ فالقوم ابناء القوم .
وهم الى هذه اللحظة ؛ يعتقدون بان العراق والاغلبية والامة العراقية ؛ لا تحكم الا بالحديد والنار , وبالدبابات والمعتقلات , وبتدوير الانتكاسات والازمات والبلاءات , ولا يوجد في قاموسهم الهجين , شيء أسمه : الرحمة او الحب او التكافل الاجتماعي والتضامن الانساني او السلم المجتمعي او الوطنية او التنمية وحقوق الانسان والمواطنة , او العيش الكريم والكرامة والانسانية ومكارم الاخلاق والشيم النبيلة والقيم السامية ؛ ولا غرو في ذلك فكل اناء بالذي فيه ينضح , اذ لا توجد في جعبتهم سوى الغدر والخيانة والمكر والعمالة والاجرام والارهاب والسرقة والحيوانية والانانية والنرجسية والشهوانية والعنف والصلف و الحقارة .